الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هكذا تحدث الجنرال ميشال عون

هكذا تحدث الجنرال ميشال عون

05.06.2014
ياسر الزعاترة



الدستور
الاربعاء 4/6/2014
رغم نفي التسريبات التي نقلت على لسان الجنرال ميشال عون من قبل فعاليات مارونية زارته مؤخرا، إلا أن جوهرها ينطبق تماما مع برنامجه وطروحاته، بخاصة الجزء الذي سنتوقف عنده هنا، والذي لخّصه مراسل “القدس العربي” في بيروت بعدة نقاط هي كالتالي:
أولا: تحدث عن اللقاء عن دوره كمسيحيّ مشرقي.
ثانيا : جدّد تحذيره من الأصوليّات.
ثالثا: أكّد أنّه مع الرئيس السوري بشار الأسد، لأنّه ضد البديل، وقال بثقة: يجب منحه جائزة نوبل لمحاربته الإرهاب.
رابعا: اعتبر أن الشيعة أقلية، وإذا ربحوا نربح سويا.
خامسا: أكد أنه يرفض الجلوس على الحياد، لأن مَن سيربح سيحتقر المحايد، ومن سيخسر سيحقد على المحايد، وأنا اخترتُ التحالف مع الشيعة.
لا شيء مما ذكر أعلاه يختلف في شيء عن جوهر طروحات الرجل كما أشير آنفا، فالنفس الطائفي هو ابتداءً وانتهاءً ما يحرك سياساته، فضلا عن البعد الشخصي ممثلا في طموحات الزعامة، للطائفة المارونية أولا، وللبنان كرئيس ثانيا.
والحال أن الجوهر الأساس لكل الطرح الذي يتبناه الجنرال عون هنا هو المتمثل فيما نقل عنه سابقا، ويدور حول فكرة تحالف الأقليات في المنطقة، وحيث يرى نفسه ممثلا لأقلية مسيحية “مشرقية” تتعرض للتهديد، من قبل الغالبية السنيّة، ولذلك فهو يجد مصلحته في التحالف مع الأقلية الشيعية في المنطقة، وهذا هو الضامن لمصالحه ومصالح طائفته، بحسب ما يرى.
لا وجود هنا لمقاومة الاحتلال الصهيوني، فذلك شعار يرفعه حزب الله، ولا شأن لعون به من قريب أو بعيد، وحين يتناقض ذلك الشعار مع متطلبات التحالف مع الجنرال لصالح إسناد بشار الأسد، وتسيد الساحة اللبنانية، فإن الحزب لا يتردد في التنازل عنه، ألم يقف إلى جانب ذراع عون الأيمن فايز كرم (العميل المخضرم للصهاينة)، والذي لم يجلس في السجن سوى أقل من 3 أعوام؟!
لا أهمية للمبادئ والقيم هنا، فالحسابات في المعسكرين المتحالفين طائفية بامتياز. حزب الله بامتثاله لأوامر الولي الفقيه بدعم بشار كركن إستراتيجي في مشروع التمدد الإيراني، وعون بترحيبه بالتحالف المذكرو لأنه يضمن برأيه مصالحه الشخصية، ومصالح الطائفة في آن.
ما تبقى من كلام هو مجرد محاولات لتبرير المواقف مثل القول إن هنا كأصوليات يجب مقاومتها، وأن بشار يستحق جائزة نوبل لمقاومته لها، فعون لم يكن مع ثورة سوريا حين كانت تبذل الدماء في الشوارع ويهتف أبناؤها “واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد”، دون أن تطلق رصاصة واحدة، ودون أن تظهر أصوليات من تلك التي يتذرع بها، الأمر الذي ينطبق تماما على حزب الله الذي يتذرع حاليا بالجماعات التكفيرية في سياق تبرير تدخله العسكري لصالح النظام.
المؤكد أن الجنرال عون لم يكن ضد ثورة سوريا فحسب، فهو ضد ثورة مصر وتونس وكل ثورة أخرى، والسبب أن الأقليات لا ترى لها مصلحة إلا إلى جانب الطغاة الموجودين، وبالطبع تحت ذريعة الخوف من البديل، وفي مصر لم يكن الموقف من الأقباط يوما واستبعادهم من المؤسسة العسكرية والأمنية مثلا هو خيار الإخوان، بل هو خيار ذات المؤسستين، لكن البعد الطائفي ما لبث أن طغى، ولو حوّل مرسي مصر إلى سويسرا لما تغير الموقف. أرأيت إلى أردوغان كيف تقف غالبية العلوييين ضده رغم أنه رئيس وزراء ناجح جدا، وهو موقف سابق على ثورة سوريا، بل لم يتغير حين كان الرجل يتقارب جدا مع النظام السوري.
هو إذن تحالف الأقليات ضد الغالبية، وهو طرح لا يجد عون غضاضة في التصريح به، لكن نصر الله والسادة في إيران لا يتحدثون عنه بهذه الصراحة، فهم يتحدثون عن الأمة، بينما يتجاهلون أنهم خسروا غالبيتها بانحيازهم إلى جانب طاغية يقاتل شعبه، وبالطبع لحسابات طائفية واضحة.
قد يبدو هذا التحالف (تحالف الأقليات) في مزاج انتصار مرحلي، ولا يُستبعد أن يؤدي ذلك إلى جعل الجنرال عون رئيسا للبنان، لكن ذلك لن يكون سوى مرحلة من مراحل الصراع على هوية المنطقة، لأنه ما من أقلية، ولا حتى أقليات تعلن الحرب على الغالبية (صراحة بطريقة عون، أو ضمنا بطريق التحالف الإيراني)، وتربح الحرب على المدى البعيد، وربما المتوسط، ويغرق الجنرال في الوهم، مثل حلفائه، إذا يعتقد أن سوريا ستعود إلى ما كانت عليه قبل الثورة، لكن المسيرة قد تطول، وبالطبع حتى تتعب إيران من نزيفها الرهيب، أو ربما حتى تجد لها صيغة صفقة مع الغرب يصعب الجزم بتفاصيلها.
بقي القول إن مثل هذا الخطاب الذي يتبناه عون صراحة، وتحالف إيران (ضمنا وسلوكا) إنما يزيد في حدة الصراع في المنطقة، وهو صراع سيطول على الأرجح، وسينطوي على تضحيات ومعاناة كبيرة، لكن نهايته معروفة، ولن تكسر إرادة الغالبية في هذه المنطقة أبدا، هي التي عجز المحتل الأمريكي عن كسر إرادتها من قبل، كما تأكد من هزيمته في العراق وأفغانستان.