الرئيسة \  تقارير  \  هكذا يؤثر الاجتياح الروسي المحتمل لأوكرانيا في الشرق الأوسط

هكذا يؤثر الاجتياح الروسي المحتمل لأوكرانيا في الشرق الأوسط

20.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
السبت 19/2/2022
في وقتٍ تتصاعد فيه المخاوف من احتمالية وقوع اجتياح روسي لأوكرانيا، ينظر بعض سكان منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بوصف الأمر حدثًا لا يرتبط بهم بشكل مباشر، ولن ينعكس عليهم سلبًا أو إيجابًا، كون منطقتهم بعيدة نسبيًّا عن منطقة الصراع الجاري الآن؛ لكن في عصر أصبح فيه العالم كله مرتبطًا ببعضه بعضًا بشكل لم يسبق له مثيل، فإن الشرق الأوسط سيشهد تأثيرات مباشرة لهذه الحرب – حال وقوعها – بعضها سلبي وبعضها إيجابي.
فإذا شنت روسيا هجومًا جديدًا على أوكرانيا، فإن هذا الحدث لن يكون له عواقب وخيمة على المصالح الأوروبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط، بل ستنتقل عواقبه إلى ما هو أبعد من البلدين المتصارعين، وستتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص به، سياسيًّا واقتصاديًّا، بهذا الاجتياح.
1- أزمة في الأمن الغذائي: 50% من صادرات القمح الأوكراني تذهب للشرق الأوسط
لنبدأ من التأثير الاقتصادي المباشر، هناك خطر من أن يؤثر الصراع المتصاعد بين روسيا وأوكرانيا بشكل كبير في صادرات القمح من البلدين، والتي تمثل ما يقرب من 29% من إجمالي صادرات القمح العالمية، فيما يعد البحر الأسود القريب من منطقة الصراع بمثابة قناة رئيسة لشحنات الحبوب الدولية.
تشتهر أوكرانيا بأنها سلة غذاء أوروبا والمنطقة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًّا إلى تربتها الغنية بالمغذيات، فبالنسبة للقمح مثلًا، تقع مناطق زراعة القمح الرئيسة وموانئ تصديره في جنوب وشرق أكرانيا، مما يجعله قريب من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.
يذهب أكثر من 50% من صادرات أوكرانيا من القمح إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فعلى سبيل المثال، تأتي نصف واردات لبنان و43% من واردات ليبيا من القمح من أوكرانيا. وتعتمد مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، بشكلٍ كبيرٍ على الواردات من منطقة البحر الأسود، فيأتي نصف واردات مصر من القمح من روسيا وربعها من أوكرانيا؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن أوكرانيا هي المورد الرئيس للذرة في مصر، واستبدال الإمدادات من أوكرانيا بأخرى من مصدر آخر، قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وفي وقتٍ يعيش فيه العالم ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية بسبب الاضطرابات الواقعة في سلاسل التوريد المرتبطة بجائحة كورونا، فإن هذا من شأنه أن يزيد من خطر انعدام الأمن الغذائي، لاحظ أن التوترات الحالية تسببت بالفعل في زيادة أسعار القمح، فارتفعت العقود الآجلة للقمح المتداول في بورصة شيكاغو إلى الارتفاع بأكثر من 7% خلال الشهر الماضي، وهو أقل بقليل من أعلى مستوى وصل إليه منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
بالتأكيد، سيؤثر ارتفاع أسعار القمح في أسعار الخبز، وهو ما سيؤثر سلبًا في قطاع عريض من الشعوب العربية؛ فمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني بالفعل من بعض أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي في العالم، ويمكن أن تؤدي الزيادات الإضافية في الأسعار إلى تعميق الأزمات الإنسانية وتغذية الاضطرابات على نطاقٍ أوسع.
دول مثل اليمن ولبنان (كلاهما مشترٍ رئيس للقمح الأوكراني)، ستواجه أسوأ العواقب في ظل حالة عدم الاقتصاد والتخوفات من حدوث مجاعات. أيضًا سيشكل الأمر تهديدًا لدول مثل ليبيا ومصر، اللتين تستوردان الإمدادات الأساسية من القمح من أوكرانيا. بينما تعاني تونس والجزائر أساسًا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يصاحبه غضب شعبي، وهو ما قد يتفاقم نتيجة ارتفاع أسعار القمح والخبز.
2- إمدادات الطاقة: البحث عن بديل للغاز الروسي
أول تداعيات الحرب تتضح من خلال اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، إذ توفر روسيا ما يصل إلى 40% من الغاز الطبيعي للقارة الأوروبية، نتيجة لهذا الأمر، أصبحت أوروبا تحت رحمة روسيا فيما يتعلق بإمدادات الطاقة. وبالفعل، أثارت التوترات الحالية مخاوف من تعطل تدفق الغاز الروسي، وهو ما من شأنه حدة النقص الحالي في الطاقة، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار حتى بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين الذين يعانون من أزمة حادة في تكلفة المعيشة.
لكن بالنسبة للشرق الأوسط، ينطبق هنا المثل القائل “رب ضارة نافعة”، إذ يبدو أن استبدال غاز من الشرق الأوسط بالغاز الروسي هو الحل المناسب.
– قطر.. قوة ونفوذ في الساحة الدولية
بصفتها ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، تظل قطر حتى الآن المحور الرئيسي للجهود المبذولة لإيجاد إمدادات طاقة بديلة نحو أوروبا، ومنذ أواخر يناير (كانون الثاني) 2022، تضغط واشنطن على الدوحة لإعادة توجيه صادرات الغاز إلى أوروبا، ما يمنح قطر قوة ونفوذًا أكبر في الساحة الدولية.
– السعودية.. فرصة للاستحواذ والمساومة
ورغم أن السعودية لا تمتلك إمكانات قطر من الغاز الطبيعي، فإن احتدام النزاع بين روسيا وأوكرانيا وما قد يتبعه من عقوبات أوروبية وأمريكية على روسيا، يمكن أن يتسبب في خفض إمدادات النفط الروسية، ومن ثم زيادة أسعار النفط المرتفعة بالفعل. إذا حدث ذلك، فالغالب أن الولايات المتحدة ستضغط على الرياض لزيادة إنتاجها من النفط، حتى تنخفض الأسعار، وهو ما يعني أن واشنطن ستكون بحاجة شديدة إلى الرياض، وهو ما قد تستفيد منه الأخيرة للضغط على إدارة بايدن في بعض الملفات مثل حرب اليمن.
أيضًا، قد تشعر المملكة العربية السعودية بفرصة لتحدي هيمنة روسيا على سوق النفط في منطقة أوروبا الشرقية، لمحاولة الاستيلاء على حصة أكبر في السوق العالمية، وهو الأمر الذي بدأته المملكة بالفعل بعدما وافقت شركة “أرامكو” السعودية الشهر الماضي على شراء 30% في ثاني أكبر مصفاة في بولندا، وزيادة إمدادات النفط لأكبر شركة طاقة حكومية بولندية.
بجانب السعودية، هناك العراق والكويت أيضًا، إذ تمتلك هذه الدول الثلاثة حاليًا طاقة فائضة، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تصل إلى 4 ملايين برميل يوميًّا، بالإضافة إلى لوجستيات يمكن استخدامها لاستبدال بعض النفط الذي توفره روسيا، ما يعني أن هذه الدول ستكسب الكثير من صادرات النفط نتيجة ارتفاع الأسعار.
– الجزائر والمغرب.. هل تضغط أوروبا على الجارتين للصلح من أجل تأمين مصدر غاز؟
تمثل شمال أفريقيا حلًّا محتملًا آخر لمشاكل الطاقة في أوروبا، إذ يمكن أن تلعب كلٌّ من الجزائر وليبيا دور موردي غاز بديلين محتملين، لكن هذا سيأتي مع تعقيدات كبيرة، أهمها حالات عدم الاستقرار والفوضى التي يمكن أن تهدد استقرار إمدادات الغاز.
أدت التوترات المتصاعدة بين الجزائر والمغرب بالفعل إلى توقف صادرات الطاقة عبر خط الأنابيب الذي يربط الجزائر وإسبانيا، فالتوترات طويلة الأمد بين الجانبين لا توفر سوى القليل من الأمل في التوصل إلى حل سريع؛ لكن الأزمة الأوكرانية وحاجة أوروبا الملحة للغاز، قد تدفع إلى بذل جهود أوروبية أقوى للتوسط في النزاع.
ومع ذلك، لا يزال بإمكان الجزائر توفير إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا أو تصدير المزيد من الغاز شرقًا عبر خط الأنابيب إلى إيطاليا، ويمكن أن توفر الجزائر 7 مليارات متر مكعب إضافية سنويًّا إلى الاتحاد الأوروبي.
– ليبيا.. فرصة لاستقرار قصير المدى
في الوقت نفسه، فإن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا والتهديد المستمر بالصراع يجعلانها شريكًا مزعجًا بالنسبة لإمدادات الطاقة، لا سيما بالنظر إلى قدرتها المحدودة في إنتاج الغاز نسبيًا؛ لكن سياسيًا، قد يدعم الأوروبيون من يرون أنه قادر على توفير استقرار قصير المدى في غرب ليبيا، حيث يتواجد موقع خط أنابيب الغاز الرئيس، لكن هذا لن يكون حلًّا مستدامًا؛ إذ يمكن لروسيا أن تزيد من التعقيدات من خلال الاستفادة من وجودها في شرق ليبيا وحول حقول النفط في البلاد لتعطيل تدفقات الطاقة إلى أوروبا.
3- الاجتياح الروسي وفرض النفوذ.. والاستقرار في الشرق الأوسط
في وقتٍ كانت الولايات المتحدة قد بدأت فيه بالفعل محاولة تقليل حضورها في منطقة الشرق الأوسط بهدف التركيز على الصراع مع كلٍّ من الصين وروسيا، يمكن أن يوفر الصراع الروسي الأوكراني لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نفوذًا جديدًا مهمًا على الولايات المتحدة وأوروبا.
كما ذكرنا، من المرجح أن تسعى كلٌّ من قطر والمملكة العربية السعودية إلى استخدام مواردها من الغاز والنفط لتقوية مواقفهما السياسية لدى الولايات المتحدة.
1- قطر حليف رئيس لأمريكا
قد يكون تصنيف الولايات المتحدة لقطر حليفًا رئيسًا من خارج الناتو في يناير (كانون الثاني) 2022 بمثابة إشارة واضحة في هذا الاتجاه، لكن من المرجح أن ترغب قطر في أن تقدم أوروبا تنازلات أيضًا، قد يكون على رأس قائمتها أن تقوم المفوضية الأوروبية بتأجيل تحقيق مدته أربع سنوات في استخدام قطر المزعوم لعقود طويلة الأجل لمنع تدفق الغاز إلى السوق الأوروبية الموحدة.
2- وفرصة “ولي العهد” المنبوذ
في المملكة العربية السعودية، ربما يستغل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذه الأجواء للهرب من ذلك النفور الدولي تجاهه منذ اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية بلاده في تركيا، وقد تسعى الرياض إلى استخدام الطلبات الأمريكية والأوروبية لزيادة إمدادات النفط من أجل استعادة حظوتها وحظوة الأمير الشاب لدى الغرب.
قد يتضمن الأمر ذلك المسعى الذي طال انتظاره لولي العهد السعودي في لقاء له مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بجانب تخفيف النبرة الأمريكية المنتقدة للمملكة منذ وصول جو بايدن لسدة الحكم.
الوهابية السرورية
3- تركيا.. نفوذ أكبر وسياسة خارجية أقوى
ستكون تركيا أيضًا جزءًا مهمًّا من المعادلة الإقليمية والدولية، نظرًا لأنها عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولها علاقات وثيقة مع كلٍّ من روسيا وأوكرانيا، إذ تتنافس روسيا والغرب الآن على جذب أنقرة وراء مواقفهما بشأن أوكرانيا، وتحرص واشنطن على أن تواصل أنقرة مبيعاتها من الأسلحة إلى كييف.
بالتأكيد، لن تتحالف تركيا بشكلٍ كاملٍ مع الغرب ضد روسيا، نظرًا لعلاقتها المعقدة مع بوتين، لكن هذه الديناميكيات ستؤدي بلا شك إلى سياسة خارجية تركية أكثر ثقة بالنفس خاصةً في البحر الأبيض المتوسط وسوريا، ويمكن لتركيا أن تربح تخفيف حدة الانتقادات الغربية نحو الرئيس التركي أردوغان.
4- ليبيا.. أكبر المتضريين سياسيًّا وعسكريًّا
أحد المتضررين سياسيًّا وعسكريًّا سيكون بلا شك ليبيا، فالتوترات المتصاعدة بين أوروبا وروسيا بشأن أوكرانيا تخاطر بتعقيد موقف أوروبا نحو الأزمة الليبية، وستؤدي التوترات الأوروبية المتزايدة مع موسكو إلى تقليل احتمالية تكاتف الغرب وروسيا لتأمين حلول سياسية مستقرة للأزمة في البلاد.
فإذا نفذ الغرب تهديداته بمزيدٍ من العقوبات على روسيا أو أي إجراءات عقابية، فقد تستخدم موسكو موقعها في ليبيا للرد، بما في ذلك من خلال استغلال الصراع المتجدد وزيادة تدفقات الهجرة عبر البحر المتوسط لزيادة الضغط على أوروبا.
5- سوريا.. ثاني الخاسرين
رغم الهيمنة الروسية على سوريا حاليًا، ورغبة موسكو من الغرب توفير دعم الاستقرار هناك، فإن الصراع المتصاعد في أوكرانيا قد يعيق المفاوضات بشأن سوريا بين روسيا والولايات المتحدة، مما يعيق إحراز أي تقدم في القضايا الإنسانية وقضايا إعادة الإعمار.
6- الإمارات وإسرائيل.. ومسك العصا من المنتصف
من بين الدول التي ستأخذ الأمور بحذرٍ، الإمارات وإسرائيل؛ فالإمارات ستكون حذرةً من تنفير روسيا تجاهها من خلال التحالف مع الغرب، والأمر نفسه ينطبق على إسرائيل؛ فرغم أن إسرائيل تعد الولايات المتحدة حليفها الدولي الأساسي، فإنه منذ أن نشرت موسكو جيشها في سوريا، أصبح المسؤولون الإسرائيليون ينظرون إلى روسيا على أنها جارهم الجديد في الشمال، كما أنهم يعتمدون على التعاون الروسي لشن ضربات جوية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا.