الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هلاك الطاغية وحده لا يكفي

هلاك الطاغية وحده لا يكفي

20.10.2015
محمد حسن مفتي



عكاظ
الاثنين 19/10/2015
شارفت الأزمة السورية على نهاية عامها الخامس دون ظهور أية بوادر في الأفق لحلها، وقد مثل دخول روسيا منعطفا جديدا في مسارها وزاد مستقبلها غموضا وحيرة، وفي ظل صورة بانورامية للوضع العربي الإقليمي يمكننا الجزم بالكثير من الثقة بأن الأزمة في سوريا مرشحة للاستمرار حتى بعد رحيل الأسد، وذلك على الرغم من أن الكثير من المحللين والخبراء الاستراتيجيين راهنوا على مدى قوة وتماسك المعارضة السورية على اختلاف فئاتها، والتي اعتقدوا بأنها قادرة على الإطاحة بنظام الأسد الطاغية والمستبد وتشكيل دولة مدنية حديثة، لها حكومة منتخبة من جميع فئات الشعب دون إقصاء لأي فئة منهم، وقوية بما يكفي لأن تعيد الأمن والاستقرار لربوع سوريا.
لو عدنا بذاكرتنا قليلا إلى بداية ما يسمى بثورات الربيع العربي، فسنجد أن جموع الشعب الليبي قد هبت في وجه طاغيتها مطالبة بالتخلص منه ومن نظامه المجرم، إلى الدرجة التي طالب فيها المجلس الانتقالي الاستعانة بالدول الصديقة للقضاء على هذا الطاغية، وتدخل الناتو بشكل مباشر في ليبيا للقضاء عليه، وبعد رحيل القذافي توقع الجميع أن تسترد ليبيا عافيتها بعد غياب القذافي عن المشهد السياسي، ولكن هل عاد الاستقرار والأمان لليبيا؟ أم تمزقت ليبيا بين دولتين لكل منهما حكومة وبرلمان وتسعى كل منهما للقضاء على الأخرى؟ لقد شرعت جميع القوى السياسية المدعومة عسكريا والتي جمعها هدف واحد في الماضي القريب في التقاتل والتحول إلى ميليشيات متصارعة تسعى للاستحواذ وحدها على السلطة، وأصبحت النتيجة النهائية دمار ليبيا ونهب ثرواتها وتفتيت شعبها، حتى تدخلت الأمم المتحدة مؤخراً وسعت لتسوية سياسية نتمنى أن يكتب لها النجاح.
ولو عدنا قليلا للوراء، فمنذ قرابة 15 عاما عندما قامت الولايات المتحدة بإسقاط نظام طاغية العراق صدام حسين الذي اشتد بطشه محليا وإقليميا، اتفقت وقتها الفصائل السياسية العراقية على مقاومة الاحتلال الأمريكي وإحلال نظام بديل لصدام، ولكن بعد مرور ما يقارب العقد ونصف ماذا حدث للعراق؟ لقد بات العراق دولة متشرذمة تتنازعها الفصائل والميليشيات المختلفة وتسعى في أرضها خرابا وتدميرا وقتلا وتشريدا، وفي دولة مثل لبنان رغم أنه لم تطلها يد الربيع العربي، نجد أنها لا تزال تتعثر وتعيش فوضى سياسية لا مثيل لها، حيث لم تستطع كافة تياراتها السياسية الاتفاق على رئيس للبلاد منذ قرابة العامين.
ومن منطلق ما سبق يمكننا القول إن أزماتنا العربية لا تتوقف عند عامل واحد وهو اجتثاث رأس الأفعى، فلكل حاكم باطش نظام عميق يتغلغل في كافة أجهزة ومؤسسات الدولة، يتحكم فيها ويديرها طبقا للسياسة المحددة سلفا لا يحيد عنها لا يمينا ولا يسارا، وعندما نختزل أزمة دولة في شخص واحد مهما علت مكانته أو ازداد بطشه وجبروته فنحن للأسف الشديد نسطح القضية ونختزلها في عنصر واحد مما يجعلنا غير قادرين على تحليلها بشكل صائب أو موضوعي، وبالتالي نفشل دوما في وضع حل سياسي ناجع ودائم ومستدام.
على الرغم من أننا جميعا نتمنى رحيل الطاغية بشار الأسد من سدة الحكم في سوريا، إلا أننا نخشى أن رحيل هذا الطاغية وحده لن يحل القضية السورية التي باتت تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، فالخوف وكل الخوف أن تتكرر سيناريوهات الدمار الشعبي في ليبيا والعراق، إن كل ما نحتاجه فقط هو تحليل صائب لمجريات الأحداث دون انحياز بالسلب أو بالإيجاب، وفهم عميق لطبيعة الحياة وأنظمة الحكم والسياسات التي تحكم العالم العربي، يجب على التيارات السياسية المختلفة في سوريا والعراق وليبيا ولبنان أن تضع جانباً أي خلافات شخصية أو طموحات سياسية على حساب الوطن حتى لو كانت متعارضة مع بعضها البعض، يجب أن تنأى جميع الفصائل عن أي خلافات في سبيل تحقيق هدف واحد وهو مصلحة شعب بأكمله، فهلاك الطاغية وحده لا يكفي، فالأهم هو وجود إدارة سياسية موحدة قادرة على تغيير هيكل وبنية النظام السياسي، قادرة على تجنيب بلادها ويلات الانهيار ومرارة التمزق، فنحن لا نريد كشعوب عربية مسلمة بكل ما لها من إرث تاريخي مشرف أن نبدو للعالم كما لو أن أزماتنا لا يمكن حلها إلا بتدخل خارجي.