الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل أسقطت روسيا مقاتلتها عمدًا؟

هل أسقطت روسيا مقاتلتها عمدًا؟

10.12.2015
كمال أوزتورك



الشرق القطرية
الاربعاء 9/12/2015
بعد إنجلاء العاصفة التي أثيرت جراء سقوط الطائرة الحربية الروسية، شهدت هيئة الأركان العامة التركية ومقر حلف شمال الاطلسي (الناتو) نقاشات تمحورت حول سؤال مهم:
هل عمدت روسيا على إسقاط طائرتها؟ اسمحوا لي أن أشرح الأسباب التي أدت إلى طرح هذا السؤال.
روسيا تسعى للتمدد في الشرق الأوسط
دعونا نتذكر التطورات التي سبقت حادثة سقوط المقاتلة الروسية: قالت الولايات المتحدة "لن أرسل جنديًا واحدًا إلى الشرق الأوسط، ولن أتدخل في المعارك الجارية هناك، لكن بإمكاني إمدادالأطراف المتصارعة بالسلاح"، ما أدى إلى ظهور فراغ كبير في المنطقة، فافتقد "الحي" فجأة "شرطيه".
أدركت روسيا حقيقة هذا الفراغ، ووضعت ثقلها من أجل ملئه، وأنشأت قاعدتين عسكريتين في سوريا، الأولى بحرية، والثانية برية، وملأت شرق البحر المتوسط بالسفن الحربية، قوبلت تلك الإجراءات بتهليل وترحيب من قبل العراق، وإيران، وسوريا.
أجرى المسؤولون الروس زيارات إلى إسرائيل والأردن، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، حاملين معهم رسائل تقول "أنا قادمة إلى المنطقة بقوة وسأكون بديلة عن الولايات المتحدة الجبانة، وسأكون مستعدة لأكون القوة البديلة المستعدة لحمايتكم".
عملت روسيا على إثبات قوتها، ودفعت بمقاتليها إلى التحليق والانطلاق من القواعد الجوية التي بنيت في سوريا على عجل، على مسمع ومرآى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبدأت بضرب جميع القوى المعارضة لنظام الأسد، مدعية أنها تقوم بضربات عسكرية ضد تنظيم داعش، وفي الوقت نفسه، انتهكت مرارًا المجال الجوي التركي، وتحرشت كذلك عدة مرات بالسفن التركية.
سعت لإحضار منظومة "س 400" مرارًا إلى المنطقة
لم تتوقف روسيا عند هذا الحد، وسعت إلى جلب منظومة "س 400" للدفاع الجوي الأكثر تقدمًا إلى المنطقة، ردت عليها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في المنطقة بالقول "لا داعش ولا المعارضة يمتلكون أي نوع من الطائرة، ووجود مثل هذه المنظومة يشكل تهديدًا لأمننا القومي"، وسعوا إلى منعها من نقل تلك المنظومة إلى المنطقة.
بعثت الروح مجددًا في جسد إيران المنهكة تمامًا جراء انغماسها في الحرب السورية، وذلك من خلال التدخل الروسي، وبدأت تستعيد المناطق التي خسرتها لصالح قوات المعارضة السورية، إلا أن الأوضاع شهدت توترًا كبيرًا بعد شن روسيا هجمات على المناطق التركمانية المدعومة من قبل تركيا (حليفة الولايات المتحدة)، وخلف الأبواب المغلقة، أبدت كل من تركيا والولايات المتحدة ردود فعل صارمة إلا أن ردود الفعل تلك لم تردع روسيا عن مواصلة طريقها في تصعيد التوتر.
جميع تلك التطورات حدثت قبل سقوط المقاتلة الروسية.
هل ضعف موقف روسيا في الشرق الأوسط أم تعزز؟
في صباح أحد الأيام، عاودت الطائرات الروسية خرق المجال الجوي التركي مرة أخرى. "قناة جوارد" المفتوحة دائمًا في جميع الطائرات حول العالم، كانت مغلقة. ولم تجب تلك الطائرات على التحذيرات التركية التي جاءت عبر الخط اللاسلكي، علمًا أن التحذيرات التي بعثتها تركيا سمعت من قبل طائرات أخرى حول في دول أخرى، استمرت الطائرات الروسية في انتهاك المجال الجوي وبالنهاية تم ضربها.
سارعت روسيا إلى اتخاذ "الإجراءات اللازمة" فورًا وكأنها كانت تنتظر شيئا كهذا. أول ما فعلته، كان إحضار صواريخ من منظومة "س 400"، التي اعترضت عليها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. ودفعت بأكبر سفينة بحرية تمتلكها في المتوسط إلى قبالة الشواطئ التركية، وزادت من عمليات القصف التي تستهدف قوات المعارضة السورية، ورفعت حجم ذخيرتها العسكرية في المنطقة وكأنها ستدخل حربًا ضد الجميع.
في الواقع، استغلت روسيا هذه الفرصة لتخلق لنفسها موطئ قدم يضمن لها الاستقرار في المنطقة. ومن الآن فصاعدًا ستكون روسيا صاحبة كلمة قوية في المنطقة، ليس عسكريًا فقط وإنما في رسم خريطة المنطقة، وتحديد الأنظمة الحاكمة، وأعمال استخراج الغاز الطبيعي والنفط وتوجيهها في البحر المتوسط والعراق وسوريا. أي أنها على الأقل، ستتذرع بحماية مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.
التغلب على الأزمة الاقتصادية من خلال الحرب
دعونا لا نغفل عن قضية أخرى، خططت روسيا ميزانيتها السنوية الخاصة بالعام الماضي، استنادًا على بيع برميل النفط مقابل 110 دولارات. انخفضت قيمة برميل النفط اليوم إلى 45 دولارا. وفي الواقع فإن روسيا بدأت تشهد مشكلة اقتصادية مزمنة منذ العام الماضي.
أما الآن، فتسعى روسيا إلى سد العجز الناجم عن انخفاض أسعار النفط، من خلال الاتكاء على قطيع بيع الأسلحة، الذي يشكل أهم مصدر لدخلها القومي بعد الطاقة. لذا فلن تجد سوقًا قادرة على تحقيق نسبة مبيعات عالية مثل الشرق الأوسط، خاصة وأن سوريا واليمن والعراق وإيران يشترون كل أسلحتهم تقريبا من روسيا. وتأتي بعدهم ليبيا والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة. فما الذي يدفع روسيا لخسارة مثل هذه السوق الكبيرة، وهل يعنيها إحلال السلام في الشرق الأوسط؟
علينا أن لا ننسى أن الحرب كانت إحدى أهم وسائل تعزيز السلطة وشكلت أكبر مصدر للدخل القومي الروسي منذ سنوات الإمبراطورية القيصرية.
تذرعت روسيا بقضية إسقاط مقاتلتها، وأكاد أجزم أنها ستصول وتجول في الشرق الأوسط كما يحلو لها بعد الآن، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تنسحب من المنطقة، وهذا الانسحاب سيعطي دفعة قوية لبوتين من أجل الوصول إلى الصدارة. بوتين الذي ألف التقاط صور مع النمور والدببة والتماسيح، سيبدأ قريبا بالتقاط صورٍ أمام أفاعي الكوبرا، والجمال، والسلاحف في صحاري الشرق الأوسط.
لقد وجدت تركيا نفسها مرغمة على اتخاذ رد ضد الانتهاكات المستمرة لأجوائها، رغم علمها بتفاصيل التطورات التي تشهدها المنطقة، لأن هذا ما يجب فعله باعتبارها دولة ذات سيادة.
لنقل إن قضية إسقاط روسيا لمقاتلتها عمدًا، هي قضية ضعيفة الحجة، إلا أنه يمكننا القول مرة أخرى إن روسيا ستحصل على الغنيمة الأكبر من وراء ارتداداتها. طبعًا كل هذا يحدث دون أن نعلم ماذا سيكون رد تركيا على العقوبات الروسية، ومالذي ستقوله كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لروسيا. لكن مما لاشك فيه هو أن فاتورة الحسابات السياسية الثقيلة، دفعت من محفظة الطيار الروسي المسكين.