الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل المطلوب تغيير الوضع الميداني قبل جنيف..كما تغيّر في حرب لبنان قبل الطائف؟

هل المطلوب تغيير الوضع الميداني قبل جنيف..كما تغيّر في حرب لبنان قبل الطائف؟

11.06.2013
اميل خوري

النهار
الثلاثاء 11/6/2013
هل يمكن القول ان الصمت الاميركي والأوروبي المريب بعد سقوط "القصير" في يد الجيش السوري يخفي صفقة اميركية – روسية بموافقة ايرانية واسرائيلية تقضي بتقاسم النفوذ في خريطة جديدة للمنطقة انطلاقاً من حل الازمة السورية، وهل لمؤتمر جنيف علاقة بتقدم هذا الجيش كما كان لتقدم المنظمات الفلسطينية في حرب لبنان في ما كان يسمى بالمناطق الشرقية علاقة بمؤتمر الطائف؟
وللتذكير ان اميركا عندما رأت أن لا وقف للاقتتال في لبنان على رغم مرور 25 سنة عليه، وان أي طرف لم يستطع التغلب على الطرف الآخر، قررت عقد صفقة مع الرئيس الراحل حافظ الاسد تقضي بارسال قوة من الجيش السوري الى لبنان بقرار من قمة الرياض، وقد نظم دوره اتفاق الطائف ومدة وجوده في لبنان، وهي مدة تجاوزها الرئيس الاسد لاسباب شتى فبقي وصياً على لبنان 30 عاماً. ولم يكن الاتحاد السوفياتي آنذاك مع تلك الصفقة، لأن القوة العسكرية السورية سوف تصطدم بحلفائه في لبنان، وهو ما حصل على رغم وجود معاهدة بينه وبين النظام السوري. ولم تمانع اسرائيل من جهتها في عقد تلك الصفقة، لأن الجيش السوري الذي سيدخل لبنان لن تقتصر مهمته على وقف الاقتتال فيه بل على إخراج الفلسطينيين المسلحين ومعهم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات من لبنان إلى تونس، فترتاح اسرائيل عندئذ من عملياتهم الفدائية التي كانوا يقومون بها انطلاقاً من جنوب لبنان وتثير الذعر والقلق للاسرائيليين.
وعندما ظل زعماء مسيحيون يعارضون حضور مؤتمر الطائف لأنه سيعدل الدستور لجهة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وجعل مجلس الوزراء مجتمعاً السلطة الاجرائية، وكذلك معارضة وجود قوات سورية في لبنان، اشتد الضغط العسكري على ما كان يسمى المناطق الشرقية بحيث وضع هؤلاء الزعماء بين خيارين: إما تعريض هذه المناطق لهزيمة عسكرية تجعل معظم من فيها يهاجرون، وإما القبول بدخول الجيش السوري لوقف الاقتتال وحماية هذه المناطق من الزحف الفلسطيني المسلح عليها. ومارست السفارة الأميركية في بيروت من جهة اخرى ضغوطاً قوية على نواب مسيحيين كي يلبّوا الدعوة إلى مؤتمر الطائف ولا يرضخوا لضغوط العماد ميشال عون الذي كان رئيساً لحكومة انتقالية، بدعوتهم لعدم الحضور. وبما أن الصفقة الأميركية – السورية كانت تحظى بموافقة عربية وعدم ممانعة اسرائيلية فقد تم تنفيذها على رغم إرادة الاتحاد السوفياتي وما كان له من علاقة قوية بالرئيس حافظ الأسد.
والسؤال المطروح الآن في ضوء ما يجري على الارض في سوريا هو: هل ثمة صفقة يدور البحث فيها بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا تحت الطاولة وبعلم ايران وعدم ممانعة اسرائيلية اذا كانت تؤدي الى اراحتها من نشاط سلاح "حزب الله" كما ارتاحت من قبل من السلاح الفلسطيني في لبنان؟
الواقع أن أميركا والاتحاد الأوروبي لم يقدما للمعارضة السورية سوى الكلام في حين قدمت روسيا وتقدم لنظام الأسد الأفعال ولم تتراجع قيد أنملة عن مواقفها المعلنة منذ نشبت الأزمة السورية، فأكدت انها مع الحل السياسي ومع بقاء الرئيس الأسد في السلطة الى ان يصير اتفاق على البديل وبالوسائل الديموقراطية، فيما اكتفت دول الغرب بالقول ان كل الحلول للأزمة السورية مطروحة على الطاولة... ومنها تسليح المعارضة السورية إذا لم تنجح الحلول السياسية.
ويبدو أن ما جعل الولايات المتحدة الاميركية ومن معها تتريث في تسليح المعارضة وإطاحة الأسد هو بروز المنظمات الاسلامية الأصولية في المعارك وهي موحدة الهدف والموقف، في حين ازدادت المعارضة السورية تفككاً وانقساماً وشرذمة بحيث عجزت عن توحيد صفوفها، الأمر الذي يعرض سوريا
للفوضى.
 إلى ذلك، تبقى مراقبة ما يجري بين اميركا وروسيا بمعرفة ايران واسرائيل في التوصل الى حل للأزمة السورية يكون منطلقاً لتقاسم النفوذ في المنطقة بقيام شرق أوسط جديد ينعم بالهدوء والاستقرار، ومنطلقاً أيضاً لحل النزاع المزمن بين العرب والفلسطينيين من جهة واسرائيل من جهة اخرى. والتوصل الى تفاهم بين الدولتين الكبريين وبتنازلات متبادلة يكون أقل كلفة بكثير من حرب شاملة تكون بديلاً من سلام شامل اذا ما اختلف الكبار على تقاسم النفوذ وعلى أسس قيام شرق اوسط جديد بدويلات طائفية وعرقية او بأنظمة فيديرالية أو كونفيديرالية.