الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل "اليوم التالي" أسوأ؟!

هل "اليوم التالي" أسوأ؟!

28.05.2015
محمد أبو رمان



الغد الاردنية
الاربعاء 27/5/2015
يبدو أنّنا هذه المرّة أمام "مفترق طرق" جديد للأزمة السورية الداخلية، تتجاوز ما شهدناه خلال الأشهر الماضية من "مدّ وجزر" عسكري بين نظام الأسد والقوى الإسلامية والمعارضة المواجهة له. فهناك إرهاصات ومؤشرات مهمة ورئيسة تؤكّد أنّ قدرة النظام والجيش السوري على الاستمرار أصبحت محلّ شكّ حقيقي، بعد أربعة أعوام من الصراع الداخلي الطاحن.
التحول الجوهري الذي قلب موازين القوى، هو التعاون الثلاثي "التركي-السعودي-القطري"، ما أسفر عن تنظيم المعارضة الإسلامية في الشمال، ووصولها للمرّة الأولى إلى تخوم اللاذقية وطرطوس، وتهديد القرى العلوية الساحلية بصورة مباشرة.
في الوقت نفسه، فقد النظام المبادرة، أيضاً، في الشرق، بعد خسارته مدينة تدمر لصالح تنظيم "داعش"، وهي المدينة التي تمتلك أهمية استراتيجية لقوات النظام؛ لموقعها الجغرافي. وفيما يفقد السيطرة على المناطق الشمالية والشرقية والشمالية الغربية والجنوبية، وصولاً إلى ريف دمشق وبعض أحيائها، فإنّ هناك معاناة حقيقية على صعيد العنصر البشري في الجيش السوري؛ إذ خسر، وفقاً لبعض التقديرات، قرابة 100 ألف جندي، ولم يبق لديه إلاّ 100 ألف في حالة إعياء وإرهاق. كما فقد نصف دباباته تقريباً، وجزءاً كبيراً من أسلحته الثقيلة والخفيفة ومخازن السلاح.
يرى خبراء، على درجة كبيرة من الاطلاع، أنّ قدرة النظام على الحفاظ على دمشق نفسها أصبحت أضعف من أيّ وقت مضى، بل هي مرتبطة بقرار دولي وإقليمي؛ فيما إذا قرّرت بعض الدول السماح بتسليح الفصائل في ريف دمشق، فستكون في قلب العاصمة خلال ساعتين. وهو ما يدفع بتحليلات غربية حديثة إلى استنتاج أنّ الأسد سيتخلّى عن القتال في كثير من الجبهات.
إذا تخلّى النظام عن دمشق فعلاً، فسيكون ذلك عنواناً لانهياره رمزياً، بعدما انهار واقعياً. إذ بالإضافة إلى الخسارات الميدانية الكبرى، هناك خسارات أخطر، تتمثّل في تضعضع البنية الداخلية، فهنالك جيل كامل من القيادات العليا ينهار حول الأسد، من رستم غزالة إلى علي مملوك، وتململ من النفوذ الإيراني في أوساط الجيش والأمن، وتدهور غير مسبوق في وضع الاقتصاد السوري، وانهيار في الخدمات الأساسية، مع فقدان النظام جزءاً كبيراً من الأراضي والموارد وحتى الحدود البرية، بحيث لم يتبق له إلاّ منفذ على لبنان، فيما خسر الحدود الأخرى.
إذا مضت الديناميكيات الحالية، كما هي الآن، ولم يحدث تدخل دولي -غير مباشر- لإنقاذ الأسد، أو تأخير تداعي النظام، فإنّ العمر المتبقي له، في صيغته الحالية، قد لا يتجاوز الأشهر.
هنا، تحديداً، تكمن المعضلة الحقيقية. فمن الواضح أنّ المجتمع الدولي، والدول العربية، وتجمع "أصدقاء سورية"، جميعهم فشلوا في بناء "البديل" أو تقديم وصفة مطمئنة لليوم التالي لسقوط الأسد. وإذا ما انهار النظام بصورة مفاجئة، أو انسحب من دمشق ومناطق أخرى، فإنّ السيناريو الأوفر حظّاً اليوم هو سيناريو "أفغانستان" في نهاية الثمانينيات؛ أي صراعات وحروب بين الجماعات الإسلامية والمحلية المتقاتلة، وصعود أمراء الحروب، وتقاسم السيطرة على المناطق المختلفة، مع خطوط اشتباك مستمرة، دموية دائمة!
اليوم، يسيطر "داعش" على ما يقارب نصف مساحة سورية، فيما "جيش الفتح" (جبهة النصرة أقوى فصائله) يتمدد في الساحل والمناطق الشمالية الغربية. وتتقاسم "النصرة" مع "الجبهة الجنوبية" النفوذ في المناطق الجنوبية، ويمتلك "جيش الإسلام"، مع مجموعات محلية أخرى، نفوذاً كبيراً في ريف دمشق وحولها.
ضراوة الصراع والعداء بين هذه القوى لا تقل عما بينها وبين النظام السوري، وتتداخل في سيطرتها على المناطق المختلفة. ما يجعل حتى الحديث عن تقسيم سورية ترفاً، في مقابل سيناريو الانفجار والحروب الداخلية الطاحنة.