الرئيسة \  تقارير  \  هل انتهى الرّوبل الروسي... أم يكاد؟

هل انتهى الرّوبل الروسي... أم يكاد؟

12.03.2022
خلدون زين الدين


النهار العربي
خلدون زين الدين
الخميس 10/3/2022
هل يصمد الروبل الروسي وإلى متى؟ ما مصيره وأي تأثير للعقوبات فيه؟ تسارعت الأسئلة، كثرت السيناريوات... وحرب العقوبات لا تزال مستمرة.
العملة الروسية تدهورت، هذا من المسلّمات. وصلت الى مستويات قياسية بانخفاضها... لا جدال، لكن ما معنى ذلك بلغة الاقتصاد والأرقام؟ الروبل انخفض إلى 138 مقابل الدولار. غدا بهذا في وضع أسوأ بأكثر من 10 في المئة من التدهور المسجل نهاية الأسبوع الماضي عند إغلاق الأسواق. المتداولون يقولون إن القدرة على شراء العملة الروسية وبيعها صارت محدودة، مع تجنب عدد أكبر من البنوك تسوية المعاملات في السوق الخارجية. بانخفاض القوة الشرائية للروبل بحدة، يتلمس المستهلكون المحتفظون بالعملة هذه انخفاض قدرتهم الشرائية. بل وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن أي تحديد للقيمة الحقيقية للعملة، سيجعل من الروس أكثر فقراً.
ثمة معادلة معروفة هنا. معادلة تحكم الواقع الاقتصادي: ثقة الناس يالعملة المحلية تؤكد وجود الدولة. غياب الثقة يعني تلاشي كل شيء كالدخان. هذا ما يؤكده مايكل بيرنستام، الباحث في معهد هوفر في جامعة ستانفورد.
 ضربات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عدة أخرى تستهدف قدرة البنك المركزي الروسي لدعم الروبل. في قلب التحرك لتقييد بنك روسيا تؤخذ بالاعتبار احتياطيات النقد الأجنبي. أصول قابلة للتحويل بالعملات الصعبة والذهب، خزنتها موسكو وبنت عليها إلى حد كبير، مستفيدة من عائدات الطاقة.
إمكان تحويل الأصول تلك يصبح "مشلولاً" بمجرد إزالة روسيا من نظام الدفع العالمي "سويفت". هي خطوة تأمل دول الغرب بأن تحد من قدرة البنك المركزي على دعم الروبل، وفقاً لما تراه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. الخطوة تقول "ستجمد كل التبادلات"، و"سيستحيل على البنك المركزي تصفية أصول الاحتياطات".
 خارج البلاد
وفق المتوفر من معطيات، يمتلك بنك روسيا المركزي نحو 640 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي. الرقم ليس بسيطاً، لكن ثمة إشكالية فيه. الأموال ليست في روسيا، بل في بنوك تجارية في نيويورك، لندن، طوكيو، برلين وباريس.
لدى المركزي الروسي ما يقرب من 12 مليار دولار من النقد في متناول اليد. المبلغ هذا بالمناسبة صغير بشكل لافت. أما بخصوص بقية الاحتياطيات من النقد الأجنبي، فقد تم استثمار ما يقرب من 400 مليار دولار في أصول تحتفظ بها روسيا خارج البلاد، إضافة إلى 84 مليار دولار مستثمرة في السندات الصينية، و139 مليار دولار في الذهب.
 الآن، ومع تذبذب العملة المحلية الروسية، يرى خبراء الاقتصاد أن العمال، المديرين، أصحاب الأعمال والمستثمرين يفقدون القدرة على بيع الروبل مقابل الدولار أو اليورو. ومع عدم تمكنهم من الوصول الى الاحتياطات النقدية، تصبح الثقة بالروبل مثار شك وتساؤل. في الإطار، ووفقاً للمعطيات، فإن الأفراد والشركات الروسية أودعوا 268 مليار دولار من العملات الأجنبية في البنوك الروسية.
كم يستطيع الروبل الصمود؟
مع تواصل العقوبات يصبح الروبل الروسي أمام سؤال عن مدى قدرته على الصمود. "النهار العربي" سأل أستاذ الاقتصاد السياسي في لندن ناصر قلاوون. الروبل برأيه "يستطيع الصمود إلى حد ما بدعم من البنك المركزي، ولو أنه تراجع خلال عشرة أيام من 83 روبلاً مقابل الدولار إلى 138 الآن (...)".
يستشعر قلاوون وجود بعض الاحتياط عند مديرة البنك المركزي، بالرغم من كونها قلّصت الاحتياط بالدولار منذ عام 2014، أي مذ غزت روسيا جزيرة القرم، من 30% في الاحتياط المالي إلى 13%. وبالطبع ليست كل النسبة الأخيرة قابلة للتسييل الآن - يقول - كون جزء منها في الخارج ويصعب تسييله بعد العقوبات، ولكن عندها سيولة كافية للمدى القصير.
السؤال يُطرح: هل باستطاعة الاحتياط الروسي إنقاذ الاقتصاد؟ يجيب قلاوون "إن موسكو تحضرت لصراع مع الغرب بعد حرب القرم، واشترت يوان صينياً بما نسبته 30% من حجم المدخرات لديها. يعني ذلك أن التجارة ستكون مع الصين والتبادل التجاري بالعملة الوطنية الصينية. وبالتالي هذا إغراء للصين من جهة، ومن جهة ثانية، نعم البنك المركزي عنده ذهب واشترى ذهباً في الماضي، وروسيا منتجة للذهب". عليه، يتابع، لدى البنك المركزي أصول يستطيع من خلالها ضبط الاقتصاد الروسي، بالرغم من أن بورصة موسكو مقفلة منذ بدء الغزو.
هل فشل بوتين؟
عقب ضم روسيا إقليم القرم الأوكراني، حاولت موسكو رفع مخزونها من الاحتياطات الأجنبية لدعم الروبل. اليوم، يبدو - بحسب "واشنطن بوست" - أن الرئيس الروسي لم يتوقع فقدان القدرة على الوصول إلى أموال البلاد في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
 هاجر شمالي، الزميلة البارزة في مركز "GeoEconomics" التابع لـ"المجلس الأطلسي"، والمتحدثة السابقة باسم وزارة الخزانة الأميركية تقول في حديث الى "واشنطن بوست"، إن الاحتياطات الروسية في الخارج "تظهر أنهم لم يتوقعوا حقاً أن تذهب الولايات المتحدة إلى هذا الحد".
 ديفيد بيكوورث، الباحث في مركز "ميركاتوس" في جامعة "جورج ميسون" قال بدوره للصحيفة الأميركية، إنه "في حين أن دولاً أخرى مثل أفغانستان وإيران وليبيا تمت مصادرة أصول بنكها المركزي، إلا أن نطاق العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي غير مسبوقة".
في رأي قلاوون "لم نصل بعد إلى مصادرة الممتلكات الروسية. العقوبات الغربية تأتي بسرعات متفاوتة مع برودة بعض الشيء عند بنك إنكلترا المركزي وحتى البنك المركزي الأوروبي للإجهاز على الموجودات الروسية الحكومية. هناك ثغرة مقصودة لكي يسحب البنك المركزي الروسي بعض الأصول مع تشديد العقوبات على الأثرياء المحيطين ببوتين. لا أقول مهادنة - يضيف - ولكنّ هناك سبلاً لمنع خنق روسيا بطريقة فظة. صحيح أن الاقتصاد الروسي أمام مشكلة كبرى، لكنه يستطيع أن ينتقل إلى استهلاك داخلي، بالتالي تنزع عنه صفة الاقتصاد الحر التي كرّسها خلال عشرين سنة (...)".
 ...لا يعني الانخفاض الدراماتيكي للروبل في أسواق الصرف الأجنبي على الفور تدهور القوة الشرائية في شوارع موسكو، ولن يرتفع سعر الخبز فجأة خلال عشية وضحاها، لكن تقييد البنك المركزي سيؤثر بلا شك في الروس العاديين في الفترة المقبلة، آخذين بالاعتبار المؤشرات على أرض الواقع. هي مؤشرات تتمثل بإسراع الروس على سحب أموالهم. إقفال أسواق المال الروسية لأيام ينبئ بمستقبل مليء بالمشكلات.