الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل انتهى دور "حزب الله" في سوريا؟

هل انتهى دور "حزب الله" في سوريا؟

02.02.2015
عارف حمزة



المستقبل
الاحد 1-2-2015
جاءت العمليّة الأخيرة للطيران الإسرائيلي داخل سوريا بإشارات استفهام كثيرة، سواء حول دقّة العمليّة الاستخباراتية والعسكرية، وبالتالي حول مصدر تلك المعلومات الدقيقة، أو حول النتائج التي من الممكن أن تظهر في الوقت القريب أو البعيد.
ما يُثير الانتباه هو التصريح الذي أطلقه حسن نصر الله قبل أسبوع تقريباً، وبالضبط في 15/1/2015، من عملية الاغتيال لجهاد مغنيّة ورفاقه، في أن "حزب الله" سيردّ هو بالذات على "الغارات التي شنتها إسرائيل على أهداف عدة في سوريا خلال السنوات الأخيرة". أيّ أن التصريح كان للردّ على ضربات قديمة، وليس على ضربة جديدة من قبل الجيش الإسرائيلي لأهداف على الأراضي السورية. وهذا التصريح لم يصرّح بمثله، حول ردّ حزب الله بالذات بدلاً من النظام السوريّ، بعد عدّة ضربات نفّذها الطيران الحربيّ الإسرائيليّ كان آخرها حول دمشق نفسها. وكأنّ بنصرالله كان قد علم، من خلال معلومات استخباراتيّة، باتخاذ إسرائيل قراراً بضربة قريبة وموجعة لقواته هناك في سوريا.
من المتوقّع أن المخابرات السورية قد أوصلت هذه المعلومات لقيادات الحزب، ما دفع بنصر الله إلى الظهور بمظهر المجهّز لحرب لبنانيّة إسرائيليّة ثالثة إذا حصلت غارة جديدة. بعد تمادي إسرائيل في قصف "محور المقاومة" المؤلف من سوريا وإيران وحزب الله.
لكن السؤال المطروح بقوة: من أين كانت تحصل إسرائيل على معلوماتها الدقيقة في قصف عدة مواقع كانت على الأغلب مخازن أسلحة متوجهة إلى حزب الله من إيران عبر سوريا؟ وهل الضربة الأخيرة لقياديين في الحزب، في القنيطرة السورية، هي بمثابة انسحاب نهائيّ من قبل الحزب إلى الداخل اللبنانيّ، وترك الساحة السورية، بحجّة الدفاع عن محور المقاومة بشكل كامل، وليس عن سوريا كجزء منه، على غرار ما حصل مع الكثير من الفصائل الشيعيّة العراقيّة التي انسحبت إلى الداخل العراقيّ؛ للدفاع عن مشروع نوري المالكي؟
لم يكن دور مقاتلي حزب الله في سوريا دوراً دفاعيّاً على طول الخط، بل كان هجوميّاً في أكثر الأحيان. وكانت عمليّاته متنوّعة؛ بدءاً من "تحرير" مدينة حمص بالكامل، و"طرد" قوات المعارضة إلى الريف الشرقي. وكذلك تطويق مدينة حلب أملاً في اقتحام مناطق المعارضة والقضاء عليهم داخلها هذه المرة، بخلاف سيناريو حمص.
كما قام الحزب، قبل الإعلان الرسميّ العلني بمشاركته إلى جانب قوات النظام السوريّ "لمنع سقوط دولة الممانعة"، بالانضمام إلى "فرقة الموت" مع عناصر من الحرس الثوري الإيراني والحرس الجمهوريّ السوريّ، لتنفيذ إعدامات جماعيّة وحشيّة في مناطق متفرّقة من سوريا، من حمص حتى دير الزور. حيث قتل في تلك العمليّات آلاف من الشبّان السلمييّن. مثلما تورطوا بتصفية المئات عبر إشرافهم على عمليّات التعذيب لمعتقلين، في أقبية ومعتقلات المخابرات السورية.
كما يحاول الحزب منذ أواخر العام الماضي منع تقدّم "كتائب المعارضة السورية" من الجنوب، حوران، باتجاه العاصمة دمشق. ووصل الأمر إلى درجة الانفصال عن الجيش السوري وقيادته ليخوض بعض المعارك لوحده، بعد الشكوى المتزايدة من عدم جاهزيّة الجيش السوري وضعف قدراته في عمليّات الاقتحام أو حتى حماية مقاتلي الحزب من الخلف! تلك الشكاوى التي نصحت قيادة الحزب لعدة مرّات بالانسحاب من "المستنقع السوري".
من جهة أخرى قام الحزب بتدريب المتطوّعين الموالين للنظام السوري، وتشكيل فرق قتاليّة بأسماء مختلفة كان آخرها "فرقة المغاوير" في مدينة الحسكة، التي أعطيت صلاحيات تفوق إمكانيّاتها، وكانت سبباً في النزاع الأخير بين النظام والفصيل الكردي المسيطر هناك، والموالي للنظام.
ما يُسجّل لحزب الله في سوريا أنّه طوال سنوات وجوده لم يشتبك مع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش"، ولم يقترب من مواقع التنظيم، كما أنّه سمح بفتح ممرّات آمنة لتدفّق السلاح إلى مناطق سيطرة التنظيم. وبدا الأمر بكرّه وفرّه مع مقاتلي "جبهة النصرة" بأنّ حزب الله هو حامي الداخل اللبناني من الإرهاب السني الذي يطرق الأبواب، وكي يقنع اللبنانيين بأنّ قرار مشاركته في الحرب السورية كان خط الدفاع الأول عن لبنان بالذات! وردّاً، بل كمّ لأفواه أولئك الذين ينادون بتسليم سلاحه للجيش اللبناني.
من جهة أخرى خسر الحزب المئات من مقاتليه المدرّبين بشكل احترافي في مناطق مختلفة من سوريا، وبخاصة في جرود القلمون؛ حيث بات ذكر اسم القلمون أمام مقاتلي حزب الله وقياداته أصعب بكثير، وأكثر رعباً، من ذكر اسم "إسرائيل" نفسها. وتلك الخسارات باهظة وكبيرة بالمقارنة مع خسائر الحزب في حربه الأبدية ضد "إسرائيل".
هناك من يرى بأنّ الحلّ السوري بات قريباً، وبالتالي هناك من يقول يجب تفريغ سوريا من مقاتلي الحزب، بينما سيبقى قادة الحرس الثوري الإيرانيّ القلائل هناك. وبأنّ عمليّة برية آتية من قبل قوات التحالف ضد مقاتلي "داعش". ولن تذهب نحو دمشق نهائياً. بينما يرى آخرون بأنّ الأسد يلعب دوره الجيّد مع المرتبطين بالاستخبارات الإسرائيليّة في إعطائهم الهدايا، كان أكبرها ما قدمه لهم في الغارة الأخيرة من خلال التخلص من جهاد عماد مغنيّة، الذي كان يعتبر "مستقبل حزب الله"، وفق محللي الصحافة الإسرائيلية.
العملية الأخيرة، التي قتل فيها 6 من مقاتلي حزب الله و 6 من الحرس الثوري الإيراني، جاءت كضربة عنيفة وغير متوقعة من قبل حزب الله، وما يثير الاهتمام هو أنها كانت سهلة للجيش الإسرائيلي، حتى بدا الأمر أنّه يُعيد تصويرها لا أكثر. وكان من المثير أيضاً أن يكون مكان تواجد قيادات بهذا المستوى، في الحزب والحرس الثوري الإيراني، سهل الكشف والقنص بسرعة ودقة كبيرتين. كما أن المثير للاهتمام أن تعترف إسرائيل، بخلاف الغارات الجوية السابقة على سوريا، مباشرة بالعملية، وكأنها تحتفل بنصر مفاجئ وعلني. ولكن المصدر الأمنيّ نفى أن يكون القصد من العملية قتل الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي، الذي جعل إيران تتوعّد بردّ مدمّر.
حزب الله وإيران خرجوا بجنازاتهم، والصحف الإسرائيلية تنقل فرح القيادات العسكرية وتقدّم نتنياهو من جديد إلى الصفوف الأماميّة من خلال هدايا الآخرين، كما حصل مع حادثة "شارلي إيبدو". والمنطقة باتت تنتظر سيناريوهات عدة سواء في الملف السوري، من خلال اتخاذ حزب الله قراراً بالحفاظ على قوّاته للأيام السوداء، أو ملف الشرق الأوسط حيث الذعر انتشر في إسرائيل لمعرفة حجم ردّ إيران وحزب الله على عمليّة القنيطرة، رغم أن المحللين يستبعدون تضحية إيران بنفوذها في المنطقة، وملفّها النووي، من أجل خيانة استخباراتية.