الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل بدأت الحرب العسكرية الأمريكية على إيران فعلاً؟ 

هل بدأت الحرب العسكرية الأمريكية على إيران فعلاً؟ 

08.12.2020
مصطفى الفرحات



القدس العربي 
الاثنين 7/12/2020 
إيران نمر من ورق (فزاعة) غضت الولايات المتحدة الأمريكية الطرف عنها لقاء خدماتها، ولقاء دورها الوظيفي في وأد المقاومة السنية التي أرهقت الوجود الأمريكي في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين ولقاء خدمات أخرى. 
والصراع اليوم هو لمنع تحولها إلى قوة بدل أداة. 
واليوم وبعد أن تجاوزت إيران الخط المرسوم لها أمريكياً استوجب هذا التحرك الأمريكي الذي يهدف إلى تأديبها وإعادتها إلى حجمها الطبيعي وإلى خلف الخطوط المرسومة، ولا تريد الولايات المتحدة إسقاط النظام الإيراني أو الاجهاز على القدرات الإيرانية كليًا، بالعكس تمامًا فإن الولايات المتحدة حققت فوائد جمة على خلفية العداء (العربي – الإيراني) وبقاء إيران قوة إقليمية ومن أهم هذه الفوائد أن تحول الخليج العربي إلى سوق تصريف شرهة للسلاح الأمريكي، فضلاً عن الحصول على امتيازات تواجد القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في البر والبحر في منطقتنا العربية، وهذا ما كان قد صرح به الرئيس ترامب نفسه في وقت سابق عندما أكد عدم نية ادارته إسقاط النظام في إيران. 
سوق المنافسة الدولي 
بالرغم من أن إيران لاتزال تفتقر إلى مقومات القوة التي تؤهلها الدخول إلى سوق المنافسة الدولي مع الكبار إلا أنها استطاعت إيجاد أذرع أخطبوطية في عدة دول عربية وهذه الأذرع تحركها إيران وقت الحاجة وحسب الحاجة، وكلنا تابع كيف تقوم ميليشيا الحوثي باستهداف الأراضي السعودية بالصواريخ والمسيرات الإيرانية، وكيف تقوم الميليشيات الطائفية في العراق بضرب محيط السفارة الأمريكية في بغداد في كل مرة تتعرض فيها مواقع إيران داخل سوريا للاستهداف الإسرائيلي. 
أيضاً حزب الله الفرع اللبناني الذي يقوم بمعاكسات وفوضى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية واليوم انتقل نشاطه أيضًا إلى الحدود السورية الإسرائيلية. 
إن إيران وبعد توغلها العسكري المباشر في الحواضر العربية وبشكل خاص في المسرح السوري جعل صانع القرار الإيراني يشعر بالنشوة وبإمكانية الصعود نحو سلم القطبية للوصول إلى الحلم الإمبراطوري الفارسي المتأصل في أذهان العمائم الإيرانية. 
لقد استغلت إيران انشغال واشنطن بمكافحة الاٍرهاب لتتمدد في المكان الخطأ والزمان الخطأ فوصول الأذرع الإيرانية إلى جوار إسرائيل، والهيمنة الإيرانية على كل مفاصل الدولة السورية، مع استمرارها بتخصيب اليورانيوم بصورة مشبوهة، فضلاً عن البرنامج الصاروخي الإيراني الذي أصبح متطوراً إلى الحد غير المسموح به. 
كل هذه الأمور وغيرها أصبحت تشكل مصدر قلق للمجتمع الدولي وبشكل خاص المعسكر الغربي لأن امتلاك الأسلحة المحرمة دوليًا من قبل قوى غير منضبطة ممنوع وخط أحمر يستدعي التحرك الفوري، فكيف بنا وقد امتلكت إيران نصف المطلوب وتسعى لاستكمال النصف المتبقي؟ 
الصواريخ البالستية 
لقد صنعت إيران الصواريخ البالستية الهجومية القادرة على الوصول إلى إسرائيل وإلى القواعد الأمريكية والغربية المنتشرة في الخليج العربي وحتى إلى أبعد من هذا المدى، ورغم أن هذه الصواريخ لاتزال تحمل رؤسا تقليدية فكيف بنا إذا ما أنتجت إيران القنبلة النووية وتحولت الرؤوس التقليدية إلى رؤوس نووية، وهوالحلم الإيراني الذي تعمل ليل نهار للوصول إليه؟ 
كل هذه التجاوزات غير المنضبطة وفق الإيقاع المطلوب أمريكياً دفعت بإدارة ترامب الجمهورية إلى هذا التصعيد غير المسبوق، وبشكل خاص إذا ما علمنا أن خسارة ترامب الانتخابات الأمريكية مع فارق ليس كبير لصالح منافسه الديمقراطي دفعه للقيام بإنجازات غير تقليدية لترسيخ الظاهرة الترامبية التي كانت طارئة على المسرح السياسي الأمريكي. 
لقد قتل ترامب قائد فيلق القدس قاسم سليماني وهو المسؤول عن المهام العسكرية الخارجية لإيران ومعه أبو مهدي المهندس وشخصيات أخرى من الميليشيات التي تدعمها إيران. 
واليوم وقبل نهاية العام يتم اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده الذي سمته إسرائيل في وقت سابق أنه الأب والأم للمفاعل النووي الإيراني المثير للجدل رغم عدم تبني عملية الاغتيال من قبل أي جهة. 
إنها الحرب: الكثير من المراقبين يعتبر أن الحرب (الأمريكية الإسرائيلية) على إيران قد بدأت فعلًا مع حرب الاغتيالات والاستخبارات المتصاعدة فضلاً عن أجواء قاتمة وضبابية تسود المشهد اليوم. 
تصعيد متبادل 
فقد رفعت إسرائيل حالة التأهب وأوعزت لسفاراتها في الخارج بضرورة الحيطة والحذر وبشكل خاص سفاراتها المنتشرة في أفريقيا. وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال القاذفة الاستراتيجية ب52 وإرسال حاملة الطائرات الأضخم في العالم (يو إس إس نيميتنز). 
هذه الأجواء والتحركات العسكرية تذكرنا بالتحضيرات التي سبقت الحرب الأمريكية على العراق. 
وكان قد سبق التوتر الحاصل اليوم تصعيد متبادل تدرج بين استهداف أذرع إيران لمحيط السفارة الأمريكية في العراق وفي عرقلة إيران للملاحة الدولية في الخليج العربي من خلال اعتراض ناقلات النفط هناك ومن ثم إسقاط إيران لطائرة استطلاع أمريكية وصولاً إلى استهداف قاعدة عين الأسد العراقية التي تستخدمها القوات الأمريكية بعد مقتل قاسم سليماني. 
كل هذه التطورات التي سبقت اللحظة الراهنة كانت على خلفية البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، حيث كان ترامب قد انسحب من الاتفاق الذي أبرمه سلفه أوباما مع إيران وفرض اثني عشر شرطاً لوقف العقوبات الاقتصادية على إيران، لكن إيران كانت ترى في هذه الشروط اخضاعا لها وأن تطبيق هذه الشروط يعني التخلي عن مبادئ وأسس العقلية الخامنائية القائمة على التوسع ونشر الأيديولوجيا وبناء أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وبالتالي فإن استمرار الاستعصاء بهذه الصورة سيبقي باب المواجهة مفتوحاً بالرغم من مؤشرات امتصاص الضربة من قبل إيران الأكثر ترجيحاً وبالرغم من التصريحات والأحاديث عن الانتقام. 
إيران تدرك خطر القيام بأي رد يغضب واشنطن في هذه الأيام المتبقية من ولاية ترامب، كما أن اقتصاد إيران المنهك بالعقوبات لا يسمح لها بمواجهات كبرى، فضلاً عن عدم امتلاك إيران المقومات العسكرية الكافية لمواجهة بهذا الحجم، وهي تأمل أن يصل بايدن إلى السلطة ويعيد العمل بالاتفاق النووي معها وخصوصاً أن الرجل كان نائباً للرئيس أوباما والعراب الأهم في توقيع الاتفاقية والدليل أن الرؤوس الحامية في إيران بدأت تستشعر خطر قطفها وحتى قبل اغتيال محسن زاده حيث وجه قائد فيلق القدس الإيراني قاآني طلباً إلى حلفاء طهران بعدم استفزاز الولايات المتحدة تفادياً لضربة محتملة. 
أيضاً الرئيس الإيراني حسن روحاني قد ذكر أن إيران لا تريد أي مواجهة مع الولايات المتحدة في هذه الفترة. 
الاعلام الإيراني بدوره تحدث عن أن الرد سيكون مباشرا في حال تبنت أي جهة عملية الاغتيال وهم يدركون أنه لا توجد جهة ستتبنى. 
أخيراً نقول إن انحسار المد الإيراني أصبح أمرا حتميا، وأنه ما غزا قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، واليوم الغزو والاستهداف يطال الداخل الإيراني والاصطياد كان لأبو البرنامج النووي الإيراني. 

 كاتب سوري