الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تتغير معادلة الاستقطاب في سوريا؟

هل تتغير معادلة الاستقطاب في سوريا؟

15.09.2014
غازي دحمان



المستقبل
الاحد 14-9-2014
لفت بعض الناشطين السوريين الى ضرورة استثمار اللحظة السياسية الراهنة، والتي تنطوي على متغير مهم، يتمثل ببروز ملامح حالة من التذمر بين الفئات الموالية لنظام الاسد، وذهب هؤلاء إلى ضرورة أن يكون للمعارضة المؤطرة (الإئتلاف الوطني) مبادرة معينة في هذا الإتجاه، تجعلها قادرة على احتواء حالة التذمر وتجييرها، في إطار الجهود الهادفة الى إضعاف النظام، وبخاصة وأن التذمر هذه المرة يأتي من الحواضن الرئيسية لنظام الأسد.
تنطوي هذه الدعوى، من الناحية النظرية، على تفكير سياسي سليم، ذلك أن مسألة استمالة قطاعات واسعة من مؤيدي النظام إلى صف الثورة، أو على الأقل الطرف المعادي للنظام، يمثل مكسباً خالصاً ضد نظام الأسد، في ظل المباراة الصفرية الجارية بين الثورة والنظام. فلا شك أن حرمان الأسد من جهود نسبة من مؤيديه، سيؤدي إلى انكشافه بشكل أكبر، والمساهمة بإضعافه مع الزمن، لما قد ينتج عنه من توسع لظاهرة انفكاك البنى الداعمة للنظام وتفسخ ركائز قوته. وهو الأمر الذي سيدفعه، في أقل التقديرات، الى الرضوخ لمطالب القوى الثائرة عليه، وإيجاد مخرج معين للحل.
غير أن التطبيقات العملية لمثل هذه الدعوى، تقف دونها صعوبات، تجعل من مسألة نجاحها قضية تواجهها عقبات كثيرة. كما أن المناخ العام للحدث السوري لا يبدو مشجعاً على إمكانية إحداث تعديلات معينة، في تركيبة الطرفين المتقاتلين، ولا حتى إحداث اختراق بسيط في الاصطفافات، التي تأسست منذ بداية الأزمة، وذلك لأسباب أبعد وأكثر عمقاً من الظواهر العابرة، التي قد نلحظها في سياق الصراع السوري، بما فيها ظاهرة المصالحات التي تجري بين قوات النظام وبعض كتائب المعارضة، والتي تحكمها قاعدة تبادل المنافع أكثر من تأسسها على مبادئ وطنية.
وإذ يبدو من نافلة القول إن الصراع جرت مأسسته في الواقع السوري، وتحويله الى سياق عام يتقاسمه أطرافه، وحدث روتيني، ما يجعل من قياداته مندمجة في إطاره وليست منفصلة عنه. وإن كانت هناك ميزة للقيادة فهي تتمثل بإدارتها لهذا الحدث. وهنا تتحول الإدارة إلى وظيفة من ضمن طيف واسع من الوظائف والمجاهيد التي يستلزمها الصراع، وذلك بهدف إدارة مسرح الحدث وتأمين مستلزمات تشغيله، وعمليات الربط والتواصل بين مختلف التشكيلات والقطاعات العاملة في عموم هذا الصراع. وهنا لا بد من ملاحظة أن الصراع نفسه يتحول إلى بنية معقدة، تنطوي على مراكز قوى وخدمات ومصالح اقتصادية مرتبطة به.
بناء على ذلك، فإن التذمر الذي أبدته بعض القطاعات، كان تذمرا من عملية الإدارة، وليس من الحالة بحد ذاتها، التذمر كان مقصوداً منه تحسين شروط المواجهة مع الآخر، إذ أن التذمر حصل نتيجة الخسائر التي أوقعها الطرف الآخر بقوى النظام في المناطق الشرقية، وبخاصة وأنها انطوت على مظاهر انكسار وإذلال شديدة، فيما أن الطرف نفسه لم يعترض على قيام النظام بضرب مدينة صغيرة بحجم درعا بأربعمئة برميل متفجر في شهر أب وحده، ولم يعترض قبلها على كل أنماط الإبادة التي مارستها قيادته بحق السوريين، ولا تنويعات الإذلال والقهر التي يتفنن بها عليهم. كل تلك الأفعال كانت تصنف في خانة الانتصار على القوى المتمردة، وكانت القيادة تستحق الثناء عليها!
لعلّ التفسير المنطقي لهذه الظاهرة، يكمن في مدى مراهنة بيئة النظام على النصر الدائم والمؤكد، ورفضها لأي احتمالية لغير ذلك. فهي تقبل بالتضحية والاندفاع طالما هي تنتصر، وبالتالي فإن اعتراضها هو اعتراض من داخل النظام نفسه، وليس ضد عملياته ومخرجاته الراهنة، ولنا أن نتصور تطور حالة الاعتراض تلك واتساعها بشكل أكبر، لكن بعيدا عن إمكانية الإفادة منها من قبل الجانب الاخر، ذلك أن هذا النمط من الحروب قد يشهد صراعات داخل المكونات المشكّلة له، وقد يشهد تغيير قيادات (إدارات) بداخله، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال تغييرا في التوجهات والقناعات داخل بيئاته.
بالإضافة لما سبق، فقد وصلت الحالة السورية، بعد ثلاثة سنوات ونصف من القتال السجالي، الى درجة اندماج الصراع ضمن النسق الثقافي والمعتقدي، وبالتالي فإن محركاته باتت غريزية، لدرجة لا يمكن معها تصوّر إمكانية نجاح اطروحات، عملية أو عقلانية، لتفكيك هذا الصراع أو إيجاد حلول له، ذلك أنه وعلى مدار الفترة الماضية سمح لكل أشكال التشويه والشيطنة، حتى الخرافي وغير المنطقي منها، أن يتحول الى جزء من صورة الآخر، وبذلك تكون الحرب قد بنت صوراً وأنماطاً مشوهة على شاكلتها، ولا يمكن معها إحراز أي تقدم الى الإتجاه الأخر، أو كسر حالة العداء. مقابل ذلك، تبقى هذه الإمكانية متاحة فقط من خلال تحقيق الهزيمة الشاملة والنهائية بالطرف الأخر. وهذا التصور بات قناعة لدى طرفي الصراع.