الرئيسة \  مشاركات  \  هل ترتقي المبادرة الامريكية الروسية لمستوى حل حقيقي؟

هل ترتقي المبادرة الامريكية الروسية لمستوى حل حقيقي؟

11.05.2013
أنس محمود الشيخ مظهر


الاجتماع الذي عقد بين وزيري الخارجية الامريكي والروسي لتداول الازمة السورية  اتى بعد ان توصلت الدولتان لقناعة مفادها  ان الاوضاع هناك باتت خارج العمل على ايجاد حلول سريعة لها . وما يجب ملاحظته في هذه المباحثات انها لا تبحث في جوهر الملفات السورية الشائكة لحلها بل تتناول افكارا عامة للخروج من الازمة الحالية فقط لا اكثر في الوقت الذي لم تعد فيه المعادلة السورية  حكرا على هذه الدول الكبرى وحسب بل تداخلت فيها قوى اخرى اقليمية وداخلية سورية وبشكل يجعل من أي حل على اساس خطوط عامة خلال ترقيعيا لا يعبر عن طموح ومصالح الشعب السوري   .  فدخول حزب الله المدعومة ايرانيا في هذه الازمة بشكل علني وسيطرة المجاميع الاسلامية الجهادية على ساحة العمليات المعارضة لنظام بشار الاسد في الطرف الاخر و التخوف الامريكي من مصير اسلحة الدمار الشامل السورية اضافة الى موقف روسيا وإيران من هذه الازمة وانعكاساتها  على الوضع الاقليمي سواء في اسرائيل او احتمالات وصول العدوى الى دول اخرى كالعراق ... كل هذه الاسباب جعلت امريكا تفضل التوصل الى حل الازمة هذه بشكل سلمي  وعدم ترك التطورات تتبلور خارج سيطرة الرقيب الامريكي الى نتائج لا تحمد عقباها .
وهنا يجب التساؤل ... هل ان امريكا او حتى روسيا جادتان في ايجاد حلول حقيقية للوضع السوري ام ان ما يشغلهما هو الخروج من الازمة الحالية بأقل الخسائر دون النظر في المصير المجهول الذي ينتظر سوريا ؟
وللجواب على هذا السؤال علينا دراسة وضع سوريا الداخلي بعد الثورة  وما اضيف له من مواقف سياسية تتعلق بالقوى السورية الداخلية وامتداداتها الخارجية , فان كان الدور الامريكي والروسي مهما لحل عقدة في الحالة السورية فان موقف الدول الاقليمية مؤثر بشكل كبير لمرحلة ما بعد الثورة . ولو القينا نظرة على الموقف السوري داخليا يمكننا ملاحظة النقاط التالية :-
-      في حال موافقة بشار الاسد على التنحي ( وهذا افتراض ليس إلا )  فان امريكا ستراهن على الجيش النظامي السوري وتمنع تفكيكه لسببين ... اولا لمنع  سيطرة الاسلاميين الجهاديين على المشهد السياسي في سوريا وثانيا لمنع تسرب اسلحة الجيش السوري الى هذه المجموعات او الى حزب الله اللبناني مما يشكل خطرا حقيقيا على مصالحها المرتبطة بالمصلحة الاسرائيلية .
ان بقاء الجيش السوري النظامي كعامل مؤثر في المعادلة السورية  لن يكون بالأمر المستساغ من قبل المجموعات المسلحة الجهادية ولا حتى للجيش الحر باعتبار ان الضابط الذين لا يزالوا يحاربوا دفاعا عن نظام بشار الاسد يدينون بالولاء الكامل له سواء كانوا علويين او من المكونات الاخرى مما سيشكل عائقا حقيقيا امام دمج الطرفين في تركيبة عسكرية موحدة في مرحلة ما بعد بشار ويهدد بوجود اطراف مسلحة عديدة لها ولاءات شتى ويزيد  من احتماليات اندلاع حرب داخلية بأدوات جديدة ومقتضيات تختلف عما موجود الان .
-      ان نجاح امريكا وروسيا في ايجاد حل سلمي للازمة السورية يعني مسبقا توصل الطرفان الى صيغة معينة يحافظان من خلالها على مصالحهما في سوريا  , ولكن ماذا بشان مصالح الدول الاقليمية المؤثرة في الوضع السوري سواء الدول العربية منها او الغير عربية كإيران وتركيا ؟
-        فإن كانت المصالح الامريكية والروسية في سوريا  في مجملها لا تخرج عن الجوانب الامنية والاقتصادية فان مصالح دول الاقليم تتعداها لتشمل مصالحا سياسية يدخل فيها عامل الدين السياسي للطرفين السني والشيعي في المنطقة .. وهذا ما لا يمكن التوافق عليه إلا بسيطرة طرف على الطرف الاخر . بمعنى اخر فانه من الممكن لأمريكا وروسيا الضغط على الطرفين المتصارعين في سوريا للجلوس والتفاوض بخصوص الشأن السوري للمرحلة الحالية إلا ان الصعوبة تكمن في التفاوض حول مرحلة ما بعد بشار الاسد للوصول الى سوريا مستقرة خصوصا وان الطرفين الاقليميين سواء ايران او الدول العربية وتركيا لها من الامكانيات والولاءات داخل سوريا ما يمكنها من خلق استقطابات تحول دون استقرار هذا البلد اذا لم تجري السفن كما يشتهون .
وبالطبع  فان امريكا ليست معنية كثيرا باستقرار الوضع السوري بعد زوال بشار الاسد بقدر ما يهمها ايجاد مخرج سياسي لوقف المجازر اليومية  للمدنيين والتخلص من مسئوليتها تجاه المجتمع الدولي , لا سيما وان التجربة العراقية ماثلة امام انظار صانع القرار الامريكي ولا ضير من تكرارها في سوريا .. بل ويمكن ان يكون استنساخ التجربة العراقية هو من الخيارات المتاحة لأمريكا . فوجود حكومة غير مستقرة تتقاذفها امنيا تهديدات الجماعات الاسلامية المتطرفة السنية وسياسيا طموح ايران لاسترجاع نفوذها بتحريك مليشيات حزب الله و مليشيات بعض الاحزاب الشيعية في العراق  والانشغال بهذه الملفات  ستؤدي الى انكفاء سوريا على نفسها وتحيدها في الصراع العربي الاسرائيلي .
اضافة الى ما سبق فالمفاوضات التي من المزمع اجرائها في غضون شهر بين المعارضة المسلحة ونظام بشار الاسد لن  يكون من الممكن فيها لملمة كل الملفات السورية الداخلية وسيبقى ملف ( المكونات السورية )  ملقى على الرف سواء فيما يتعلق بالملف المسيحي او ملف الطائفة العلوية وحتى الملف الكردي الساخن هناك , هذه الملفات كلها ستكون عبئا يضاف الى الاعباء الثقيلة لأي حكومة سورية مستقبلا .
غالبا فان اهم ما تركز عليها الادارة الامريكية في أي تحرك سياسي لها في العالم هو التوقيت  , وفي الموضوع السوري فان امريكا وقتت تدخلها الحقيقي  بعد ان اصبح  طرفا الصراع  مستعدين للقبول بأي صيغة حل لإنهاء الوضع الحالي وبالطبع فان عدم نضوج الظرف السياسي في صالح احد الطرفين هي فرصة ذهبية للإدارة الامريكية لتمرير ما تريد تمريره في هذا البلد الذي مزقه قتال السنتين الماضيتين . على هذا الاساس فان ما تخططه امريكا لمستقبل سوريا لن يختلف كثيرا عما تواجهه ليبيا او تونس او مصر حاليا او حتى العراق , بل  ان ما يخبئه القدر السياسي لسوريا يمكن ان يكون اكثر  قتامة مما تشهده هذه الدول بمجموعها .
كردستان العراق – دهوك
Portalin2005@yahoo.com