الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ترتقي (الجبهة الإسلامية) في سوريا إلى مستوى المسؤولية؟

هل ترتقي (الجبهة الإسلامية) في سوريا إلى مستوى المسؤولية؟

30.12.2013
وائل مرزا


الشرق القطرية
الاحد 29/12/2013
بنظرةٍ إستراتيجية، نجد أن الجبهة ومكوناتها الأصلية أخذت منذ البداية بعنصرٍ أساسي من عناصر المسؤولية المطلوبة يتمثل في أنها عملت على أن تبقى سوريةً خالصة، وأكدت على هذا الأمر بصريح العبارة في أدبياتها.
وهكذا، لم تقع في الخطيئة الإستراتيجية التي وقعت فيها فصائل قليلة أخرى حين أعلنت الولاء، بل والبيعة، لجهاتٍ خارجية غريبة عن سوريا وخصوصياتها الكثيرة. وأَدخَلت تلك الفصائل بخطوتها، التي حَسِبتها (هينة)، الثورةَ السورية في مسارٍ كان من الخير ألا تُجرﱠ إليه بهذه الطريقة.
تُظهرُ هذه النقطة بحد ذاتها إدراكاً من قِبل الجبهة لدرجة تعقيد الموضوع السوري، ولتشابك مُعطياته المحلية مع كثيرٍ من المعادلات الدولية السياسية والقانونية والدبلوماسية.
بل إننا نعتقد أن هذا الإدراك ينبعُ من فهمٍ للإسلام أقربَ للدقة والصواب في خمسة أبواب من الفقة المطلوب في هذه المرحلة: فقه الواقع وفقه المقاصد وفقه الأولويات وفقه المراحل وفقه الحركة.
وهي أبواب في غاية الأهمية بشكلٍ عام عندما نتحدث عن فهم الإسلام وتنزيله على أرض الواقع، لكنها ذات أهميةٍ استثنائية فيما يتعلق بالثورة السورية تحديداً، خاصةً لدى كل من يتحدث بخطابٍ إسلامي. وترتفع درجة الأهمية إلى أعلى مستوياتها حين يكون هؤلاء في موقع من يؤثر بمصير البلاد والعباد. والمفترض في أصحاب ذلك الخطاب أن يعرفوا من معاني هذه المسؤولية ومُتطلباتها على المستوى العَقَدي ما لا يعرفه الآخرون.
الواضح إذاً أن الجبهة تُعطي أهميةً كبرى لهذا العامل الحساس، وتفهم دوره ودلالاته العملية والنظرية على جميع المستويات.
وهذا مفرقُ طريقٍ أساسي لا يدرك أهميتهُ وتَبِعاته السياسية والثقافية والاجتماعية والأمنية، على المدى البعيد، بعض السوريين الذين يحكمون على الموضوع انطلاقاً من مفهوم الإخلاص. وينسون أن من غير الممكن أبداً تبرير القرارات بذلك المفهوم في مثل هذه القضايا الكبرى التي تمس حاضر ومُستقبل بلدٍ مثل سوريا.
لكن الواضح أيضاً أن أطرافاً هامة في النظامين الإقليمي والدولة أدركت دلالات هذا القرار، وأنها تأخذ قراراتها السياسية والعملياتية بناءً على ذلك.
وهنا تحديداً، تعود لتظهر بقوة المسؤوليةُ المُلقاة على الجبهة، والمتمثلة في الاستمرار في تطوير رؤيتها وواقعها وممارساتها في مختلف المجالات، وانطلاقاً من أبواب الفقه المذكورة أعلاه على وجه التعيين.
نُدرك أن ثمة تحديات يُفرزها الواقع من جهة، وأخرى تُفرزها الثقافة السائدة. وسنضرب عليها مثلاً واضحاً بشفافيةٍ قد يهرب منها الكثيرون.
فحين أعلنت أمريكا عن استعدادها للقاء الجبهة، لم تستطع الجبهة قبول اللقاء.
ورغم الأهمية الكبرى لمثل هذا اللقاء، ومعرفة قيادات الجبهة ومكتبها السياسي أن اللقاء يأتي إدراكاً من أمريكا بحقيقة الواقع على الأرض، وعدم إمكانية تجاوز هذا الواقع. ومع معرفة تلك القيادات بأنه لايوجد في فقه المقاصد وفقه الواقع وفقه الحركة ما يمنع مثل هذا اللقاء، خاصةً حين تحضرهُ وأنت تعلم من أنت، وتعرف ماتريد. إلا أن اللقاء لم يحصل في نهاية المطاف.
الواضح أن السبب الأكبر كان يكمن في تخوفٍ من (المزايدات) التي يمكن أن تواجهها الجبهة من قِبل فصائل أخرى، بل ومن بعض الشخصيات والأفراد الأقل علماً في صفوفها الداخلية، وحتى من قواعدها. وهذا التخوف ليس شخصياً بالضرورة، وإنما ينبع من درجة وحجم (التشويش) الذي يمكن أن ينجم عن الموضوع في إطار تحقيق المصلحة العامة، وحسابات المصالح والأضرار.
فرغم الهوية الواضحة التي تُعلنها الجبهة، ورغم ممارستها التي تؤكد تلك الهوية، يَسهُل في ثقافتنا، وفي ظرفنا السوري المتعلق بهذا الموضوع، اتهامُ الجبهة بأنها أصبحت (عميلةً) للأمريكان، وبأنها ستكون مشروع (صحوات) مستقبلي، وبأنها وبأنها... كل هذا من لقاءٍ واحد!؟
المصيبة الكبرى التي يجب أن نواجهها كشعبٍ سوري، بكل صراحةٍ ووضوح، تكمن في أن مثل تلك المزايدات يمكن أن تلقى أرضاً خصبة في ثقافتنا السائدة، وفي ظل الواقع المُعقد للثورة السورية.
من هنا، تأتي مسؤولية المثقفين والعلماء وصُناع الرأي العام لأداء دورهم فيما يتعلق بمثل هذه المواضيع. بل إن الوقت حانَ لحدوث نقلةٍ في طرق التفكير والتعامل معها. إذ لا مانع مثلاً أن تطرح قيادات الجبهة الموضوع على طاولة البحث لمن تثق بهم، ولتكن مهمة العلماء والمثقفين والسياسيين توضيح الموقف الشرعي والسياسي والفكري من المسألة.
وإذا كان شيءٌ من المناصحة يجري بالفعل مع بعض العلماء ممن يحملون صفة الاعتدال والعلم والقُرب لروح الثورة، فليكن هناك إخراجٌ علني لهذا الموضوع يُوضح للناس الحقائق ويضع الأمور في نصابها. ولتكن هذه الممارسة خطوةً فعالة على طريق منع اختطاف سوريا وثورتها بمبررات الإخلاص، ولإزالة عقباتٍ كُبرى توضع في طريقها على المدى الطويل باسم إنجازاتٍ راهنة..
لكن جزءاً من المسؤولية يعود إلى الجبهة، لأن من المطلوب منها أن (تقود)، في مجال اختصاصها ودورها بطبيعة الحال.. بمعنى ألا تتحرك إلى (الأمام) وإلى مواقع متقدمة وهي تلتفت باستمرار إلى (الخلف) وإلى من يُصرﱡ على البقاء في مواقع متأخرة لاتتناسب مع مقتضيات الحركة والحيوية والتطور، المطلوبة جميعاً لتحقيق المصالح الكبرى لسوريا وثورتها وشعبها في ظل العواصف الدولية المُحيطة بها..
ويتعلق بهذا الموضوع عنصرٌ آخر من عناصر المسؤولية المُلقاة على عاتق الجبهة يتمثل في العمل الجدي لتأكيد كل ما يُكمل عملية الوحدة الحقيقية في داخلها تنظيمياً وفكرياً. فإنجاز هذه المهمة يقوي موقفها ويُشجعها على القيام بمبادرات جريئةٍ مسؤولة بغضﱢ النظر عن الثقافة التقليدية السائدة، وبعض المزاج الشعبي الذي لا مُشاحة في وجوده لأنه يتشكل تحت ضغط وحشية النظام وجرائمه.
وأخيراً، فإننا لا نعتقد أن قيادات الجبهة تفترض في نفسها الكمال، خاصةً في مجال الفكر السياسي المطلوب في هذه المرحلة، وتُدرك الحاجة لتطويره بناءً على مُعطيات فقه الواقع وفقه المقاصد وفقه الأولويات وفقه المراحل وفقه الحركة.
من هنا، تأتي مسؤوليتها الكبيرة جداً في تطوير جوانب عديدة من فكرها السياسي، وعدم التحرج من إعادة النظر في كثيرٍ من عناصره. وقد يأتي في مقدمة هذا العلاقةُ بين (السياسي) و(العسكري)، وطبيعة الدولة القادمة، وإدراك طبيعة الدور والمهمة الآن وفي المستقبل، وغير ذلك من قضايا تحتاجُ لكثيرٍ من البحث والدراسة. إبراءً للذمة أمام الله والوطن والشعب والتاريخ، وأداءً للمسؤولية من خلال استفراغ الوسع والأخذ بالأسباب.