الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تستطيع أميركا وأوروبا خسارة تركيا؟

هل تستطيع أميركا وأوروبا خسارة تركيا؟

07.04.2018
علي حسين باكير


العرب
الخميس 5/4/2018
تُعدّ الزيارة التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، أول زيارة خارجية له بعد إعادة انتخابه رئيساً للبلاد. ويعكس ذلك بالضرورة حجم وسرعة التطور في العلاقات بين البلدين، لا سيما بعد الأزمة التي اندلعت بينهما إثر إسقاط القوات المسلحة التركية مقاتلة روسية كانت قد اخترقت أجواء البلاد في نوفمبر من العام 2015.
شهدت الزيارة العديد من الأخبار السارّة، لا سيما بالنسبة إلى تركيا، إذ دشّن الرئيسان التركي والروسي يوم الثلاثاء الماضي العمل في الوحدة الأولى من محطة "أك كويو" النووية، التي تقع بالقرب من مرسين، بعد أن منحت هيئة الطاقة الذرية في تركيا شركة روساتوم الروسية رخصة لبدء تشييد هذه الوحدة. ومن المقرر أن تضم المحطة -التي ستكلّف حوالي 20 مليار دولار- أربع وحدات طاقة بقوة 1200 ميجاواط لكل واحد منها، وأن ينتهي العمل بها في الذكرى المئوية لتأسيس تركيا؛ أي في العام 2023. وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الجانبان، أعلن الرئيس الروسي التوصل إلى اتفاق مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، حول تقليص مدة تسليم منظومة "أس 400" الدفاعية لأنقرة، بحيث يصبح من الممكن الانتهاء منها بشكل كامل في يوليو 2019، بعد أن كان الطرفان قد اتفقا في سبتمبر الماضي أن يتم تسليم منظومة الدفاع الصاروخية هذه إلى الجانب التركي بعد سنتين على الأقل.
وإذا ما أضفنا هذه المشاريع الاستراتيجية إلى مشروع السيل التركي، الذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى السوق المحلي وإلى دول الاتحاد الأوروبي، سنلاحظ أن الثقل الروسي لناحية التأثير الاقتصادي والسياسي، بالإضافة إلى التعاون الدفاعي، آخذ في الازدياد في تركيا. يتساءل كثيرون الآن عن الكيفية التي يمكن من خلالها النظر إلى هذا التعاون، وهل من الممكن تصنيفه على أنه شيء جيد أم سيئ؟
من وجهة النظر التركية، هناك مكاسب عظيمة لأنقرة، إذ ستتمكن من خلال هذا التقارب إنجاز بعض المشاريع الاستراتيجية التي ستشكل قفزة نوعية في مجالات الطاقة ونقل التكنولوجيا والتجارة، لكن ما يتم إغفاله في هذا السياق هو أن درجة اعتماد أنقرة على موسكو زادت بشكل من الممكن له أن يقيّد مستقبلاً خياراتها السياسية أو حدود تحركها السياسي. جزء من هذه المشكلة سببه الموقف الأميركي والأوروبي الذي يتجاهل المعنى الحقيقي للشراكة، ويرفض إعطاء تركيا ما تقدّمه لها دولة مثل روسيا.
لا يختلف كثيرون من أن دفع تركيا بالكامل إلى الحضن الروسي سيكون له تداعيات سلبية على حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، وكذلك على أوروبا المتوجسة بشكل دائم من روسيا بصفتها التهديد الأكبر لها. لكن إذا ما أراد الجانب الأميركي والأوروبي أن يتفادى حصول مثل هذا السيناريو الذي سيؤدي إلى خلخلة حلف "الناتو" بشكل أكبر وإلى وضع أوروبا في موقع صعب، فسيكون على هذه الأطراف أن تقدّم لأنقرة ما تحتاجه كشريك وليس كتابع أو كلاعب مهمّش. لا تحتاج اللعبة إلى كثير ذكاء لإدراك أنها تجري بهذا الشكل، وعلى الأميركيين والأوروبيين أن يسألوا أنفسهم: هل هم قادرون على تحمّل خسارتهم لتركيا؟