الرئيسة \  تقارير  \  هل تستطيع إسرائيل منع العالم من قول “أبارتايد”؟

هل تستطيع إسرائيل منع العالم من قول “أبارتايد”؟

12.02.2022
فيجاي براشاد


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
فيجاي براشاد* – (غلوب تروتر) 4/2/2022
الغد الاردنية            
الخميس 10/2/2022
في 27 كانون الثاني (يناير) 2022، نشر موقع “والا” الإخباري باللغة العبرية جزءًا من نص برقية أرسلها أمير فايسبرود -وهو جزء من كادر وزارة الخارجية الإسرائيلية- إلى السفارات الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم. وحذرت البرقية الدبلوماسيين الإسرائيليين من أنه في الدورة العادية التاسعة والأربعين المقبلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي من المتوقع أن تبدأ في 28 شباط (فبراير)، سيتم تقديم تقرير بشأن قصف إسرائيل لغزة في العام 2021. ومن الواضح أن هذا التقرير سيستخدم كلمة “أبارتايد”، (فصل عنصري)، للإشارة إلى احتلال إسرائيل للفلسطينيين، بحسب البرقية.
ونقل فايسبرود من خلال هذه البرقية تعليمات تل أبيب بشأن التقرير الذي أعدته لجنة عينها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الدبلوماسيين الإسرائيليين، وكتب: “الهدف الرئيسي (لإسرائيل) هو نزع الشرعية عن اللجنة وأعضائها ومنتجاتها”، و”منع أو تأخير اتخاذ المزيد من القرارات”.
في 1 شباط (فبراير) 2022، وبعد تحقيق دام أربع سنوات، أصدرت “منظمة العفو الدولية” تقريرًا من 280 صفحة بعنوان رئيسي حاد، “الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين”. وخلصت منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل ارتكبت الخطأ الدولي المتمثل في ممارسة الفصل العنصري، باعتباره انتهاكًا لحقوق الإنسان وانتهاكًا للقانون الدولي العام أينما فرضت هذا النظام. وقدّرت المنظمة أن جميع الإدارات المدنية والسلطات العسكرية في إسرائيل تقريبًا، فضلاً عن المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، تشارك في إنفاذ نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وضد اللاجئين الفلسطينيين ونسلهم خارج الأراضي الفلسطينية.
وقالت منظمة العفو كذلك إن هذه الأعمال “ترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في ممارسة الفصل العنصري، بموجب اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي”. ورد وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، باتهام منظمة العفو الدولية باقتباس “أكاذيب تشاركها المنظمات الإرهابية” -كما لو أن الحكومة الإسرائيلية تتهم منظمة العفو الدولية، كما هو متوقع، بمعاداة السامية. وسيوفر تقرير منظمة العفو الدولية مواد أساسية للتحقيق الذي يجريه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بهذا الخصوص.
إحدى القضايا العاجلة التي ستكون محور اهتمام جلسة مجلس حقوق الإنسان هي العملية الإسرائيلية المسماة “حارس الأسوار”، التي نُفذت ضد الفلسطينيين في غزة في أيار (مايو) 2021. ووفقًا لتقرير صدر في تموز (يوليو) 2021 عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، والذي نظر في ثلاث ضربات إسرائيلية كانت جزءًا من العملية، و”التي قتلت 62 فلسطينيًا”، فإنها “لم تكن هناك أي أهداف عسكرية واضحة في المنطقة”. وقد استخدمت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها مصطلح “جرائم الحرب” لوصف الهجمات التي شنتها “القوات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة”. وعندما توقف إطلاق النار بعد 11 يومًا، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا في أواخر أيار (مايو) 2021 بإنشاء “لجنة تحقيق دولية مستقلة مستمرة” للتحقيق في مختلف الجرائم التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي إسرائيل. وتم تعيين نافي بيلاي، المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والقاضي السابق في جنوب إفريقيا، لرئاسة اللجنة المكونة من ثلاثة أشخاص، والتي تضم أيضًا ميلون كوثاري، وهو مهندس معماري هندي؛ وكريس سيدوتي، وهو محامٍ أسترالي في مجال حقوق الإنسان. ومن المتوقع أن تقدم اللجنة تقريرها الأول إلى مجلس حقوق الإنسان في حزيران (يونيو).
اللجنة التي ترأسها بيلاي هي التاسعة التي يؤسسها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق في الأعمال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وهي تتمتع بصلاحيات واسعة للغاية، والتي تشمل دراسة انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وفقًا “لاتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949، والتي كل من إسرائيل وفلسطين طرف فيها، ومواصلة التحقيق في هذه الجرائم في المستقبل. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يستخدم تقرير بيلاي كلمة “أبارتايد” لتعريف السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها تقرير للأمم المتحدة هذا المصطلح لتعريف الأعمال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. في العام 2017، أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) تقريرًا أعده ريتشارد فولك، “المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وفيرجينيا تيلي، “الباحثة وأستاذة العلوم السياسية في جامعة جنوب إلينوي”. وعرّف التقرير السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بأنها سياسة “فصل عنصري” كما يفهمها القانون الدولي (في تقريره للعام 2014، استخدم فولك مصطلح “أبارتايد”). وأدى إصدار تقرير العام 2017 إلى استقالة رئيسة الإسكوا، ريما خلف، وهي دبلوماسية أردنية مرموقة، بعد أن واجهت “ضغوطاً من الأمين العام (للأمم المتحدة) لسحب التقرير”.
هاسبارا” 2.0             
في العام 2006، أنشأت الحكومة الإسرائيلية “وزارة الشؤون الاستراتيجية” لإدارة حملتين بشكل أساسي، واحدة ضد إيران والأخرى ضد “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (BDS). وقامت وزارة الهسبارا (1) (بمعنى “الشرح”، أو بشكل أكثر تحديدًا، “الدعاية”) بإدارة حرب إعلامية سعت إلى نزع الشرعية عن نشطاء حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات، وتصوير أي شخص يدعم الحركة على أنه معاد للسامية. وتم إغلاق وزارة الشؤون الإستراتيجية هذه في تموز (يوليو) 2021 بسبب الانتقادات التي وُجهت إلى قوتها الشديدة، وتحولت بعض مهامها إلى وزارة الخارجية. وتشكل برقية أمير فايسبرود من وزارة الخارجية في الأساس نوعاً من “هاسبارا 2.0”.
في 23 كانون الثاني (يناير) 2022، أقامت الحكومة الإسرائيلية مشروعًا جديدًا -“تناغم” Concert- داخل وزارة الخارجية. وسيمضي هذا المشروع الممول جيدًا قدمًا بتنفيذ مهمة “مقلاع سليمان” Solomon’s Sling -“وهي مؤسسة منفعة عامة، وإنما يسيطر عليها ممثلو الحكومة”- لتلميع صورة إسرائيل في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الغرب. وستكون “تناغم” هي الوسيلة التي تخطط الحكومة الإسرائيلية من خلالها لتحويل ملايين الدولارات إلى المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية لضمان أن تكون التقارير التي تصدر عن إسرائيل إيجابية. ويشكل “نزع الشرعية” عن أي منتقد لإسرائيل جزءاً من الأجندة التي يهدف هذا المشروع إلى تحقيقها.
البرقية المرسلة من فايسبرود هي جزء لا يتجزأ من “هاسبارا 2.0”. وفايسبرود دبلوماسي من ذوي الخبرة، خدم مندوباً لإسرائيل في الأمم المتحدة في نيويورك وسفيرًا في الأردن، إلى جانب عمله في وزارات مختلفة في تل أبيب. وفي العام 2011، قال لصحيفة “هآرتس” إن الدبلوماسيين من معظم الدول يتفهمون موقف إسرائيل فيما يتعلق بـ”السلطة الفلسطينية”، “خلف الأبواب المغلقة”، لكنهم “ليسوا راغبين في التعبير علنًا عما يقولونه بسهولة في اجتماع خاص مع ممثلين إسرائيليين، وهو أمر مثير للحفيظة في كثير من الأحيان”. وما تكشفه مثل هذه الازدواجية هو أن هؤلاء الممثلين الأجانب، الذين يتفقون مع إسرائيل “خلف الأبواب المغلقة”، يعترفون بذلك بأن الرأي العام في بلدانهم يقف ضد السياسة الإسرائيلية، لكن هؤلاء الممثلين يعرفون أنه لا يجب عليهم إزعاج الإسرائيليين أو الدبلوماسيين الأميركيين، الذين سيجعلون بخلاف ذلك الحياة صعبة على بلادهم. (أخبرني دبلوماسي هندي كبير بوضوح أن الهند قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في العام 1992 لأن الولايات المتحدة أخبرت نيودلهي بأن “الطريق إلى واشنطن يجب أن يمر عبر تل أبيب”).
تدرك إسرائيل أن قلة من الدول في مجلس حقوق الإنسان ستصوت ضد التقرير الذي من المتوقع أن يصنفها على أنها “دولة فصل عنصري”. وسوف تحاول القيام بأمرين لمنع صدور التقرير: محاولة نزع الشرعية عن المفوَّضين، ولا سيما بيلاي؛ ومطالبة الولايات المتحدة باستخدام عضويتها في مجلس حقوق الإنسان لتأخير إصدار التقرير.
جرائم حرب
في آذار (مارس) 2021، أكدت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة، أن مكتبها فتح تحقيقًا يستند إلى “جرائم نظام روما الأساسي” التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وهناك أربع جرائم في نظام روما الأساسي هي: جريمة الإبادة الجماعية؛ والجرائم ضد الإنسانية؛ وجرائم الحرب؛ وجريمة العدوان. وكل واحدة من هذه الجرائم مروعة بحد ذاتها.
ما تخشاه إسرائيل هو أن تقريراً سلبياً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يمكن أن يوفر دليلاً لتحقيق المحكمة الجنائية الدولية. في 3 كانون الثاني (يناير) 2022، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد للصحفيين الإسرائيليين إن حكومته تخشى أن تحاول مجموعة من المؤسسات الدولية هذا العام تصوير إسرائيل على أنها “دولة فصل عنصري”. وتشمل هذه المؤسسات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ولجنة القضاء على التمييز العنصري.
في المؤتمر الصحفي، وصف لابيد توصيف إسرائيل كدولة فصل عنصري بأنه “كذبة حقيرة”. وقبل عامين، في حزيران (يونيو) 2020، كانت إحدى منظمات حقوق الإنسان الأكثر احترامًا في إسرائيل -ييش دين- قد نشرت تقريرًا انتهى بخلاصة مذهلة: “إنه تصريح يصعب إصداره، لكن خلاصة هذا الرأي هي أن الجريمة ضد الإنسانية التي يمثلها الفصل العنصري تُرتكَب في الضفة الغربية. والجناة هم الإسرائيليون والضحايا هم الفلسطينيون”. وتشكل مثل هذه التصريحات لعنة بالنسبة للابيد وفايسبرود، لكنها -وفقًا لجماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية (بما فيها “بتسيلم”)، وجماعات حقوق الإنسان الفلسطينية (بما فيها مؤسستا “الحق” و”الضمير”)، وكذلك بالنسبة لـ”منظمة العفو الدولية” ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”- انعكاس للحقائق التي تُشاهَد على الأرض، ولا يمكن لأي قدر من “هاسبارا 2.0” أن يمحو هذه الحقائق.
 
*فيجاي براشاد Vijay Prashad: مؤرخ وصحفي ومعلق ومفكر ماركسي هندي. وهو المدير التنفيذي لمعهد Tricontinental: Institute for Social Research، ورئيس تحرير LeftWord Books وزميل أول غير مقيم في معهد “تشونغيانغ” للدراسات المالية، في جامعة “رينمين” في الصين. شغل منصب كرسي جورج ومارثا كيلنر في تاريخ جنوب آسيا وأستاذ الدراسات الدولية في كلية ترينيتي في هارتفورد، كونيتيك، الولايات المتحدة من 1996 إلى 2017. في 2013-2014، كان أستاذ كرسي إدوارد سعيد في الجامعة الأميركية في بيروت وكان زميلًا أول في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في بيروت. صدر له أكثر من ثلاثين كتاباً.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Can Israel Stop the World from Saying ‘Apartheid’? Concealing the Suffering in Palestine
هامش:
 (1)الدبلوماسية العامة في إسرائيل أو “هاسبارا”، هي كلمة عبرية تعني “الشرح” أو “التوضيح”. تستخدمها الحكومة الإسرائيلية ومؤيدوها لوصف المجهودات التي تقوم بها دولة إسرائيل وأنصارها لتوضيح وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية وتعزيز إسرائيل في مواجهة الصحافة السلبية ومواجهة ما تعتبره نزع الشرعية عن إسرائيل في جميع أنحاء العالم ولشرح سياساتها وتبرير أفعالها والدعاية لإسرائيل على وجه العموم. وتعني “هاسبارا “التفسير” أيضاً، كناية عن الدعاية أو “البروباغاندا”.