الرئيسة \  تقارير  \  هل تستغني أوروبا بنفط العرب عن نفط روسيا؟

هل تستغني أوروبا بنفط العرب عن نفط روسيا؟

03.04.2022
كاثرين شير


كاثرين شير* – (موقع قنطرة) 15/3/2022
الغد الاردنية
السبت 2/4/2022
يتفق الخبراء على أن العقوبات على روسيا لن تنجح ما لم تشمل النفط والغاز، لكنها قد تزيد أسعار الطاقة. فهل يساعد النفط العربي -وخاصةً السعودي أوروبا؟
* * *
مع مرور بعض الوقت على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ازدادت الدعوات إلى فرض عقوبات جديدة تتناول قطاع الطاقة. وحثت 465 منظمة في 50 دولة على التوقف عن استيراد الغاز والنفط من روسيا. وفي بيان وقعت عليه منظمتا “السلام الأخضر” و”تمرد ضد الانقراض”، حذرت هاتان المنظمتان من أن “إدمان الوقود الأحفوري في العالم يمول الحرب التي يشنها بوتين”.
وتأتي روسيا في المرتبة الثانية في إنتاج النفط الخام في العالم، بنسبة 14 % من إجمالي إنتاج النفط في العالم خلال العام الماضي 2021، بحسب معهد أكسفورد لدراسات الطاقة. وأضاف المعهد في تقرير صدر في آذار (مارس) 2022 أن حوالي 60 بالمائة من صادرات روسيا من النفط الخام تذهب إلى القارة الأوروبية، فيما تحصل آسيا على حصة تبلغ 35 في المائة منه.
وبهذه النسبة التي تقترب من الستين بالمائة، تزود روسيا القارة الأوروبية بنحو ثلث احتياجاتها من النفط، فيما يقدر الخبراء أن أوروبا تدفع لروسيا وفقا لأسعار الطاقة الحالية حوالي 350 مليون يورو (382 مليون دولار) يومياً مقابل الصادرات النفطية.
ولذلك، حذرت المنظمات في بيانها من تداعيات الاعتماد على الطاقة من موسكو، وقالت: “إذا استمر العالم في استخدام النفط والغاز الروسيين، فسوف يلغي ذلك تأثير أي عقوبات ومقاطعة دولية يُفترض أن تدفع روسيا إلى الانسحاب من أوكرانيا”.
يأتي ذلك في وقت أعلن فيه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في خطاب في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، الثامن من آذار (مارس) 2022، “حظر جميع واردات النفط والغاز الروسية” بسبب غزو أوكرانيا. وأوضح الرئيس الأميركي أن هذا يعني أنه لن يتم قبول النفط الروسي بعد الآن في الموانئ الأميركية، وبذلك “سيوجه الشعب الأميركي ضربة قوية أخرى لآلة حرب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن بايدن قوله: “تستهدف الولايات المتحدة الشريان الرئيسي للاقتصاد الروسي. لن نشارك في دعم حرب بوتين”. وذكر بايدن أن الحرب في أوكرانيا ستسبب ارتفاعاً إضافياً في أسعار البنزين، لكنه حذر أيضاً صناعة النفط والغاز من اللجوء إلى زيادات مفرطة تفوق الحد في الأسعار.
وترفض أوروبا حتى كتابة هذه السطور فرض حظر على الواردات الروسية من الطاقة. لكن الولايات المتحدة هي مصدرة بحتة للطاقة، أي أنها تُنتج كميات نفط وغاز أكثر من حاجتها الاستهلاكية، حسب ما ذكر بايدن. وأوضح: “يمكننا اتخاذ هذا القرار فيما لا يستطيع آخرون”. وتابع: “لكننا نعمل بشكل وثيق مع أوروبا وشركائنا لوضع استراتيجية على المدى الطويل من أجل تخفيف اعتمادهم على الطاقة الروسية”. وأضاف الرئيس الأميركي: “إننا نبقى متحدين في نيتنا مواصلة ممارسة ضغط متزايد على بوتين وعلى آلته الحربية”.
 
العقوبات.. قطاع الطاقة الروسي “مستثنى
يرجع السبب وراء عدم لجوء أوروبا إلى معاقبة قطاع الطاقة الروسي إلى اعتماد القارة عليه. وفي ظل هذه المعضلة، يرى مراقبون أنه حتى في حال رغبت الحكومات الأوروبية في أن تتضمن العقوبات قطاع الطاقة الروسي، فمَن هو الطرف الذي يمكن أن يعوض الصادرات النفطية الروسية؟ غير أن السؤال الأهم يكمن في كيفية استبدال النفط الروسي من دون التسبب في تزايد ارتفاع أسعار النفط.
يشار إلى أنه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، شهدت أسعار النفط ارتفاعا بسبب تزايد الطلب مع تعافي العالم من جائحة كورونا، غير أن الطلب المتنامي يواجه تباطؤا في زيادة الإمدادات من الدول المنتجة.
وعلى وقع الحرب في أوكرانيا وما تلا ذلك من مخاوف من نشوب المزيد من الاضطرابات، ارتفعت أسعار النفط أكثر، حيث تجاوز سعر “خام برنت” 139 دولارا للبرميل ليقترب من مستواه القياسي البالغ 147.50 المسجل في العام 2008 والذي يعد أعلى مستوى لأسعار النفط.
في هذا السياق، توقع معهد أكسفورد لدراسات الطاقة أن يتجاوز متوسط سعر البرميل حاجز الـ116 دولارا فيما يُنظر بوضوح إلى هذه الزيادة في الأسعار على أنها تصب في صالح روسيا وتمولها، لكنها تؤثر في الوقت نفسه سلباً على اقتصادات الدول الغربية. وفي ظل هذه المعطيات، بات من الملح للغاية البحث عن بدائل للنفط الروسي، وكذلك عن طرق لمواجهة أي ارتفاع لأسعار الطاقة بسبب ذلك.
السعودية.. هل تكون البديل؟
من أجل حل إشكالية التقليل من الاعتماد على النفط الروسي وزيادة الإنتاج من دون التسبب في ارتفاع في أسعار الطاقة، يقع الأمر على عاتق السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، حيث يرى الخبراء أن السعودية وجارتها، الإمارات، التي تعد ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، يمكنهما ضخ المزيد من إمدادات النفط.
ومن جانبها، قالت كارين يونغ، مديرة “برنامج الاقتصاد والطاقة” في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إنه من الصعب أن يحل النفط السعودي والإماراتي محل النفط الروسي بشكل سريع.
وفي مقابلة مع صحيفة “دويتشه فيله”، قالت “إن زيادة الإنتاج النفطي لا تعني بالضرورة وبشكل مباشر زيادة الصادرات النفطية إلى أوروبا، لأنه لا يمكن إعادة توجيه ظروف أسواق النفط بهذه السهولة”. ورأت يونغ أن الفارق الذي قد يحدثه زيادة إنتاج النفط السعودي سوف يتمثل في خفض الأسعار.
يشار إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد طلبت من السعودية والإمارات ضخ المزيد من إنتاجهما النفطي للحد من زيادة الأسعار، في منتصف شباط (فبراير) 2022 قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، غير أن الرياض وأبو ظبي ظلتا ترفضان ذلك حتى تاريخ نشر هذا المقال. وخرج أحدث اجتماع لتحالف “أوبك بلس” -الذي يضم 23 دولة من أعضاء في أوبك إضافة بلدان أخرى مصدرة للنفط لكنها خارج المنظمة مثل روسيا- باتفاق الأعضاء على عدم الانحراف عن خطة التحالف المتفق عليها في وقت سابق من هذا العام.
وقد اتفق تحالف “أوبك بلس” على زيادة الإنتاج وإن كان بوتيرة بطيئة في العام الحالي بعد أن أدى وباء كورونا إلى انخفاض تاريخي في الطلب. وخلال الاجتماع الأخير لتحالف “أوبك بلس” الذي عُقد في الثاني من آذار (مارس) 2022، تعهدت الدول الأعضاء بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا في نيسان (أبريل) كما كان متفقا عليه بشكل مسبق، فيما لم يشر البيان إلى الحرب في أوكرانيا.
بهذا الصدد، يسلط حسن الحسن، الباحث المتخصص في سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، الضوء على إشكالية تواجه منظمة (أوبك) فيما يتعلق بتأثير الأحداث السياسية على معدل إنتاج النفط.
وفي مقابلة مع “دويتشه فيله”، قال: “لدى أوبك سياسة تتبناها منذ وقت طويل تتمثل في عدم تغيير معدلات الإنتاج أو العرض على أساس المتغيرات الجيوسياسية. ويرتبط التغير فقط بالمتغيرات في أساسيات السوق”.
وإزاء ذلك، يتساءل مراقبون عن الشيء الذي قد يدفع الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط إلى تغيير مواقفها بشأن زيادة إنتاج النفط. ويرى الحسن أن الضغط الأميركي على دول المنطقة قد يساعد على تغيير المواقف، مضيفاً “الولايات المتحدة تعد الحليف والشريك الأمني الوثيق لدول الخليج التي لم تحرك بوصلتها صوب روسيا بعد”.
وقال إنه قد يطرأ تغيير في مواقف السعودية في حال تفاقم الصراع في أوكرانيا بما يحمل في طياته انخراط دول أخرى أو حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الصراع، أو فرض حظر شامل على صادرات النفط الروسية.
لكن الحسن شدد على أن عدم معاقبة قطاع الطاقة الروسي يضعف أي مساع أوروبية لدفع دول الخليج إلى زيادة إنتاج النفط، مضيفاً: “من دون فرض عقوبات من هذا القبيل، فإن من الصعب إقناع دول الخليج بتعريض مصالحها للخطر وتغيير سياسة (أوبك) طويلة الأمد”.
أما كارين يونغ، فتذهب إلى القول إنه إذا استقبل بايدن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو قدم طلباً مباشراً له، فإن هذا قد يشجع الرياض على زيادة الانتاج النفطي”. يشار إلى أن جو بايدن لم يتحدث إلى ولي العهد السعودي بشكل مباشر.
ويرى الخبراء أن الرد العالمي على الغزو الروسي لأوكرانيا بما يشمل استراتيجيات ما تُعرف “بالعقاب الذاتي” قد يدفع السعودية إلى تغيير سياستها الإنتاجية من النفط. وفي هذا السياق، رفض عمال الموانئ تفريغ النفط الروسي بينما رفضت مؤسسات مالية تقديم الائتمانات أو طرق لسداد صفقات النفط الروسية.
البحث عن حلفاء جدد
يعتقد بعض محللي السوق أنه كان من الأفضل للولايات المتحدة والدول الأوروبية تحسين علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط، خاصة وأن بلدان المنطقة الغنية النفطية أصبحت تتمتع بأهمية كبيرة في ضوء الحرب في أوكرانيا. وترى سينزيا بيانكو، الخبيرة في شؤون الخليج والزميلة الزائرة في فرع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، أنه “حتى إذا حققت الدبلوماسية الغربية نجاحاً في دفع دول الخليج إلى الانخراط، فإن دول المنطقة تخشى من أن يكون هذا التقارب الدبلوماسي مؤقتاً”.
وترى دينا إسفندياري، الخبيرة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، أن أهمية الدول العربية المنتجة للنفط تزايدت ثم تضاءلت. وقالت: “أعتقد أن ثمة إدراكاً بين منتجي الطاقة على المدى المتوسط بأن (دول الخليج) ليست بهذا القدر من الأهمية في الوقت الحالي، خلافاً عما كان عليه الحال عندما كان العالم يعتمد عليها بشكل كبير”.
وفي الصدد، يؤكد الحسن ضرورة دراسة تداعيات ممارسة أي ضغوط على منتجي النفط في الشرق الأوسط، لأن زيادة الضغوط من شأنها أن تؤدي إلى “تأكيد مخاوف دول الخليج”، بحسب قوله. وأضاف: “قد تعمل دول الخليج على المدى المتوسط في تسريع جهودها لتوسيع دائرة حلفائها الدوليين”.