الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تشكل أمريكا التحالف الدولي ضد الإرهاب؟

هل تشكل أمريكا التحالف الدولي ضد الإرهاب؟

06.09.2014
توفيق المديني



الشرق القطرية
الخميس 4-9-2014
إن ما يثير الانتباه في الخريطة الجيوبوليتيكية العالمية في ظل بروز ظاهرة تنظيم "داعش" الإرهابي هو ما يلي: هل أصبحت الحرب ضد الإرهاب هي المبدأ المنظم للعلاقات الدولية، الذي ينزل إلى المرتبة الثانية حزمة الصراعات والفوضى السابقة؟
عقب هجمات 11 سبتمبر2001، حدث انقلاب عام في العلاقات الدولية، إذ أصبح الصراع ضد الإرهاب الدولي يحتل أولوية الأولويات، وأعاد ثانية توجيه دبلوماسيات عدة دول، وفرض تجاهل النزاعات القديمة، وبالتالي قاد إلى عقد تحالفات جديدة. فعندما اتخذت الحكومة الأمريكية قراراتها وحدها، وبدأت تحشد الجيوش، ودقت طبول الحرب، ثم دعت الدول المشاركة في نادي التحالف الدولي لمكافحة ما تسميه "الإرهاب الإسلامي"، استجابت دول العالم تجاوبا متفاوتا، فتقدمت حكومة بلير الصفوف لارتباطها بالسياسة الأمريكية ودفاعها عن التقاليد الإمبريالية، وتلت فرنسا بريطانيا، ومن ثم إيطاليا وألمانيا واليابان، ولكن أيضا روسيا والصين، وتقريبا معظم الدول العربية، والسلطة الفلسطينية، والسودان، وباكستان.
يوم الجمعة 29 أغسطس الماضي، دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى تشكيل تحالف دولي واسع من أجل مكافحة مقاتلي تنظيم ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية". وأوضح كيري في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أنه سيسعى مع وزير الدفاع تشاك هيغل لتشكيل هذا التحالف خلال المحادثات مع شركائه الغربيين على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، التي ستعقد في ويلز يومي 4 و5 سبتمبر 2014. وكشف الوزير الأمريكي أن الرئيس باراك أوباما سيقترح إستراتيجية ضد التنظيم خلال اجتماع مجلس الأمن الذي ستتولى الولايات المتحدة رئاسته الشهر المقبل.
من جهته دعا الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز المجتمع الدولي إلى ضرب المتطرفين بالقوة والعقل وبسرعة، لأنهم سيصلون قريبا إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أقر بوضوح بأن واشنطن لا تملك إستراتيجية حتى الآن لمهاجمة تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف في سوريا. واستبعد أوباما توجيه ضربات عسكرية في سوريا على المدى القصير بعد أيام من التكهنات طغت عليها تصريحات لمسؤولين في البنتاغون حذروا من مجموعة "تتمتع بحرفية عسكرية عالية". وبعد ثلاثة أسابيع من الغارات الجوية في العراق المجاور ضد مواقع المقاتلين المتطرفين، أكد الرئيس الأمريكي أنه يعمل على خطة عسكرية ودبلوماسية في آن واحد للتغلب على "الدولة الإسلامية"، موضحا أن الأمر لن يكون "سريعاً ولا سهلاً". وقال أوباما في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض: "نحتاج إلى خطة واضحة"، وشدد على ضرورة التعويل على "شركاء إقليميين أقوياء"، إذ أعلن أن وزير الخارجية جون كيري سيتوجه قريبا إلى الشرق الأوسط لبناء تحالف لا بد منه للرد على هذا التهديد الذي سبق أن وصفه بأنه "سرطان".
من جهة أخرى، أكد أوباما أنه ليس على الولايات المتحدة أن تختار بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومقاتلي الدولة الإسلامية. وقال الرئيس الأمريكي: "سنواصل دعم المعارضة المعتدلة، لأن علينا أن نقدم للناس في سوريا بديلا يتجاوز الأسد أو الدولة الإسلامية".
لم يمر وقت طويل حتى استغلت الحكومة السورية هذا التحول الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية، المرتبطة أساساً بتوسيع إشراك الدول الإقليمية في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" – "داعش"، باعتباره إحدى العلامات المميزة لجنين التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، في ظل تشديد غربي وتعويل على مفصلية ذلك، وأعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوم 25 أغسطس الماضي استعداد سوريا للتعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وهي لا تعترض على العمليات الأمريكية في سوريا شريطة أن يتم تنسيقها معها. خلاف ذلك، فإنها تندرج تحت باب "العدوان".
المتابعون للمواقف الصادرة عن العواصم الأوروبية والأمريكية، يلمسون بوضوح أن هناك رفضاً واضحاً من جانب الحكومات الغربية لإشراك سوريا في هذا التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، مادامت سوريا ترحب بالتحالف مع إبقاء النظام القائم على حاله. وهذا ما ترفضه الدول الغربية، والتي تصر على أن تقدم الحكومة السورية مبادرة لإعادة الحوار مع المعارضة المعتدلة، والعمل معها.
بينما هناك إمكانية للتعاون مع الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيَّما تركيا وإيران.
ورغم ذلك، أكد مسؤولون عسكريون أمريكيون أنهم لن يستثنوا توجيه ضربات في سوريا أيضا، إذا اقتضت الحاجة، من دون تنسيق مع دمشق.
فالموقف الغربي يصر على أن الإستراتيجية الغربية لمحاربة "داعش" في العراق باتت واضحة، بينما الوضع في سوريا مختلف، فالتحالف الدولي يعمل على إضعاف "داعش"، لكن مع حرص شديد ألا يساعد ذلك الحكومة السورية، لأن الدول الغربية تحرص على دعم المعارضة المعتدلة.
لا تزال الضبابية تكتنف الإستراتيجية المتبعة لتشكيل هذا التحالف الدولي بشأن محاربة "داعش"، لأن نادي هذا التحالف الدولي لم يشمل ترويجاً للدور الروسي، رغم المساهمة المبكرة لموسكو في دعم السلطة العراقية. ويعود عدم إشراك روسيا في هذا التحالف الدولي إلى الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية المتفجرة، حيث باتت المواقف الغربية والروسية من تلك الأزمة متناقضة بصورة كبيرة، لاسيما في ضوء إعلان أوكرانيا بشكل صريح السعي لعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فيما الحلف يؤكد الاستعداد لإطلاق قاعدة جديدة له في بولندا، برغم كل تحذيرات موسكو.
في الحرب الأمريكية على الإرهاب سنة 2001، التي استدعت من الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي، التحقت روسيا في ذلك الوقت بنادي التحالف الدولي، واعتبره المحللون حدثاً مهماً في ظروف الحرب الأمريكية على الإرهاب. وجاءت أحداث 11 سبتمبر2001 بإسقاطاتها المدمرة على الوضع الدولي، لتحدث تغييراً جذرياً في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فقد اتخذ الرئيس فلاديمير بوتين قرارا بوضع روسيا في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد ما تسميه الإرهاب. وبذلك جسّد بوتين – خلال تلك الفترة – قطيعة سياسية وأيديولوجية مع النزعة المناهضة لأمريكا التي اتسمت بها السياسة الخارجية الروسية، المترسخة منذ عقود من الزمن، بعد أن شهدت تراجعاً في بداية عقد التسعينيات مع مجيء الرئيس الأسبق يلستين.
لقد اتخذ بوتين قراره بمساندة الحرب الأمريكية في أفغانستان، دون أن يستشير أحداً، في إطار انفراد وظيفته كرئيس لفيدرالية روسيا، وضد قسم من الجيش والطبقة السياسية وبيروقراطية وزارة الخارجية الروسية، وغالبية المجتمع الروسي، وبخطر إهانة الشعور القومي الروسي الذي أسهم في تضخيمه كثيراً.
ولأول مرة اتخذ بوتين قراراً دون أن يعرضه لخسارة الدعم الشعبي له. فالرئيس بوتين جاء إلى السلطة في روسيا عقب العمليات الإرهابية التي هزت موسكو، والتي أفسحت له في المجال لكي يقود الحرب في الشيشان، وحين تعرضت نيويورك وواشنطن إلى الهجمات في 11 سبتمبر 2001، كان الرئيس بوتين أول رئيس دولة أجنبي اتصل هاتفيا بالرئيس السابق بوش، وتوقع من الولايات المتحدة الأمريكية أن تعلن حالة الاستنفار القصوى لقواتها في كل العالم. والحال هذه ليس فقط أن الرئيس بوتين لم يقم بالشيء عينه للقوات الروسية كما هي القاعدة المطبقة منذ الخمسينيات، لكنه أيضا أصدر أوامر بإلغاء المناورات العسكرية الجارية من أجل تجنب أي التباس، وكل خسارة للوقت لشبكات المراقبة والتجسس الأمريكية.
فأمريكا التي تعرضت لهجوم يجب أن تدافع عن نفسها دون أي مضايقة من جانب روسيا.
ويتساءل المحللون الإستراتيجيون في الغرب لماذا حصل هذا الانقلاب في سياسة روسيا؟ هناك سبب رئيسي ملح، يتلخص في كلمة واحدة: الشيشان. وكان الجواب الأمريكي على التضامن الروسي، عبر عنه الناطق الرسمي في عهد إدارة بوش الأولى باسم البيت الأبيض آري فيشر، حين قال: "ليس هناك أدنى شك بأنه يوجد إرهاب مرتبط ببن لادن في الشيشان". وكان الرئيس بوتين ينتظر مثل هذا التصريح العلني، الذي يعطيه الضوء الأخضر لكي يتصرف كما يريد في الشيشان دون أي اعتراض من أحد.
هذه الصفقة التي أبرمها الرئيس بوتين مع واشنطن تقوم على المعادلة التالية: تعاونه الكامل مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب مقابل أن تتركه واشنطن يتصرف بحرية في حربه في الشيشان.
منذ انطلاق مسار ما بات يعرف في الخطاب السياسي العربي والدولي بـ"الربيع العربي"، تبدلت الظروف والمواقف الدولية، فقد تدخل الحلف الأطلسي عسكريا لمساندة المعارضة الليبية لإسقاط نظام معمر القذافي، وهذا ما أغضب الروس، الأمر الذي جعل الرئيس فلاديمير بوتين يقف بقوة في دعمه العسكري والدبلوماسي للحكومة السورية، ضمن تحالف دولي وإقليمي، يضم الصين وإيران. ومع تفجر الأزمة الأوكرانية، وفرض العقوبات الاقتصادية الأوروبية على موسكو، وازدياد حضور الحلف الأطلسي ومناوراته في دول الجوار الروسي، أصبح الموقف الروسي أكثر صلابة وتعنتا في مواجهة المواقف الغربية من الأزمة السورية.
لا يمكن للحلف الأطلسي أن يتدخل عسكريا بصورة مباشرة لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، ما لم تطلب الدولة العضو في الناتو، ألا وهي تركيا، تدخل الحلف.
وإذا كانت تركيا لا تريد من الناتو العمل في سوريا أو العراق، فحينها لا يمكن للحلف الأطلسي أن يتدخل عسكرياً لتطويق خطر "داعش"، الذي يتطلب مواجهته في العراق وسوريا معاً، الأمر الذي يقتضي أيضا التعاون مع الحكومة السورية.
وفي نظر الغرب، تظل الحكومات العربية العلمانية الديكتاتورية أقل سوءا من التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش".
وإذا كان السؤال المطروح غربياً، هل الأولوية إضعاف داعش أم نظام الرئيس بشار الأسد؟، فالجواب واضح الآن بالنسبة للحكومات الغربية: إضعاف داعش.
الأسد سيستفيد طبعاً، لكنهم سيحاولون تقديم أقل فائدة ممكنة له.
في منطقة الشرق الأوسط، ورغم عدم رفض أي دولة الدخول في التحالف الدولي لمكافحة "داعش"، فإنه في الواقع هناك تردد، وهناك رفض للدخول من جانب سوريا وإيران، اللتين تتناقضان مع السياسة الأمريكية بشأن الأزمة السورية، وتتساءلان في الوقت عينه: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقود حملة عالمية لمكافحة الإرهاب، بينما هي تساند المعارضات الإسلامية المتشددة التي تقاتل النظام في دمشق، والعدوان الصهيوني على غزة.
وتذهب دمشق أبعد من ذلك، حين تعتبر الإرهاب الصهيوني أعلى أشكال الإرهاب في العالم.