الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تصل حرب سوريا إلى تركيا؟

هل تصل حرب سوريا إلى تركيا؟

19.05.2013
نادرة بوازة ـ مجلة "الاكسبرس"

نادرة بوازة ـ مجلة "الاكسبرس"
الفرنسية (13 ايار 2013)
المستقبل
الاحد 19/5/2013
هل تكون تركيا الآن بصدد دفع ثمن تدخلها في الأزمة السورية؟ المعروف أن أنقرة كانت أول عاصمة تدين القمع الوحشي الذي مارسه النظام السوري ضد مواطنيه، بدءاً من شهر حزيران من العام 2011. واليوم، العاصمة التركية مقتنعة تماماً بأن دمشق تريد لها ان تدفع ثمن دعمها للمعارضة السورية، وبأنها تبحث عن طريقة لإيصال الحرب الى ديارها. انفجار السيارتين المفخختين منذ أيام في بلدة الريحانلي في محافظة هاتاي لم تفسَّر إلا على هذا النحو. قبل ذلك، في شباط من العام الجاري، وفي المحافظة نفسها، قُتل ثمانية أشخاص بسيارة مفخخة أيضاً. ورئيس الوزراء التركي يتهم دمشق الآن بأنها تريد جرّ تركيا الى "سيناريو الكارثة".
في حزيران من العام 2011، بعدما لعبت انقرة الورقة الديبلوماسية، قررت ان ترفع الصوت. فأدان اردوغان القمع المنظم للنظام السوري ضد شعبه. يقول ديديي بييون، الباحث في "معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية"، ان العاصمة التركية وقتها بدت وكأنها "ذاهبة الى الحرب بحماسة". فمنذ هذا التاريخ والديبلوماسية التركية تدين بحزم النظام العلوي، تدعم المنتفضين، تقدم لهم القواعد الخلفية وتستقبل مئات الآلاف من النازحين. يتابع الباحث نفسه: "منذ بضعة أشهر لم يتوقف الأتراك عن مناداة الأسرة الدولية للتعامل بجرأة أكبر مع الملف السوري. وانقرة مثلها مثل دول النفط، تقدم للمنتفضين مساعدات، خصوصا العسكرية منها". وفي غياب إدارة متعددة الأطراف للأزمة السورية، تضع الدولة التركية كل ثقلها في هذه الأزمة. فهي الدولة التي تستقبل العدد الأكبر من النازحين، موزعين على سبعة عشر مخيماً على امتداد الحدود التركية-السورية والبالغة تسعمئة كلم. عدد هؤلاء النازحين بلغ حتى اليوم ثلاثمئة ألف، وهذا الرقم مرشح ان يُضرب بثلاثة خلال العام الجاري، حسب "مجموعة الأزمات الدولية". هذه الإدارة الإغاثية للأزمة، كلفت حتى الآن سبعمئة وخمسين مليون دولار، لم تتلقَ تركيا منها إلا مئة مليون دولار. يقول الباحث ديديي بييون بهذا الصدد: "ان معسكرات اللاجئين تشكل سلاحاً سياسياً بالنسبة للحكومة التركية. ان تدفّق اللاجئين اليها هو بمثابة الفرصة لتذكير القوى الغربية بأن تركيا ليست منذورة لوحدها لإدارة الذيول الانسانية للحرب في سوريا".
على الحدود بين البلدين، لا تكتفي الدولة التركية باغداق المساعدات للعائلات المقتلعة من بلادها. انها تقدم أيضا قاعدة خلفية لمقاتلي المعارضة. هم بوسعهم ان يأخذوا فيها قسطاً من الراحة، أو يعيدوا تسليح أنفسهم، أن يتلقوا العلاج، أو يزوروا عائلاتهم المنفية. لولا هذا الدعم اللوجستي والانساني، لكانت الدبابات النظامية طردت هؤلاء المقاتلين. ولكن هل يمكن لهذه المعادلة ان تدوم؟ ان الحرب تنزلق شيئاً فشيئاً وترتدي لبوس الهروب الى الأمام، ومن الجانبين، النظام والمعارضة.
بالنسبة لداوود أوغلو، وزير الخارجية التركي، فان الصمت دام طويلاً. فبعد عامين ونصف من بدء التظاهرات الأولى، ما زالت تركيا عاجزة عن الإجابة بمفردها على الأزمة الاقليمية التي تلوح من بعيد. يؤكد أوغلو بهذا الصدد: "ان التفجير الأخير يدل كيف يمكن لشرارة ان تتحول الى حريق عندما تبقى الأسرة الدولية صامتة ويفشل مجلس الأمن في التحرك والمبادرة". اما أردوغان، فقد صرح للقناة الاميركية "ان بي سي" بأن النظام السوري تجاوز منذ زمن الخط الأحمر.
على المستوى الداخلي، لا يخلو هذا الانزلاق من نتائج: حسب استطلاع جديد للرأي، فان ستين بالمئة من الاتراك ينتقدون إدارة اردوغان للأزمة؛ ما يؤكد بان الحكومة التركية فقدت خلال الأشهر الستة الأخيرة حيزا مهماً من شعبيتها.
طبعاً ليس من باب الصدف ان يكون الهجوم بالسيارتين المفخختين قد وقع في محافظة هاتاي الحدودية. فهذه الأخيرة كان اسمها سنجق الاسكندرون التابع لسوريا، حتى انفصاله عنها عام 1939 بموجب اتفاق تركي فرنسي. ودمشق لم تقبل يوما بحرمانها من هذه المحافظة.