الرئيسة \  تقارير  \  هل تعارض روسيا فعلا عملية تركية في سوريا؟

هل تعارض روسيا فعلا عملية تركية في سوريا؟

23.06.2022
محمود علوش


محمود علوش
الجزيرة
الاربعاء 22/6/2022
عندما زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنقرة في 8 يونيو/حزيران الجاري لإجراء محادثات مع نظيره التركي حول مشروع إنشاء ممر بحري لتسهيل عبور صادرات أوكرانيا من القمح والحبوب كانت الخطط التركية لشن عملية جديدة ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا حاضرة بقوة على أجندة الزيارة.
وعلى الرغم من أن الزيارة لم تخرج بموقف روسي واضح من العملية التركية المحتملة باستثناء تكرار لافروف التأكيد على مراعاة هواجس تركيا الأمنية فإنه بعد ذلك بأيام قال الكرملين إنه يعارض أي هجوم تركي جديد، وحذر من أنه سيؤدي إلى تصعيد الموقف وزعزعة الاستقرار.
لكن التصريحات الروسية الأكثر أهمية حتى الآن بهذا الخصوص كانت للمبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف، والتي قال فيها إن روسيا لن تقاتل تركيا والجيش الوطني السوري في ريف حلب، وإنه بإمكان الجيش التركي السيطرة على المنطقة التي سيستهدفها، لكنه من الصعب التنبؤ بالنتائج التي تترتب على ذلك.
وفي حين أن روسيا تعارض من حيث المبدأ أي هجوم تركي جديد لأسباب عديدة، أبرزها منع زيادة المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في الشمال السوري والقلق من تأثير موافقتها على العملية في العلاقات التي أقامتها مع الوحدات الكردية، فضلا عن مراعاة موقف دمشق الرافض لها إلا أنها حريصة في الوقت نفسه على عدم الدخول في صدام عسكري مع تركيا، لما يترتب عليه من تداعيات كبيرة على المصالح المتشابكة بين البلدين في سوريا وقضايا أخرى، ولا سيما الصراع في أوكرانيا، حيث لا تزال أنقرة تتبنى نهجا متوازنا في الصراع الروسي الغربي، ولم تنخرط في العقوبات الغربية ضد موسكو، كما أبقت مجالها الجوي مفتوحا أمام روسيا.
وبالنظر إلى أن العمليات العسكرية الأربع التي شنتها تركيا في سوريا منذ عام 2016 لم تحظ بتأييد روسي علني إلا أن موسكو تجنبت استخدام قواتها في سوريا لعرقلة تلك العمليات في آخر عملية تركية واسعة في شرق الفرات قبل 3 سنوات، ولم تدعم روسيا العملية، لكنها أبرمت بعد ذلك اتفاق سوتشي مع تركيا لإيقاف الهجوم عند الجيب الذي تمكن الجيش التركي وفصائل المعارضة من السيطرة عليه بين مدينتي رأس العين وتل أبيض.
وعلى اعتبار أن الجيش الروسي يسيطر على الأجواء السورية في غرب الفرات فإن تأكيد روسيا على عدم رغبتها في مواجهة أي عملية تركية في منطقتي تل رفعت ومنبج يكتسب أهمية كبيرة تفوق أهمية الموقف السياسي المعارض لها، وسيعني أنه سيكون بمقدور الجيش التركي استخدام سلاح الجو لضرب الوحدات الكردية في المنطقتين دون خطر التعرض للاستهداف من قبل منظومات الدفاع الجوي الروسية، لكن ما يجب أخذه بعين والاعتبار -وهو ما ألمحت له موسكو- هو خطر وقوع صدام عسكري بين تركيا من جهة والنظام السوري والقوات الحليفة لإيران من جهة ثانية.
مثل هذا السيناريو حصل بالفعل قبل عامين ويمكن أن يتكرر مجددا، وما يزيد مخاطره أن دمشق وطهران تسعيان بشدة إلى منع تركيا من السيطرة على مزيد من الأراضي بقدر ما أن الحياد العسكري الروسي في أي عملية تركية جديدة سيفيد تركيا إلا أن موقف موسكو لا يزال حيويا في منع تطور الأحداث إلى مواجهة أوسع يصعب احتواؤها وقد تؤدي إلى انهيار كامل لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب.
بعد اتفاق سوتشي في 2019 كانت تل رفعت ومنبج محور مفاوضات مستمرة بين أنقرة وموسكو، وقد تعهدت الأخيرة لتركيا بإخراج الوحدات الكردية منهما مقابل عودتها لسيطرة دمشق، لكن ذلك لم يحصل.
وترى روسيا حاليا أن إعادة إحياء الاتفاق تشكل تسوية محتملة للصراع حول تل رفعت ومنبج، لكن الظروف اليوم تبدو مختلفة عن تلك التي كانت قبل 3 سنوات لـ4 اعتبارات:
أولا: إن العودة إلى تفاهم سوتشي لن تعالج الهواجس التركية بشأن وجود الوحدات الكردية في غرب الفرات.
ثانيا: على اعتبار أن قبول تركيا بسيطرة النظام على المنطقتين سيفتح الباب أمام نقاش بشأن مستقبل المناطق الخاضعة لسيطرتها وعودة النظام إليها فإن أنقرة ليست حاليا بوارد الخوض في هذا النقاش.
ثالثا: مثل هذه التسوية ستعمق بشكل أكبر العلاقة القائمة بين الوحدات الكردية وكل من دمشق وموسكو.
رابعا: يشكل توسيع حدود المناطق الآمنة لإعادة اللاجئين السوريين إليها أحد الأهداف الرئيسية للعملية التركية المحتملة، وبالتالي فإن السيطرة على تل رفعت ومنبج تكتسب أهمية في حسابات أنقرة.
ومنذ أن تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل أكثر وضوحا عن نية العملية العسكرية ثارت الكثير من التساؤلات حول توقيتها ونطاقها الجغرافي، ومع توضيح أنقرة المناطق المستهدفة في العملية المحتملة -وهي تل رفعت ومنبج- لا تزال تتريث في إطلاق الهجوم بهدف تهيئة الأرضية الميدانية والدبلوماسية المناسبة.
إن الصراع التركي مع الوحدات الكردية لا يرتبط فقط بظروف علاقات أنقرة مع موسكو بل مع واشنطن أيضا، لكن حصر العملية المحتملة في مناطق خاضعة للنفوذ الروسي وليس الأميركي يجعل من التفاهم مع روسيا وليس الولايات المتحدة أولوية تركية رئيسية.
وحقيقة أن معظم التفاهمات التي أبرمها البلدان في سوريا قامت على مبدأ المقايضة فإن موسكو ستسعى على الأرجح للحصول على بعض المكاسب مقابل الحد من التكاليف المترتبة على تركيا.
ومؤخرا أقر مسؤولون روس بأن القيود التي فرضتها تركيا على حركة وصول القوات الروسية من وإلى سوريا تسببت بمشاكل لوجستية للجيش الروسي وطالبوها برفع بعضها، ولا سيما إنهاء إغلاق المجال الجوي أمام حركة عبور الطائرات الروسية التي تقل أسلحة وعتادا إلى سوريا.
وفي ظل إصرار أنقرة على تنفيذ عملية عسكرية جديدة فإنه إلى جانب الحياد العسكري ستسعى موسكو إلى رسم خطوط حمراء أمام حدود هذه العملية بحيث لا تتجاوز "أوتستراد إم 4" الدولي بالنظر إلى أهميته الإستراتيجية بالنسبة لدمشق، كما ستضغط على أنقرة لتنفيذ أحكام البروتوكول الإضافي لمذكرة إدلب، والذي ينص على فتح طريق "إم 4" في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، مثل هذه المقايضات المحتملة سيُنظر إليها في أنقرة وموسكو وربما دمشق وطهران على أنها صفقة مربحة للجميع.
لقد أثبتت تجارب التفاهمات التركية الروسية في سوريا قدرة الطرفين على تدوير الزوايا والوصول إلى توافقات مشتركة تلبي مصالح الجانبين، وانطلاقا من ذلك فإن أولويات موسكو حاليا تتركز على عدم إظهار تحدي مصالح أنقرة الأمنية في سوريا ودفعها في المقابل إلى الدخول في مفاوضات مع دمشق حول بعض الترتيبات بخصوص شمال غرب البلاد.
وأخيرا، يشير الغموض البناء الذي تنتهجه روسيا في هذه المسألة إلى أن الشراكة الروسية التركية -التي تتجاوز حدود سوريا- لا تزال تتفوق في تشكيل الموقف الروسي مع أنقرة على أي اعتبارات أخرى.