الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تعيد المعارضة السورية تنظيم صفوفها؟

هل تعيد المعارضة السورية تنظيم صفوفها؟

21.12.2013
د. نقولا زيدان



المستقبل
الجمعة 20/12/2013
سوف يبدو من نافل الكلام التطرق للظروف الدقيقة والتطورات السياسية وبالأخص الديبلوماسية منها التي بدأت ترسم معالم مؤتمر جنيف2 حول الأزمة السورية الوشيك الانعقاد. فالدعوات للمشاركة فيه والتي وجهها "بان كي مون" والأخضر الابراهيمي، علاوة على النظام في دمشق والمعارضة السورية بلغ عددها 30 بلداً. وفي تنازل لافت من قبل المعارضة لم تعلق هذه قط على دعوة النظام الايراني للحضور، في الوقت الذي دعيت المملكة السعودية ليتم بهذه الخطوة الموازنة المقبولة من خلال حضور دولتين ما زالتا رغماً عن الأجواء الايجابية التي أعقبت الاتفاق الفوري الأولي بين ايران والدول الست الكبرى، متباعدتين في المواقف سواء كان ذلك حول الأزمة السورية أو حول قضايا دول الخليج.
إلا أن جملة من الهواجس والعوامل السلبية الباعثة على القلق والعناصر المؤثرة، لا يجوز أن تغيب عن أنظارنا عندما نتساءل حول ماهية أوضاع سوريا التي سوف تكون المادة الوحيدة على طاولة المفاوضات، علينا الآن قراءتها بصدق وموضوعية وشفافية منذ اللحظة الراهنة، ونحن نقترب من نهاية العام الثالث من تاريخ اندلاع الثورة السورية.
إن مكامن الخطر ودواعي القلق لا تتمثل قط في طبيعة النظام الأسدي، ولا بتركيبته الدكتاتورية الفردية ولا بنهجه الفاشي الدموي. فهو سيحضر المؤتمر حاملاً على منكبيه ما يقارب ال150,000 قتيل وعدداً مماثلاً من الجرحى والمعوقين والمرضى، وحوالى 200,000 معتقل وعدداً غير معروف من المفقودين وما لا يقل عن 7 ملايين سوري بين مهجر على أرض سوريا ونازح لاجئ في دول الجوار، هذا ما عدا الخراب والدمار والأضرار والتلف والتصحر الذي لحق بالمحاصيل والمزارع والبساتين والحقول والمزروعات.
ان سوريا التي ستنكب عليها النقاشات والمداخلات والمواجهات الكلامية المتوقعة، سوف تكون أشبه بجثة هامدة. وقد خابت كل الآمال والنوايا الحسنة حول رؤية جدية وفعلية لانسحاب القوات المتعددة الجنسيات التي أرسلها النظام الايراني لنجدة النظام الأسدي المترنح (الحرس الثوري الايراني، لواء أبو الفضل العباس العراقي، ميليشيا حزب الله اللبناني وخليط مخيف من مقاتلين يمنيين وأفغان وروس ومن أتوا حتى من آسيا الوسطى...). والحق أن وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف كان يتلاعب بالأسرة الدولية وبالدول العربية عندما أدلى بتصريحه المعهود الذي لم يتحقق منه شيء قط. لقد غرق النظام الايراني وحلفاؤه في دعمهم النظام في دمشق على كافة الصعد والمستويات، بالمال والسلاح والدعم اللوجستي وبالمقاتلين لدرجة انه أصبح من غير الممكن عملياً على هؤلاء وعليه بالذات الانسحاب هكذا بقدرة قادر. بل قد أطلق هذا النظام مشروع حرب فعلية واقتتال مذهبي فئوي لم يلوث الساحة السورية فحسب بل طاول العديد من بلدان المنطقة ابتداء بلبنان ومروراً بالبحرين والكويت واليمن وانتهاء بكل دول الخليج. انها بقعة الزيت التي تفشت في منطقتنا في جميع الاتجاهات. وقد استفاد نظام الأسد الى أبعد الحدود من هذا الدعم والذي في حقيقته يستند الى الصناعة الحربية الروسية المتطورة ليلعب كل أوراقه المعلنة منها والمبطنة، الماكرة والخبيثة منها بل الدموية المجبولة بأسلحة الدمار الشامل، وبالتعبئة، والتحريض واثارة الأحقاد والخوف الاقلوي على المصير، حتى يظل قابعاً على رأس السلطة في دمشق مهما كانت الأثمان.
أما الجيش السوري النظامي والذي كان قد جرى امداده وتنظيمه وتوزيع قيادة قطعاته وفرقه منذ 40 سنة خلت بطريقة وحبكة فئوية مذهبية مخيفة، تدعمه أجهزة مخابرات وأمن واستطلاع شديدة التعقيد، فقد ضمن ولاءه تحت سيف الريبة والظن والخوف والاعدامات السرية.
فبهذا الحمل المخيف والملطخ بالدماء والمتخم بالضحايا وبسوريا الممزقة أشلاء سيدخل وفده الى قاعة مفاوضات جنيف2.
علينا مصارحة أنفسنا بالحقيقة، ونقيم حساباتنا بدقة واحتراس وصدق مع الذات عندما نتكلم عن المعارضة السورية الذاهبة بدورها الى جنيف. فمنذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة، بدأت الظواهر المثيرة للقلق والخوف لتتسلل الى صفوف المعارضة. وذلك ان المرحلة الأسدية التي رافقت تاريخياً انحسار وتراجع المشروع القومي العربي وضمور وتلاشي أحزابه الوطنية والعلمانية قد سوّت بالأرض كل نية أو عزم أو دينامية لدى الشعب السوري في الاعتراض والرفض للأمر الواقع الذي أمسك بأعناقه. فالنظام الأسدي المذهبي الفئوي الفاسد، وهو النقيض للعلمانية الكاذبة المزورة التي ظل يروّج لها اعلامه المحكم الانغلاق، قد ثارت بوجهه الجماهير ليس رفضاً لعلمانيته الملفقة، ولا ضد دعواته اللفظية لتحرير فلسطين المزعوم بل بالدرجة الأولى طلباً للحرية والانعتاق وحرية التعبير وحقوق الانسان. انه في هذا الاطار وضمن هذا الهم علينا ادراك الظواهر الدينية والدعوات الورعة للاستنجاد بالله، عندما عزّت العزيمة وضعف الحَيل لدى الجماهير السورية التي دجنها وصادرها واسرها ظلام دامس من القمع دام طيلة 40 سنة من السجن الكبير. لقد أودع العلمانيون الصادقون والوطنيون الشرفاء وكل محبي الحرية واطلاق حقوق ابداء الرأي والكتابة والتعبير، السجون والمعتقلات والزنازين.
لقد ظهر الأسد في لعبته المتقنة المحبوكة حبكاً ذكياً، في أعين الاعلام الغربي، بطل مقاومة الارهاب والاسلام التكفيري. وكان الهدف الرئيسي من وراء هذا كله الجيش السوري الحر والمجلس الوطني والائتلاف الوطني السوري. لا بل عمد النظام الأسدي للاستنجاد شمالاً بحزب العمال الكردستاني لاثارة المتاعب على الحدود التركية ثم فيما بعد بالحزب الديموقراطي الكردستاني الانفصالي.
يجب اضعاف وتمزيق الجيش السوري الحر، هذا هو الشعار الحقيقي للنظام الأسدي. ومن أجل تحقيق ذلك لم يكتف بالمقاتلين الايرانيين وحلفائهم، بل قامت أجهزته بالتعاون مع المخابرات الايرانية والعراقية بفبركة "داعش" وتسهيل مرور النصرة" وافساح المجال أمام عناصر القاعدة...
وبالمقابل ما دامت الادارة الأميركية تعج بدعاة اطالة الحرب الأهلية في سوريا وبالثقل الكبير للوبي الاسرائيلي الذي يعتبر ان لا مصلحة لإسرائيل في سقوط النظام الأسدي، راحت واشنطن تتأرجح وتتلكأ في دعم الجيش السوري الحر بالسلاح النوعي لمواجهة النظام بطيرانه الحربي ودباباته وصواريخ "سكود". وتشهد الوقائع الدامغة أن السلاح الوحيد الذي حصل عليه هذا الجيش مصدره حصراً بعض الدول العربية التي ما زالت ترفض الضغوط الأميركية لمنع وصول السلاح الى أيديه.
لسنا في معرض سرد المعارك الخلفية التي قادها الجيش السوري الحر على مختلف الجبهات الخلفية وما وراء خطوط الامداد، وهي كثيرة ولا تحصى. ولسنا في معرض توضيح الأذى المادي والمعنوي الذي لحق بهذا الجيش من جراء أعمال الانتقام والاعدامات أمام الاعلام وقطع الرؤوس التي ارتكبتها هذه المجموعات المخابراتية للنيل من سمعة الجيش السوري الحر وتحريض الأسرة الدولية على المعارضة السورية.
إن جميع الدلائل والقرائن تثبت أن لنظام الأسد وأجهزته نصيبا كبيرا في التحريض والتشجيع على ارتكاب هذه الأعمال المشينة التي تمارسها هذه المجموعات المشبوهة التي راوحت بين فرض القوانين السلفية السوداء على المواطنين العاديين من أنصار الثورة (سجن دير الزور) والتنكيل بالأقليات الدينية والاثنية (حادثة المطرانين، راهبات معلولا، العلاقات المتوترة على الدوام مع الأكراد). ان هؤلاء في ممارساتهم البشعة هم الخدم الأوفياء لنظام بشار الأسد، وهذه المجموعات إما من صناعته أو تتوافق معه في الأهداف والغايات التي لا ترمي في حقيقة الأمر سوى لضرب الجيش السوري الحر ومحاصرته وعزله ما أمكنها ذلك.
إن الاعداد والاستعداد بكفاءة وأهلية وجهوزية عالية لحضور جنيف2 يتطلب من الجيش السوري الحر انتفاضة داخلية من شأنها اعادة "تثوير" وضعه الداخلي باللجوء الى تدابير حازمة وصارمة حيال العابثين والمغامرين والمتسببين سواء من كانوا في صفوفه أو تلك المجموعات التي يفبركها النظام أو يتواطأ معها لزعزعة القوى الثورية حتى تصل لاهثة منهكة مبعثرة الى جنيف2.
إذا كان الجيش السوري الحر ما زال متمسكاً بموقفه بعدم حضوره المؤتمر العتيد، فإن تمثيله في وضع المعارضة هناك سيعطي الوفد زخماً ودفعاً قوياً، ذلك اننا نعتقد انه من الخطأ في حروب التحرير تكريس مقولة الفصل ما بين ما هو سياسي وما هو عسكري.
إن الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب السوري المعذب المقهور والذي سطر بطولات ستتناقلها الأجيال كمفخرة وعلامة مضيئة في تاريخنا الحديث، تنتظر الكثير من المعارضة الثورية السورية.
فلنعد العدة ولنكن جاهزين.