الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تقسيم سوريا ممكن؟

هل تقسيم سوريا ممكن؟

03.08.2013
فايز سارة

المستقبل
السبت 3/8/2013
حافظت سوريا منذ تشكل كيانها السياسي في اعقاب الحرب العالمية الاولى على كيانها الوطني بصورة مستمرة، ووقفت موحدة في مواجهة تحديات الانقسام التي فرضتها عوامل داخلية واخرى خارجية، وكان الابرز في تحدياتها الداخلية، تنوع سكانها، وتوزعهم على اصول قومية بينهم عرب واكراد واشوريون وسريان وارمن، اضافة الى تنوع الانتماءات الدينية، حيث بينهم مسلمون ومسيحيون ويهود وكان لكل واحدة من التشكيلات الدينية طوائف ومذاهب، وقد رغبت اغلبية السوريين بالبقاء في كيان موحد رغم ذلك التنوع والتعدد، وبهذا تجاوز السوريون عوامل الانقسام الداخلي، وكانت تلك الارادة بين العوامل الاهم التي واجهت عوامل وضغوط الانقسام الخارجي، وكان ابرزها واهمها قيام الانتداب الفرنسي في عشرينات القرن الماضي بمحاولة تقسيم البلاد الى خمس دول ذات انتماء طائفي مناطقي، افشلتها ارادة السوريين بالبقاء كياناً موحداً، ثم جاءت محاولات خارجية من دول الجوار باقتطاع اجزاء من سوريا والحاقها بتلك الدول، وقد فشلت باستثناء قيام تركيا بمشاركة فرنسية وتواطؤ دولي بالحاق لواء الاسكندرون بتركيا وسط ظروف سورية واقليمية ودولية معقدة.
ولئن حافظت سوريا على وحدتها الكيانية في العقود التالية، فان محاولات تقسيم سوريا والاستيلاء على اراض منها تواصلت وخاصة من جانب اسرائيل، التي استغلت ترديات السياسة السورية في عهد البعث، فاستولت على الجولان عام 1967 في حرب احاطت بها الالتباسات، قبل ان تكشف عن خطة استراتيجية هدفها تقسيم سوريا الى دول متصارعة في اطار استراتيجية عامة هدفها تقسيم المنطقة الى كيانات دينية وطائفية ومناطقية متناقضة حسب خطة عوديد عينون المشهورة التي كشفتها الصحافة الاسرائيلية ونشرت تفاصيلها في العام 1982.
غير ان صمود السوريين في مواجهة عمليات وخطط تقسيم كيانهم الوطني، صار اضعف بفعل دخول النظام على خط التقسيم، وهو جزء من سياسة النظام في مواجهة ثورة السوريين التي اندلعت ضده في آذار من العام 2011. اذ انه وبالاضافة الى العنف المفرط الذي قابل فيه المتظاهرين والمحتجين وحواضنهم الاجتماعية، فقد اتجه الى ممارسة سياسة تصعيد التجاذبات الدينية والطائفية والقومية بتحريض البعض على البعض الآخر، واتبع سياسات عملية لرفع حدة تلك التجاذبات.
ان الابرز في سياسة تصعيد التجاذبات محاولة النظام تصوير ثورة السوريين على انها ثورة الاسلاميين السنة والمتطرفين منهم بصورة خاصة، وان هدف الثورة هو اقامة دولة اسلامية متشددة محكومة بعقيدتهم، ولا مكان فيها لغيرهم، واعطى بالمقابل نفسه صفة النظام العلماني الحامي للاقليات والمدافع عنها، واستناداً الى هذه السياسة مارس النظام كل ما يخدم سياسته، حيث استباح مناطق "الاكثرية" قتلاً وتدميراً حتى لو كانت تضم بعضاً من "اقليات" يدعي حمايتها، وقام بحماية وتنظيم وتسليح مناطق "الاقليات" ولو ضمت قلة من "الاكثرية" يمارس سلوكاً مناهضاً لها.
لقد انطلقت ثورة السوريين، واستمرت اشهراً موحدة في ادواتها وفعالياتها، التي شارك فيها سوريون من كل الانتماءات، رافعين شعاراتها المؤكدة على وحدة السوريين وبلادهم وعلى هدفها في اقامة نظام ديموقراطي بديل، يوفر الحرية والعدالة والمساواة، عبر نهج سلمي تجسده التظاهرات والاعتصامات وصولاً الى الاضرابات والعصيان المدني. غير ان عمليات القمع الوحشي وعمليات التدمير الواسع مترافقة مع التجييش والتحريض ضد الثورة، غذت الميول البسيطة للثائرين بالتصدي المسلح لآلة النظام، وتبني سياسة الدفاع عن النفس (وهي حق تقره كل الشرائع الدينية والقوانين الوضعية) مما وفر للنظام اساسا ماديا، يركن اليه في الحديث عن جماعات مسلحة وارهابية.
واستناداً الى ذلك صاغ النظام استراتيجيته في التصدي للثورة عبر ثلاثة خطوط سياسية، الخط الاول، يقوم على التصعيد في سياسته الدموية قتلاً واعتقالاً وتشريداً لاغلبية السوريين، وتدميراً لممتلكاتهم وموارد عيشهم مما يدفعهم للذهاب نحو الدخول معه في مواجهة مسلحة خاسرة في اكثر نتائجها وفق موازين القوى القائمة حالياً. والخط الثاني، خلق اطر تنظيمية مسلحة، وتعزيز توجهات وسياسات جماعات التطرف من أي جهة جاءت، سواء من خلال تدخل مباشر، او بصورة غير مباشرة لان تلك الاطر والجماعات، توفر له خدمات سياسية وامنية كبيرة، بل ان النظام في هذا الجانب، لم يطلق قادة وعناصر جماعات التطرف الذين كانوا معتقلين في سجونه وفي اقبية مؤسساته الامنية فقط، وانما اطلق سجناء جنائيين سعياً منه لقيام كل منهم بتشكيل تنظيمات عنفية، يمكن ان تتلطى خلف اية واجهة ترغب فيها دون ان يمنعها من ذلك مانع سياسي او قانوني أو اخلاقي نتيجة الظروف السائدة في معظم انحاء البلاد، والخط الثالث، يمثله قيام النظام بتوفير غطاء سياسي لتقسيم سوريا من خلال عمليات الفرز السكاني، والتي اتخذت طابعاً سياسياً في بعض الاحيان، وطابعاً طائفياً اقلوياً في احيان اخرى، الامر الذي عزز توجهات في اكثر من موقع نحو اقامة كيانات، تنتمي الى ما قبل الكيان الوطني.
ان مشروعات تقسيم الدولة السورية التي يجري طرحها، استندت في تنامي التوجه اليها الى استراتيجية النظام وتجسيداتها العملية.وبالاستناد الى محتويات تلك الاستراتيجية، ظهرت التوجهات التقسيمية لدى جماعات التطرف الديني والقومي ومنها مشروعات جبهة النصرة او الدولة الاسلامية في الشام والعراق في المناطق التي تتواجد فيها، ويصنف في السياق ذاته مشروع الكيان الكردي في شمال وشمال شرق سوريا الذي تطرحه بعض التنظيمات الكردية التي لها ميليشيات منظمة منها وحدات حماية الشعب الكردي، وفق خريطة جرى نشرها مؤخراً، ولعل الصراع العسكري القائم بين بعض الجماعات الدينية المتطرفة والاخرى القومية الكردية هو احد تعبيرات الصراع على مشروعات تقسيمية لبعض المناطق السورية (وثمة تعبيرات اخرى غيرها).
غير انه وبالرغم من تصاعد الحديث عن مشروعات لكيانات دينية وقومية، تمثل نهجاً تقسيمياً للكيان السوري، فان من الصعب القول، ان تلك المشروعات تملك في المرحلة الحالية شروط تحقق او نجاح، نتيجة عوامل داخلية وخارجية لا تساعد في تحقيق اية مشروعات تقسيمية، لكن تلك المشروعات تلعب الان دوراً في اطالة امد الازمة وتعميم الصراع الاهلي، وهو ما يفيد النظام ويؤجل انتصار ثورة السوريين، التي مازالت اغلبيتهم خلف مشروع لنظام ديمقراطي، يقيم العدالة والمساواة لكل السوريين، وهو ما لا يستطيع أي مشروع تقسيمي لسوريا ان يحققه.