الرئيسة \  مشاركات  \  هل تكون آخر معارك حسن نصر الله هي في سورية؟

هل تكون آخر معارك حسن نصر الله هي في سورية؟

07.05.2013
الطاهر إبراهيم


لم يأت خطاب حسن نصر الله الأخير بشيء جديد لا يعرفه السوريون واللبنانيون، عندما قال الثلاثاء 30 نيسان 2013 الماضي: "إن لدمشق أصدقاء لن يسمحوا بسقوطها". كما ألمح إلى إمكانية تدخل حزبه وإيران في المواجهات الميدانية في حال تطور الأمور على الأرض. بل حاول أن يقلب الحقائق التي يعرفها السوريون وغيرهم عندما أردف: إن لسورية "أصدقاء حقيقيين في المنطقة والعالم، لن يسمحوا لها أن تسقط بيد أميركا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية". وهو هنا يقصد الجماعات الإسلامية.
نستعجل لنقول أن دمشق التي لن تسقط هي دمشق الشام، دمشق معاوية بن أبي سفيان،دمشق يوسف العظمة، وليست دمشق حافظ أسد وبشار أسد اللذين اغتصبا فيها الحكم على مدى 40 عاما،فنكلا بأهلها واعتقلا أشرافها وصادرا حرياتهم. (ثم لم يستطع حافظ أسد أن يحافظ على تراب سورية، فباع الجولان وسلمها لإسرائيل في حرب حزيران عام 1967. كما انهزم في حرب رمضان عام 1973، وخسر فيها أكثر من 40 قرية. وها هو بشار توجه له إسرائيل الصفعة تلو الصفعة، ويزعم أنه سيرد في الوقت المناسب، فلا يرد. وهاهي إسرائيل تقصف الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري حول قصره ليلة 4 – 5 أيار 2013، تدمر وتقتل، فيدير بشار لها خده الأيسر. عاشت المقاومة وعاشت الممانعة).    
ونتساءل عن هذه الخلطة العجيبة التي جمع فيها نصر الله بين أمريكا وإسرائيل و"الجماعات الإسلامية" في سلة الذين يحاولون إسقاط حكم بشار أسد، لنؤكد أنه جمع معكوس. فالجميع يعرف أن إدارة "أوباما" كانت قد غيرت اتجاه موقفها 180درجة، عندما انقلبت على نفسها: من إدارة تطالب بشار أسد بالرحيل إلى إدارة تسعى، باعتماد وثيقة "جنيف"، لجلوس بشار أسد مع المعارضة السورية حول طاولة واحدة للتفاوض لأجل تشكيل حكومة انتقالية، قد لا تختلف هذه الحكومة كثيرا عن حكومة نظام بشار أسد، وذلك خضوعا من واشنطن لرغبات إسرائيل التي تريد منها أن تدعم بقاء نظام بشار أسد لأربعة عقود أخرى، وقد نعمت بالهدوء على طرفي الحدود بما لم تنعم به حدودها مع أي دولة عربية أخرى.
لا يهمنا كسوريين، أن نبحث في كنه الرسائل التي أراد حسن نصر الله توجيهها، ولا إلى من أراد إرسالها، فهو لم يكن غامضا عند السوريين، ليس من بدء ثورة الحرية والكرامة في 15 آذار، بل ومنذ مجيء بشار أسد إلى السلطة في تموز 2010، عندما اصطحب نصر الله ثلة من عسكره ليقوموا بألعاب بهلوانية بلباسهم الأسود في القرداحة على قبر حافظ. وكأنه أراد أن يقول له: لا تخف يا بشار نحن معك في كل الموبقات التي ستجرها على الشعب السوري.
مع ذلك فلا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن خطاب نصر الله كان موجها أكثر إلى الداخل اللبناني وإلى أتباعه في الضاحية الجنوبية. وكأنه يريد أن يكتم الهمس الذي يتهامس به بعض الشيعة في لبنان الذين يتساءلون عن شرعية قتاله في سورية، وهم يعرفون أن "الحزب" لا يقاتل هناك ضد إسرائيل، بل يقف في الصف الذي تؤيده إسرائيل، أي في صف بشار أسد.
نصر الله عندما قال "إن كلامه هذا يأتي من موقع المعلومات والمتابعة التفصيلية وليس من موقع الأماني والتحليلات"، متهما بذلك المعارضة السورية، كان يستجدي الشيعة في لبنان، وربما شيعة العراق للاصطفاف معه في معركته في سورية، بعد أن زج بكل قوى حزب الله في معركته تلك. ليس هذا فحسب. فعندما خاطب الجيش الحر بأن "من تقاتلونهم هم الجيش السوري والقوات الشعبية الموالية للنظام"، كان يفتري. لأنه يعرف أن بشار أسد لم يبق لديه مقاتلون داخل الجيش النظامي. فقد أشارت تقارير أعدها خبراء في مراكز أبحاث غربية أن عدد القتلى وصل إلى 50 ألفا في صفوف العسكر "العلويين" من الجيش النظامي. عدا عمن قتل من الشبيحة. ففي قرى العلويين، خاصة في محافظة طرطوس، حيث تكثر المطارات، كان الناس يتشاءمون بأصوات محركات طائرات الهيلوكبتر التي تهبط ليلا. فهم يعرفون أنها تأتي محملة بالقتلى وتأخذ معها شبيحة آخرين للقتال، فلا يعودون إلا في التوابيت.
وإذا كان نصر الله ألمح إلى تدخل إيران فقال: "إذا كان هذا هو واقع الحال حتى الآن، فكيف إذا تدحرجت الأمور في المستقبل إلى ما هو أخطر، مما قد يضطر دولا أو قوى وحركات مقاومة إلى تدخل فعلي في المواجهة الميدانية في سوريا"؟ فإن العالم كله يعرف، وخصوصا السوريين، أن إيران أرسلت منذ الأيام الأولى للثورة آلاف "القناصين" ليقنصوا المتظاهرين. لماذا القناصون؟ لأنه يمكن إخفاؤهم فوق الأبنية، فلا يقعون أسرى فيفتضح أمر تدخل إيران.
ما لا يريد نصر الله أن يعرفه، أنه رغم الصعوبات التي تواجه الجيش الحر، فإن هذا الجيش مصمم على الذهاب إلى آخر المشوار في تحرير سورية من أتباع نصر الله وجنود طهران . وإن مصير بشار أسد لن يكون أفضل من مصير القذافي.ولن يقف الأمر عند تحرير سورية، فإن المعركة في سورية ستكون آخر معارك حسن نصر الله، وربما ينفرط بعدها عقد حزبه. وأن ما راهن عليه نصر الله وغيره من وقوع الخلاف بين جبهة النصرة وأخواتها وبين فصائل أخرى في الجيش الحر بسبب إعلان قائد جبهة النصرة "أبو محمد الجولاني" مبايعته "أيمن الظواهري" قبل شهر من الآن، فإن هذه البيعة لم يكن لها تأثير في جبهات القتال. فما تزال جبهة النصرة تقاتل في كل المواقع جنبا إلى جنب مع فصائل الجيش الحر، وأنها أبلت بلاء حسنا في مقاومة حزب نصر الله في جبهة "القصير" قريبا من الحدود اللبنانية.   
ننوه هنا بأن إعلان نصر الله، على رؤوس الأشهاد، وقوف طهران بما لديها من أموال ونفط وسلاح وعسكر إلى جانب بشار في المعركة السورية، فينبغي أن يدفع هذا الإعلان حكومات تقوم بتسليح الجيش السوري الحر سرا -على خوف من واشنطن وملئها- بأن تزيد هذه الدول دعمها،خاصة في شراء الأسلحة النوعية التي تسقط طائرات بشار أسد فلا تغير على الآمنين فتدمر بيوتهم وتتركهم في العراء، أو يهيمون على وجوههم في دول الجوار.
يبقى أن نقول أن "باراك أوباما" هو الآن شبه محرج. فقد رأينا أن معظم مساعديه في إدارته السابقة كانوا مع تسليح الجيش الحر. وسمعنا كثيرا من أعضاء الكونجرس بمجلسيه ،النواب والشيوخ، كانوا يحضون "أوباما" على تسليح الجيش الحر، خصوصا بعد تسريب معلومات استخباراتية عن استعمال جيش بشار أسد السلاح الكيماوي في خان العسل قرب حلب وفي العتيبة قرب دمشق. وأوباما متخوف الآن من استيلاء حزب الله على مخزون تلك الأسلحة الكيماوية. لكن في نفس الوقت فإن إسرائيل ما تزال متمسكة ببقاء بشار أسد في السلطة. وهكذا أصبح موقف "باراك أوباما" من رحيل بشار أسد كما يقول المثل السوري: "عيني فيه وتفو عليه".  
*كاتب سوري