الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تكون الطائفية الثقب الأسود لثورات الربيع العربي؟

هل تكون الطائفية الثقب الأسود لثورات الربيع العربي؟

31.12.2013
مازن كم الماز


القدس العربي
30/12/2013
ليست الطائفية فقط أحد أهم أشكال التعبير الهرمي أو السلطوي عن اللاعقلانية، هي أيضا آلية، قد تبدو متخلفة للبعض لكنها فعالة جدا، للسيطرة على البشر، على الأفراد .. صعود الطائفية اليوم تحكمه عوامل مختلفة، سقوط السرديات الأخرى، سقوط الأحلام الكبرى، والأزمة العميقة للنظام القائم، ليس صعود الطائفية مؤامرة على السرديات الكبرى المتبقية المرض الجدي الذي أصاب هذه السرديات لا علاقة له بالطائفية، ربما يكون الوضع مقلوبا، أن صعود الطائفية هو عرض من أعراض هذا المرض، وقد يكون أيضا علامة على مرض أعمق، مرض أدى إلى أن كل تلك السرديات على ما بينها من خلاف أو تناقض معلن قد أعادت دائما إنتاج القمع ومؤسساته بأشكال مختلفة، تارة ‘جديدة’ وأخرى ‘مكررة’ أو ‘ماضوية’ .. يجري التركيز عادة على ‘العداء للآخر’ في نقد أطروحات الطائفية، لكن الأهم في الطائفية هي أنها أداة لسحق فردانية كل عضو في الطائفة، لمسخه وتحويله إلى ‘دمية’ ( شكل آخر من الدمية السياسية كما يعرف فوكو إنسان المجتمعات القائمة على الهيمنة ) .. خلافا لبعض المنظومات القمعية السابقة قد تتمتع أنظمة المحاصصة الطائفية وحروبها ( حروب التطهير الطائفي) بقابلية عالية لإعادة إنتاج نفسها ، و الاستمرار بزخم عالي لفترة طويلة لأنها تستخدم آليات قمع أقل مباشرة وأكثر ‘قبولا’ من ضحاياها ‘.. لا تشكل هذه الطائفية ولا ترجمتها السياسية في أنظمة المحاصصة الطائفية محاولة لحل القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية الكبرى ولا يمكن
أن تكون حاملة لمثل هذه الحلول، على العكس، وهي تشبه الديمقراطية في هذا الصدد، إنها ليست حلا لأي من تلك المشاكل أو سواها، و لا حتى محاولة حلها، إنها مثل الديمقراطية وسيلة لأزمنة تلك المشاكل (جعلها مزمنة)، لفرض واقع أنها عصية على الحل، ولاحتواء مخاطرها على نفس النظام الذي ينتجها، لتكريس تهميش كل ما هو خارج السائد والنظام القائم ومحاولة تقييده .. حتى في مواجهتها مع الاستبداد، لا يوجد ما هو تحرري فعلا في طائفية الطائفة المقهورة أكثر من كونها خصما لاستبداد ما، وهي ستؤدي في الواقع ليس فقط إلى إعادة إنتاج التمييز والكراهية الطائفيين وتكريس تنميط ونمذجة وتصنيف البشر الخ، بل أيضا إلى تكريس التبعية والهيمنة داخل صفوف الطائفة نفسها، في الواقع ليست طائفية الطائفة المقهورة إلا صورة عن طائفية الطائفة القاهرة.
في محاضرته الأخيرة في القاهرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بدا تشومسكي ‘متشائلا’، تحدث عن احتمالات بدء عصور ظلام جديدة ، تهيمن عليها منظومة قهر وقمع قادرة على قمع مقاومة واستقلالية ‘أتباعها’، كان تشومسكي يقصد الفاشية العسكرية )وتفريعاتها ‘الوطنية’) بكلامه، لكن صعود الطائفية يكمل الجزء القاتم من الصورة، فالفاشية هي نفسها في كل حالاتها، ذلك الظل القاتم يكبر تدريجيا للأسف على حساب كل ما هو نقدي، تحرري ومقاوم.