الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تنتهي الثورة السورية في جنيف؟

هل تنتهي الثورة السورية في جنيف؟

05.10.2013
د. رياض نعسان أغا


الاتحاد
الجمعة 4/10/2013
السوريون قلقون، يشعرون بأن مقود عربة المستقبل لم يعد بأيديهم، بل لم يعد حتى للعرب موقع فيه، وتعصف الريبة والشكوك بالقلوب التي غصت بالفواجع والأحزان ولاسيما بعد أن صدر قرار مجلس الأمن مختصراً القضية السورية في الأسلحة الكيماوية، متجاهلاً ترقب ملايين الأطفال النازحين والمشردين في العراء، والشتاء على الأبواب والبرد قاتل مثل كل الأسلحة التقليدية، وليس أقل منه تدميراً لمستقبل الشعب تفشي الأمية عند جيل كامل من أطفال السوريين وهو خطر يكبر بعد هدم آلاف المدارس وتحول الباقي إلى مقرات للشبيحة، فضلاً عن ظروف النزوح القاهرة، وعن معاناة المشردين في البحث المذل عن تجديد جواز سفر، وعن تأشيرة لجوء أو دخول لبلد آمن، وعن موارد رزق في بلاد الشتات. وفوق ذلك معاناة المرضى والمعوقين والمفقودين والمعتقلين، وقبلها مآسي الأسر التي تموت تحت الأنقاض، وهذا بعض ما غاب عن قرار مجلس الأمن الذي اهتم فقط بالأسلحة الكيماوية وتدميرها، وكأن الثورة السورية قامت من أجل أن يسلم النظام أسلحته ويطمئن إسرائيل بأن ما يقلقها وربما يشكل خطراً عليها إذا وقع ذات يوم بيد أعدائها الحقيقيين قد انتهى. والأخطر في القرار أنه صمت عن قتل السوريين بالصواريخ والطائرات وكل أنواع القتل التقليدية التي اكتسبت شرعية، لأنه اعتبرها دون الخط الأحمر.
ومع أنني كنت من الذين عبروا عن رفضهم للضربة الأميركية وقد خشيت أن تكون الولايات المتحدة جادة في ضرب سوريا وإنهاء قواها كاملة، كي تطمئن إسرائيل تماماً بهدم دولتين عربيتين هما العراق وسوريا، وكان من المتوقع أيضاً أن تنصب الضربة على الكتائب المقاتلة تحت يافطات دينية ورايات إسلامية، مع أن جلها بسيط التوجه، يلجأ إلى الدين بشكل عفوي ينبع من إيمانه الذي يجعل الموت شهادة ويجعل الجنة عزاء. وكثير من الشباب الذين انخرطوا في هذه التشكيلات ليسوا من أصحاب الإيديولوجيات ولا هم رواد سياسة، وإنما هم مفجوعون بما لقوا من عنف في أثناء المظاهرات السلمية واضطرهم الحل العسكري إلى حمل ما تيسر لهم من سلاح ليدافعوا عن أهلهم وعن قراهم التي تقصف بشكل عشوائي. ولم يجدوا سوى الاستعانة بالله، وبات شعارهم الذي يرددونه «يا الله ما لنا غيرك» لجوءاً عفوياً إلى الدين. وليس سراً أن النظام عمد إلى تقديم صور مشوهة للتوجه الديني، وحرك التوجهات الطائفية، وأطلق لحى الشبيحة وألبسهم جلابيات «طالبان» وصاروا يكبّرون ويقتلون باسم الدين والثورة، وانفتح الباب للمتطرفين من كل صوب، وقد نجحوا في تحويل الثورة إلى ساحة إرهاب وتطرف، وصار بوسع النظام أن يقول «إما أنا وإما هؤلاء».
واليوم تنكشف حقيقة المؤامرة الكونية، ويقف كثير من قادة العالم عراة أمام الشعب السوري، وتنفضح المؤامرة الكبرى على الشعب السوري وعلى سوريا الدولة والوطن وليس على النظام، والخوف بعد ذلك أن تأتي مفاوضات جنيف مجرد إغواء محتمل بجوائز ترضية لا تحل مشكلة ولا تعالج قضية.
وإذا كان هدف الداعين إلى المؤتمر هو فرض حلول جاهزة صنعت في روسيا وإيران ووافقت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المأساة السورية ستبقى جرحاً مفتوحاً لعقود قادمة.
لقد بدا مريعاً أن يستبعد العرب بل أن تستبعد أوروبا أيضاً، وأن تسلم القضية للروس وللفرس وحدهم، وأن يتم إرضاء الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل، وعبر ثمن ربما يقدمه الإيرانيون على شاكلة ما قدم النظام السوري، فتهدأ مخاوف إسرائيل من النووي الإيراني كما هدأت من الكيماوي السوري، وبالمقابل تبسط إيران نفوذها على سوريا ولبنان كما بسطتها من قبل على العراق، ضامنة لأمن إسرائيل، باحثة عن صداقة تستجد مع الولايات المتحدة، وقد بدأت تباشير الغزل السياسي بين الرئيسين الأميركي والإيراني، موحية بما يمكن أن يصير واقعاً.
وليت النظام يدرك أن سوريا مقبلة على دمار شامل لن تسلم منه طائفة ولا إثنية، حتى ولو جاءت مقترحات حلول بالتقسيم على طريقة حلول قضية البوسنة، فربما يكف دهاقنة الدبلوماسية فيه عن إبداء البراعة والشطارة بدل الإخلاص والاعتراف بخطر المستقبل، وبالطبع لا تملك المعارضة فنون النظام في البراعة الدبلوماسية، وقد بدأ ظهورها منذ الإعلان عن رفض حضور وفد من الائتلاف، وعن الاكتفاء بالحوار مع معارضة الداخل فقط. وقد يكون المقصود المعارضة الممثلة في الحكومة الراهنة. ومثل هذا التفكير لا يعبر عن رغبة جادة في إيجاد حل للقضية السورية، وإنما هو يبحث عن حل لمشكلة النظام، وشتان بين من همه أن ينقذ سوريا، ومن همه أن ينقذ النظام.
كما أن الإصرار على تشكيل عدة وفود من المعارضة يخطط للاستفادة من تمزقها ومن شتاتها، ولو كانت النية الدولية صافية وصارمة نحو إيجاد حل ناجع، لسعى المجتمع الدولي لتوحيد صفوف المعارضة التي شتتها أصلاً تنوع الولاءات بتنوع مصادر الدعم الذي كان ينبغي أن يصب في صندوق واحد، وتتولى جهة واحدة توزيعه في خدمة الشعب وقضيته، دون إدخال المصالح والولاءات الصغيرة.
وقد يبدو مبكراً أن نعلن اليأس من مؤتمر جنيف، قبل أن تعلن الدول الراعية قبولها بالمحددات التي تشكل الحد المقبول من شروط التفاوض، ويأتي القول برفض الشروط تعمية مرفوضة أيضاً، فلابد من أن يعرف الذاهبون إلى المؤتمر على أي حل سيتفاوضون، ولابد أن تكون هناك لائحة نوايا معلنة، تشكل عناوين مقبولة، وأهمها إنهاء النظام القائم وإيجاد نظام وطني تعددي ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة، ويكون فيه السوريون جميعاً متساوين أمام القانون، وأن يتوقف القتل والقصف والتدمير دون إعفاء المجرمين من الملاحقة. وأن يطلق سراح المعتقلين السياسيين، وأن يبدأ العمل الفوري لإعادة المهجرين واللاجئين والنازحين والمشردين مع تقديم وسائل الحياة الضرورية للمناطق المنكوبة. وأن يعاد بناء الجيش الوطني للدفاع عن الوطن وليس عن أنظمة الحكم، وأن يبدأ حوار وطني مع الجهات المسلحة تفادياً لأي اقتتال متوقع. وأن يغادر المقاتلون الأجانب سوريا فوراً، وأخطرهم جيش «حزب الله» وما يقابله من تنظيمات متطرفة تحسب على أهل السنة. وأن تتعهد روسيا وإيران بإنهاء سيطرتهما على القرار السوري. ولابد من أن يكون للدول العربية دور رئيسي في المؤتمر، وبخاصة الدول التي قدمت الكثير للشعب السوري في محنته. ونرجو أن تكون هي الضامنة مع السوريين لحقوقهم ومطالبهم المشروعة، فالحفاظ على أمن سوريا واستقرار مستقبلها هو حفاظ على أمن العرب جميعاً.