الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تنجح إيران حيث فشل النظام السوري؟

هل تنجح إيران حيث فشل النظام السوري؟

19.11.2013
خيرالله خيرالله
المستقبل


المستقبل
الاثنين 18/11/2013
من يزور لبنان هذه الايّام، يكتشف أنّ الصيغة اللبنانية أقوى بكثير مما يعتقد. لكنّه يكتشف في الوقت ذاته أنّ المحاولات الهادفة الى تدمير لبنان والصيغة مستمرّة بشكل يومي. الهدف من تدمير الاثنين، عن طريق السلاح غير الشرعي ونشر البؤس، واضح كلّ الوضوح ويصبّ في الانتهاء من اتفاق الطائف الذي في أساسه المناصفة بين المسيحيين والمسلمين بغض النظر عن العدد.
قد يكون التعبير الاوّل عن الرغبة في الانتهاء من اتفاق الطائف يتمثّل في منع الرئيس المكلف تمّام سلام من تشكيل حكومة لبنانية على الرغم من حصوله على تأييد مئة وأربعة وعشرين نائبا من أصل مئة وثمانية وعشرين في الاستشارات النيابية التي أجراها رئيس الجمهورية في نيسان (أبريل) الماضي. جاءت الاستشارات بعد اضطرار الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة "حزب الله"، الى تقديم استقالة حكومته.
بتضحيته بحكومة ميقاتي، أكّد الحزب، وهو ميليشيا مذهبية مشكلة من عناصر لبنانية تعتبر لواء في "الحرس الثوري" الايراني، أنّ هناك ما هو أهم من الحكومة بالنسبة اليه. انّه يريد أيضا الامساك بكل مفاصل الدولة، خصوصا الاجهزة الامنية فيها تمهيدا للانقلاب الكبير الذي بدأه النظام السوري والذي يستكمله النظام الايراني. هل ينجح الايراني حيث فشل السوري الذي اضطر في نهاية المطاف الى الانسحاب عسكريا وأمنيا من لبنان، تاركا لايران ملء الفراغ الذي خلّفه انسحابه؟
كان "حزب الله" على علم تام بأن رئيس الوزراء، وهو سنّي من طرابلس، لا يستطيع تحمّل عدم التمديد لسنّي آخر، من طرابلس أيضا، في موقع المدير العام لقوى الامن الداخلي. فضّل التضحية بحكومته على بقاء اللواء أشرف ريفي في موقع المدير العام لقوى الامن الداخلي التي لديها جهاز أمني في غاية الاهمّية استطاع كشف شبكات تجسس اسرائيلية كما استطاع ان يكون العين الساهرة على لبنان. فضلا عن ذلك، استطاع فرع المعلومات الاضاءة على الاهداف الحقيقية لنشاطات "حزب الله" الذي تتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مجموعة من أفراده بالمشاركة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وجرائم أخرى طاولت اللبنانيين الشرفاء.
تعتمد ايران في لبنان سياسة تقوم على النفس الطويل. تخلّصت من المدير العام لقوى الامن الداخلي بسبب انتمائه الى مؤسسة اسمها الدولة اللبنانية، وراحت تركّز بعد ذلك على منع تشكيل الحكومة مؤكدة أن هناك قواعد سياسية جديدة في لبنان لا علاقة لها بالاصول الدستورية المعتمدة ومبدأ الفصل بين السلطات. صار مطلوبا بكلّ بساطة أن يكون "حزب الله" شريكا في تشكيل الحكومة اللبنانية، أي حكومة لبنانية.
بكلام أوضح، صار مطلوبا أن تحصل أي حكومة لبنانية على ضوء أخضر من طهران كي تبصر النور. اذا لم يحصل ذلك، فانّ سلاح "حزب الله" على استعداد للنزول الى الشارع مجددا بطريقة أو بأخرى كي يبقى الفراغ سيّد الموقف في لبنان...أي كي يبقى البلد بلا حكومة.
في مثل هذا الشهر، قبل أربعة وعشرين عاما، في يوم عيد الاستقلال في الثاني والعشرين من تشرين الثاني- نوفمبر 1989، أغتيل الرئيس رينيه معوّض. كان رينيه معوّض أول رئيس منتحب للجمهورية اللبنانية بعد اتفاق الطائف. لكنّ تمرّد الجنرال ميشال عون على الدولة ومؤسساتها، خدمة للنظام السوري أوّلا وأخيرا، منعه من دخول القصر الرئاسي في بعبدا.
كان الرجل، الذي فُجّر موكبه في منطقة يسيطر عليها الامن السوري سيطرة كاملة، خير رمز لما يمكن أن يكون عليه لبنان المزدهر الساعي الى استعادة عافيته بعد سنوات طويلة من الحروب الداخلية والاقتتال بين الطوائف بمشاركة سورية وفلسطينية في كلّ حين. الاهمّ من ذلك كلّه، أن رينيه معوّض كان يحظى بدعم دولي وعربي. لم يكن أداة سورية. ولذلك كان قتله بمثابة ضربة أولى يسددها النظام في دمشق لاتفاق الطائف الذي أراد تنفيذه على طريقته. كان يريد الطائف طائفا سوريا ولا شيء غير ذلك!
كان النظام السوري يرفض الطائف في العمق. لكنه لم يعلن ذلك صراحة. كان رفيق الحريري يدرك ذلك. كان يمرّر عبارة "اتفاق الطائف" بحذر في البيانات الوزارية لحكوماته. اعتمد في هذا المجال طريقة لبقة تفاديا لاستفزاز النظام السوري الذي لم يدرك ولن يدرك يوما أن الصيغة اللبنانية هي في الاصل أكثر صلابة من الصيغة التي تحكّمت بسوريا منذ قيام النظام الحالي فيها.
تأتي ايران حاليا لتعلن عن طريق بعض الناطقين باسمها وباسم اداتها المسماة "حزب الله" أنّ ثمة موازين جديدة للقوى في لبنان. هذه الموازين مختلفة كلّيا عن تلك التي كانت سائدة لدى التوصّل الى اتفاق الطائف. وهذا يعني في طبيعة الحال أن هناك حاجة الى صيغة جديدة للبنان. عبّر عن هذه الحاجة الى تغييرالنظام، أي الى الغاء الطائف، الامين العام لـ"حزب الله" عندما طرح فكرة "المؤتمر التأسيسي".
مرّة أخرى. هل تنجح ايران، كنظام يستخدم الغرائز المذهبية لفرض سياساته في المنطقة، حيث فشل النظام السوري؟
ذلك هو السؤال الذي يطرح نفسه في وقت ليس ما يشير الى وجود بارقة أمل في تشكيل حكومة لبنانية وفي وقت يسعى "حزب الله" الى وضع يده على كلّ مؤسسات الدولة اللبنانية، خصوصا المؤسسات الامنية وابعاد كلّ لبناني يؤمن بالمؤسسات والسيادة عن هذه المؤسسات...ونشر البؤس في البلد عن طريق افقار اللبنانيين.
يصعب أن تنجح ايران حيث فشل النظام السوري. سبب ذلك، أن اللبنانيين يقاومون. انّهم يقاومون فرض "حزب الله" حكومات عليهم. ويقاومون عملية مصادرة القرار السياسي والامني للبلد تحت شعارات من نوع "الشعب والجيش والمقاومة" والتورط عسكريا في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه من منطلق مذهبي بحت.
ايعرف اللبنانيون انّ ليس في استطاعة أي طائفة الانتصار على طائفة أخرى وأن المزايدات لا تبني بلدا وأن المثالثة السنّية- الشيعية- المسيحية ليست حلا بمقدار ما أنها صيغة لالغاء لبنان ووضعه تحت الوصاية الايرانية.
من لديه أدنى شكّ في أن لبنان سينتصر يستطيع أن يسأل نفسه: هل هناك من تخيّل يوما أن القوات السورية ستخرج يوما من الاراضي اللبنانية بالطريقة التي خرجت بها؟