الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

02.06.2013
د. وائل مرزا

المدينة
الاحد 2-6-2013
هل تعتقد الإدارة الأمريكية حقاً أنها تعلّمت من دروس العراق؟ وأنها تستخدم هذه المعرفة في تعاملها مع الوضع السوري؟
قلائلُ هم الرؤساء الأمريكان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد.
هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا.
فهناك مقولةٌ في أوساط واشنطن العاصمة تؤكد أن كل سيناتور ينظر في المرآة ويرى وجه رئيسٍ أمريكي قادم.
لكن القلائل من أولئك الساسة يحملون معهم إلى ذلك المنصب رؤيةً لأمريكا وللعالم تليق بالإمكانات التي تُوضع في تصرف من يحتلُّ كرسيّا للمكتب البيضاوي.
لاغريب في ظل هذه الحقيقة أن أحد الرؤساء السابقين ما إن علم بفوزه بالرئاسة، وسط فريقٍ من معاونيه،حتى استلقى على المقعد الوثيرأمام شاشة التلفزيون التي أعلنت فوزه وقال:حسناً ياأصدقائي،لقد فزتُ بالرئاسة،ماذا أفعل الآن؟!
لاينتمي الرئيس أوباما إلى هذه الفئة من السياسيين.ورغم أن الرجل يمتلك ثقافةً عالية، ويحمل رؤية تقدميةً ومتوازنة لما يجب أن تكون عليه الولايات المتحدة والعالم.لكننا نقول يقيناً أن حجم التحديات التي تواجهه يفوق طاقة أي إنسان على التعامل معها.
وقد يكون إدراكُ الرجل لهذه الحقيقة السببَ وراءَ تصريحه في خطاب انتصاره،ليل الثلاثاء بتاريخ 4 تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2008م، حين قال إن الحلول التي تحدّثَ عنها خلال الحملة الانتخابية قد لاتجد طريقها إلى التنفيذ خلال العام الأول من رئاسته،أوحتى خلال فترة رئاسته الأولى.
شاءت الأقدار أن أكون على بعد عدة أمتار من الرجل وهو يلقي ذلك الخطاب في تلك الليلة المشهودة.
فرغم كل ماجرى ويجري وسيجري، كانت الظاهرةُ تعني بالنسبة لي بدايةً لتحولٍ تاريخي إنساني سيكون له مابعدُه، طالَ التاريخ أو قصُر. وهو مادفعني إلى أن أشهد شخصياً بداية هذا التحول.
"إلى كل من لايزال يشك بأن كل شيءٍ يمكن أن يحدث في أمريكا،هذه الليلة هي الإجابةُ على السؤال". بهذه الكلمات بدأ أوباما في تلك الليلة مايُسمى عادةً بـ (خطاب الانتصار).
والحقيقة أن حضور هذا الحدث شخصياً ورؤية ردود فعل المواطنين الأمريكان في تلك اللحظة التاريخية يتجاوزالقدرة على الوصف.فما إن تم الإعلان عن فوزالرجل حتى بدأ الحضوربترديد هتافات تُعبّرأكثرماتُعبّرعن الذهول وعدم تصديق مايجري .
بعد لحظات، أدركت الجموع أن انتخاب أوباما رئيساً لأمريكا أصبح حقيقة واقعةً،فاندفع الناس يعانقون بعضهم والدموع تتساقط من عيون الكثيرين منهم.
كانت كل شريحةٍ تحتفل بطريقتها وأحيانا بلغتها.لكنهم جميعاً كانوا يحتفلون بأمرواحدٍ مشترك يتمثل في وصول أول رجل أسود إلى أقوى منصب في العالم،وبمايمكن أن يحمله هذا الأمرمن دلالات وفرص في مجال التغييروالإصلاح.
كتبتُ بعدها الكثير من المقالات، تحدثتُ عن أوباما نفسه في (أوباما يختصر المسافة بين الحلم والحقيقة)، واستقرأتُ دلالات انتخابه داخلياً في (أميركا الباحثة بلهفةٍ عن التغيير)، وبحثتُ عن معاني انتخابه دولياً في (أوباما وجائزة نوبل للسلام: العالم يتحدث مع أميركا بلغةٍ جديدة).
وفي أكثر من مقال، كان ثمة حديث عن أملٍ، ليس لديّ فقط وإنما لدى بلايين البشر، بأن يُعبّر أوباما وإدارته عملياً عن القيم الأصيلة لأميركا، خاصةً فيما يتعلق بحقوق الشعوب في الحرية والديمقراطية وصناعة حاضرها ومستقبلها.
لا أعيش أية أوهام في هذا المجال، فقد أكّدتُ في مقالٍ بعنوان (هل العرب جاهزون للتعامل مع أوباما) على أن الرجل "يحمل رؤيةً للعالم أكثر واقعيةً وأكثر إنسانيةً بكثير من غيره"، غير أنني أضفتُ قائلاً:"لكن هذا لايعني أبداً أن أوباما سيتساهل في تأمين المصالح الاستراتيجية لبلاده من أجل (سواد عيون) العرب والمسلمين".
رغم هذا، ربما تكون ثمة أسئلةٌ حساسةٌ ودقيقة لابدّ من طرحها والتفكير بها جدياً في هذا المقام: هل تفهمُ أميركا حقاً ظاهرة الثورة السورية ودلالاتها بشكلٍ استراتيجي؟ هل تُوازن في حساباتها بين الآني والاستراتيجي؟ هل توجد قنواتُ اتصال مفتوحة، تؤدي إلى صورةٍ شمولية متكاملة أقرب إلى الدقة، بين أفراد فريقها المسؤول عن الملف السوري من قاعدة الهرم إلى قمّته؟ هل تعرف حقيقة المشهد السوري بشكلٍ دقيق، وخاصةً بما يتعلق بطبيعة وأدوار اللاعبين فيه؟ وأهم من هذا كله، هل تعتقد الإدارة الأمريكية حقاً أنها تعلّمت من دروس العراق؟ وأنها تستخدم هذه المعرفة في تعاملها مع الوضع السوري؟
ثمة وقائعُ كثيرة تلقي ظلالاً من الشكّ على إمكانية استخدام كلمة (نعم) للإجابة على الأسئلة السابقة، وغيرها من الأسئلة الأخرى ذات العلاقة.
قبل انتخاب أوباما رئيساً بفترةٍ قصيرة، لم أستغرب ماحصل بعد إلقائي محاضرةً في جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس (UCLA ) عن الأوضاع في الشرق الأوسط، ودور إدارة بوش فيما آلت إليه الأوضاع. فقد طَلَبَت سيدةٌ أمريكية أكاديمية بيضاء التعليق قبل أي شخصٍ آخر، وقالت أنها كانت حريصةً على أن تكون أول المعلقين لتعتذر للعرب وللعالم عن حقيقة أن أمريكا انتخبت بوش رئيساً..
بعدها، قَرّرت السيدة الأميركية الراقية انتخاب أوباما.
ستنتصر الثورة السورية.
ولكنه سيكون يوماً مُحزناً، لي ولبلايين البشر، إذا رأيتُ تلك السيدة في قادم الأيام وسمعتُ منها اعتذاراً مُشابهاً عن ذلك القرار..