الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ثبت اردوغان ما تبقى من إدلب كمنطقة آمنة على المدى البعيد؟

هل ثبت اردوغان ما تبقى من إدلب كمنطقة آمنة على المدى البعيد؟

09.03.2020
إسماعيل جمال



القدس العربي
الاحد 8/3/2020
إسطنبول-“القدس العربي”: عقب 7 ساعات من المباحثات الصعبة بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان والروسي فلاديمير بوتين وكبار مسؤولي البلدين في موسكو، توصل الطرفان لاتفاق حول وقف إطلاق النار في محافظة إدلب شمالي سوريا ينهي أخطر جولة من التصعيد في المحافظة والتي تخللها صدام عسكري مباشر لأول مرة بين تركيا والنظام السوري وحملت خطر المواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا وروسيا.
لكن الاتفاق حمل من الغموض والنواقص ما دفع الكثيرون لاعتباره مجرد اتفاق لمنع الإعلان عن “الفشل” لما يحمله ذلك من مخاطر كارثية كانت تتعلق باحتمال الصدام بين تركيا وروسيا وانهيار العلاقات بين البلدين بجوانبها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهو ما لا يريده لا اردوغان ولا بوتين في هذه المرحلة، ما جعله اتفاقاً لمنع انهيار العلاقات بين البلدين، أكثر منه اتفاقاً واضحاً لتحديد مصير ومستقبل الأوضاع في محافظة إدلب.
ويعتبر أبرز ما تضمنه الاتفاق، الإعلام عن وقف فوري لإطلاق النار، وعلى الرغم أن الأطراف نجحت في تطبيقه بشكل عام باستثناء بعض الخروقات، إلا إن تداخل مناطق التماس وخطوط الاشتباك وعدم رسم حدود واضحة وقواعد لمنع الاشتباك جعلت منه اتفاقاً هشاً قابلاً للخرق وربما الانهيار في أي وقت.
ولم يجب الاتفاق، أو النص المعلن له حتى الآن، على الكثير من التساؤلات الجوهرية في إدلب، لا سيما فيما يتعلق بمصير المدنيين والمناطق التي سيطر عليها النظام في الهجوم الأخير، والمناطق الواقعة جنوب المنطقة العازلة على الخط الدولي ام 4، والمناطق الواقعة داخل المنطقة العازلة.
وحسب نص الاتفاق، وتأكيد وزير الدفاع التركي خلوصي أقار، السبت، فإن تفاصيل المنطقة العازلة والدوريات المشتركة سوف يتم الاتفاق عليها خلال لقاءات تركية روسية تستمر لمدة أسبوع، موضحاً أن وفدا روسيا سوف يصل أنقرة لمتابعة تنفيذ الاتفاق، قبيل البدء بتسيير الدوريات المشتركة في الخامس عشر من الشهر الجاري.
وحتى الآن، لا يعرف ما هو مصير السكان المدنيين في حدود المنطقة العازلة التي تخرق ما تبقى من مناطق لسيطرة المعارضة على امتداد الطريق الدولي ام 4 بعرض 6 كيلومترات جنوباً و6 كيلومترات شمالاً، وهو يعادل ما يقارب 20 في المئة من مساحة ما تبقى من إدلب للمعارضة، وهل سيتم إخراج الثقيل منها فقط، أم كل مسحلي المعارضة بشكل كامل، أم سيشمل الأمر المدنيين أيضاً من سكان المنطقة؟
وفي نقطة لا تقل أهمية، لا يعرف حتى الآن مصير المنطقة الواقعة جنوباً ما بين جنوب المنطقة العازلة، ومناطق سيطرة النظام، وهو شريط صغير بات شبه محاصر ما بين النظام والمنطقة العازلة، ولا يعرف ما إن كان سيفرغ من مسلحي المعارضة، أو المدنيين، وما إن كان ذلك سوف يسهل على النظام القيام بعملية سريعة لقضم هذه المنطقة في أي مواجهة صغيرة مقبلة.
هذا الاتفاق والذي جاء على شكل برتوكول ملحق بمذكرة سوتشي، لم يتضمن أي بند يتعلق بمصير نقاط المراقبة التركية التي باتت في معظمها محاصرة في مناطق النظام، وفي حين لم يتضمن الاتفاق الجديد أي إشارة لتراجع النظام من تلك المناطق والتسليم بالأمر الواقع، فإن أنقرة ستكون مضطرة لسحب هذه النقاط تدريجياً خلال الفترة المقبلة مع انتفاء سبب وجودها هناك، وقد أعطى اردوغان إشارة واضحة على ذلك عندما قال في المؤتمر الصحافي مع بوتين إن “التطورات الأخيرة في إدلب جعلت من تغيير الوضع القائم هناك أمراً لا مفر منه” رغم تأكيده لاحقاً أن نقاط المراقبة ستبقى في مواقعها في الوقت الحالي.
ويضاف إلى هذه التساؤلات المختلفة، التساؤل الأكبر والأهم، والذي يتعلق بمدى وجود ضمانات هذه المرة تمنع النظام من إعادة ترتيب صفوفه ومهاجمة مناطق جديدة في إدلب بعد عدة أسابيع أو أشهر للسيطرة على مزيد من المناطق، ومدى وجود آليات تمنع انهيار الاتفاق الذي يبدو هشاً ويفتقر إلى تفاصيل وآليات مراقبة دقيقة تمنع انهياره، لا سيما فيما يتعلق بالحجة الأبدية المتعلقة بالحرب على الإرهاب، حيث لا يوجد أي إعلان واضح حتى الآن يتعلق بمصير هيئة تحرير الشام في إدلب.
وفي كل الأحوال، ومن جانب روسيا والنظام، يعتبر الاتفاق ترسيخاً “للإنجازات” العسكرية التي جرى تحقيقها على الأرض، لا سيما السيطرة على كامل الطريق الدولي ام 5 ومنطقة سراقب نقطة التقاء الطرق الدولية، وضمان تشغيل الطريق الدولي ام 4.
في المقابل، ترى المعارضة وأطراف تركية، أن الاتفاق مكن من الوصول لوقف إطلاق نار يمنع مزيدا من المجازر، ويضع حدا لمعاناة المدنيين، وأنه أوقف هجوم النظام الذي لولا التحرك التركي لتمكن من السيطرة على كامل إدلب، حيث ما زالت المعارضة تحتفظ بمركز المحافظة، كما بقيت لتركيا سلطة على طريق ام 4 من خلال الدوريات المشتركة، والأهم أن تركيا ترى أن التطورات الأخيرة مكنتها من نشر أعداد كبيرة من قواتها في إدلب وإبقائها هناك، وهو ما يمكنها خلال هذه الفترة من إعادة ترتيب صفوفها وانتشارها في إدلب بشكل يسحب الذرائع من روسيا ويؤسس لاعتبار ما تبقى من مناطق في إدلب إلى منطقة آمنة على المدى البعيد.