الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ستنحصر أيديولوجية تنظيم الدولة بعد هزائمه المتكررة؟

هل ستنحصر أيديولوجية تنظيم الدولة بعد هزائمه المتكررة؟

25.09.2016
د. محمد مصطفى علوش


الشرق القطرية
السبت 24/9/2016
في إصدار جديد بعنوان "وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا" أوَّلَ تنظيم الدولة انحساره عن عدد من المناطق التي خضعت لسيطرته في سوريا والعراق خلال السنتين الماضيتين تحت ضربات خصومه على أنه اختبار وابتلاء إلهي للمؤتمنين على رسالة الإسلام اليوم. تماما كما جرت عليه سنّة الله مع نبيه الكريم، قائلا: "اليوم يعيد التاريخ نفسه بمعركة الأحزاب بالتفاصيل نفسها مع اختلاف الفصائل والشخصيات، فالصفوف تتمايز يوما بعد يوم كما تمايزت الصفوف يوم الخندق"، منهيًا إصداره بتوصية جنوده بالصبر والتيقن بقرب تطبيق حديث "تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله. ثم فارس، فيفتحها الله. ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال، فيفتحه الله".
ليس مستغربًا هذا التأويل للهزائم بتاتًا عند تنظيم الدولة، وليس متوقعًا أبداً أن يجري مراجعات لأطروحاته الفكرية، فهي ستبقى "ملازم مقدسة" إذ يختصر التنظيم المسافة بين التنزيل والتأويل، وبين النص والتفسير إلى حدود التوحد والتماهي. وبهذه "الأنزيمات" الفكرية يصبح كل منتج جديد غير قابل للنقد أو التردّد أو التراخي في الإيمان والالتزام والتطبيق.
والتساؤلات الأساسية لماذا لم يستطيع التنظيم أن يحافظ على الإنجازات التي حققها عسكريا خلال السنوات القليلة الماضية؟ هل هذا التراجع الذي نشهده في سوريا والعراق ينسحب على وجوده في ليبيا ومصر ونيجيريا وجنوب شرق آسيا وغيرها من البلدان؟ هل التراجع العسكري للتنظيم يعني إنحصار الأيديولوجية التي يحملها؟ وهل سيقوم التنظيم بعد هذه الإخفاقات العسكرية إلى مراجعة الإيديولوجية والاستفادة من الخبرات السابقة؟
من المبكر الحديث عن انحصار الأيديولوجية الداعشية في أطروحتها العامة، وهي أبعد عن الموت السريري حتى لو تمّ القضاء على جيوبها وخلاياه. وهذا لا يعني أن تنظيم الدولة لن يُهزم، بل هو يحمل بذور فنائه داخل مكوناته الداخلية وهو لا يحتاج إلى عامل خارجي لإفنائه. عقيدته القائمة على التكفير وقتل المُكفّر تعتبر من أبرز سمات هذا التنظيم داخل هذا. وهي مؤشر جيد على الانسداد المعرفي والسياسي الذي يتجه إليه التنظيم الذي ظهر في شكله الحالي في وقت كانت السلفية الجهادية كحيثية عسكرية إلى أفول نهاية 2010 والإسلام السياسي إلى صعود، مدفوعًا بزخم الثورات لكن الانتكاسة التي أصابت الثورات وتراخي القبضة الأمنية وعجز الإسلام السياسي عن إثبات حضوره في الحياة السياسية لأسباب متعددة عززت صعود تنظيم الدولة وروجت لطروحاته بعد الإحباط الذي أصاب شرائح واسعة من الإسلاميين لاسيَّما فئة الشباب ممن تحول لاحقًا إلى السلفية الجهادية. كما أن الفراغ الأمني الناشئ عن الاضطرابات السياسية بعيد الثورات لعبت دورا كبيرا في انتشار التنظيم الذي حاول أن يملأ الفراغ السلطوي بطريقة سريعة.
هذه العوامل جعلت من تنظيم الدولة الصاعد حالة وظيفية تخدم النظم المستبدة التي تسعى حثيثًا لإعادة الشعوب إلى قوقعتها ووضع برامج لتدجينها من جديد مع التخلص من ضغوط المطالبة بالإصلاح والتحولات الحقيقية نحو الديمقراطية، ولهذا سيبقى تنظيم الدولة – بوعي منه أو لا- أداة وظيفية فعالة تعرقل التقدم في بناء المشروع النهضوي في العالم العربي. وسيعزز دوره، ولو تبدل اسمه وتغير رسمه، نظرة الغرب إلى الشعوب العربية أنها شعوب قاصرة عاجزة غوغائية لم يحن وقت مطالبتها بالتغيير والإصلاح الحقيقي والحريات الشخصية.
الذي يتوجب على الإسلاميين، المؤمنين بالقيم الديمقراطية، الرافضين للعنف المسلح كآلية للتغيير، إذا ما أرادوا بالفعل النجاة من المقاصل المنصوبة لكل معارض سياسي، هو التخلص من الذرائع التي تبرر لتنظيم الدولة بعضا من أفعاله أو طروحاته. فهو لا يقل خطورة عن الاستبداد. وإذا كان الاستبداد يخلط بين الإسلاميين وتنظيم الدولة عن وعي وقصد ولغاية جلية. فتنظيم الدولة يصف مخالفيه من الإسلاميين بالمرتدين والمميعين. وهي معاني تؤدي المقصود نفسه، وتضع الإسلام في مأزق إذا ما تعلق الأمر بالمفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان وقيام الدولة الحديثة. كما أنها تصور الإسلاميين المعارضين أسرى طروحات قروسطية مظلمة، واتباع يوتبيا عاجزة عن النزول من أبراجها الوهمية في بناء الدولة والمجتمع إلى عالم الواقع اليومي بمتغيراته المعقدة.
كما على الشعوب التي ابتليت بهذه الحالات أن تراكم الخبرات في الطريق نحو التغيير وأن تدرك أن الطريق إليه متوازية العمل، معرفيا، ثقافيا، فكريا، وسياسيًا. وأن مطالب الإصلاح لا تنشأ لأجل لقمة العيش وحسب ولا تحصل بعيد هبة أو انتفاضة خاطفة بل تحتاج إلى أسس معرفية وقيمية وسياسية يبني عليها.