الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل سقط "الربيع العربي" وحصل بشار على حصة... الأسد؟

هل سقط "الربيع العربي" وحصل بشار على حصة... الأسد؟

03.08.2013
عادل مالك

الحياة
السبت 3/8/2013
عندما اندلعت شرارة الانتفاضات والثورات والصحوات في العالم العربي برز الامل بقدوم التغيير الى دول المنطقة بعد طول انتظار وكان الاسم «الحركي» لهذه التحركات «الربيع العربي» كانت هذه التحولات مدوية، لكن صلاحيات هذا الربيع وامتيازاته لم تدم طويلاً، لذا كان هذا السقوط الذي نشهده في كل يوم، في الدول «الريادية» في هذا المجال بدأ في بلد «المنشأ» تونس، الى مصر «الهادرة»، وانهيارها السريع على ايدي «إخوانها»، الى آخر السلسلة.
ولأن المكابرة لم تعد صالحة لتغطية الفشل والهزائم، لذا وجب التنادي الى نوع آخر من الصحوات ومن الثورات والانتفاضات التي تنقذ الانسان العربي في كل مكان من العالم العربي المترامي الاطراف، من الإحباط الجديد الذي أسقطته فيه ثورات ذلك «الربيع».
لقد تنافست خلال الاسابيع والاشهر الاخيرة التحركات البالغة العنف والدموية، بين تونس الغارقة في ازماتها فتحولت «ثورة الياسمين» الى الاغتيالات وتصفية الحسابات بين «اخوان تونس» الذين فشلوا في تقديم البدائل عن الاوضاع التي كانت سائدة سابقاً، فصار لون الياسمين مخضباً بالدماء... فهل شاهدتم «الياسمين» الاسود؟
ومن تونس الى مصر والاحداث الخطيرة التي شهدتها ولا تزال والتي حول فيها «اخوان مصر» النيل الازرق الى «النيل الاحمر»، فهل هذه هي نتائج وثمار حركات التغيير والاصلاح الموعود بها في العالم العربي من محيطه الى خليجه؟
وفي مقابل محاور الاضطراب هذه، كانت سورية الشلال الهادر من الدماء ايضاً ونشهد الازمات من المتغيرات في الداخل السوري وفي خارجه حيث يتقاتل اكراد سورية مع انصار «جبهة النصرة» وجماعات تكفيرية اخرى بات معروفاً انها تعمل بنشاط كبير في سورية، خلال «الحرب الكونية» كما يسميها النظام، ولنا في كل بند من بنود هذه التطورات معلومات قد تساعد المواطن العربي على فهم ما يجري من حوله وسط حالة الضياع السائده حالياً.
في «الحالة السورية»: في آخر لقاء بين الرئيس بشار الأسد ووزير خارجية تركيا احمد داوود اوغلو حدث الآتي:
عندما انهى الأسد الاجتماع الماراثوني والذي تواصل على مدى ست ساعات ونصف الساعة، مخاطباً الوزير التركي الرئيس السوري بقوله:
«لقد كلفني الرئيس اردوغان ان انقل اليك انه لا يريد ان يرى سورية دولة مقسمة في عهدك».
رد الأسد: أبلغ السيد اردوغان... اذا ما تعرضت سورية للتقسيم فهي لن تكون الدولة الوحيدة في المنطقة، بل ستكون تركيا على رأس اللائحة.
وكان الأسد يشير بذلك الى اكراد تركيا والى مطالبتهم بالاستقلال الذاتي، بعد طول نزاع مسلح.
وعندما اندلعت شرارة الاحداث في سورية قبل ما يزيد على السنتين قام اكراد سورية ببعض التحركات والتظاهرات في مناطق القامشلي وجوارها، وسارع الأسد الى احتواء الموقف فطلب ان يجتمع بوفد يمثل الاكراد وهذا ما حدث، حيث اعلن الرئيس السوري عن منح اكثر من ثلاثمئة الف كردي الجنسية السورية. ومن مفارقات هذه المرحلة ان الاكراد في سورية يقاتلون حالياً وبضراوة «الجماعات التكفيرية»، من «جبهة النصرة» وأخواتها المشاركات في النزاع القائم في سورية، الامر الذي يرفع بعض الضغوط عن الرئيس بشار الأسد ونظامه.
وفي سياق ما تشهده سورية في الآونة الاخيرة، أشير الى حديث لي أجريته مع الصحافي الاميركي البارز في صحيفة «واشنطن بوست» ديفيد ايغنيشس والمتابع الدؤوب لشؤون منطقة الشرق الاوسط وشجونها منذ سنوات طويلة.
سألت: كيف تصف واقع العلاقات بين الادارة الاميركية والرئيس بشار الأسد؟
اجاب: مرت العلاقات الاميركية-السورية بمراحل عدة اوجزها كالآتي:
كانت البداية بـ «عملية اغواء»: فقبل نحو عامين وبالتحديد في 18 آب (اغسطس) 2011 قال الرئيس اوباما: «لقد حان الوقت لأن يتنحى الرئيس الاسد»، لكنه لم يعزز دعوته هذه لتغيير النظام بأيه خطة، ودأب على تكرار عبارة «يجب ان يرحل الاسد».
يتابع الزميل ايغنيشس: «ثم جاءت مرحلة «التودد» من خلال تقديم وعود والتزامات حيث بدأت وكالة الاستخبارات المركزية العمل مع المعارضة السورية في 2011 ووفرت لها عمليات التدريب، وعندما بدأت اطراف اخرى تتودد الى المعارضة السورية (قبل تركيا وقطر) طاردت الولايات المتحدة هذه الاطراف عبر تجديد رسائل المودة.
ثم جاءت مرحلة «الارتباط الرسمي». ففي 13 حزيران (يونيو) اعلن البيت الابيض انه سيقدم مساعدة عسكرية للمعارضة، لأن نظام الاسد قد تخطى «الخط الاحمر» باستخدامة الاسلحة الكيماوية.
وماذا بعد؟ يضيف الصحافي الاميركي المعروف بعلاقاته الوثيقة مع دوائر صنع القرار في واشنطن: «ان ما حدث يشبه القصص الرومانسية غير السعيدة والتي يعرف القارئ مسبقاً نهايتها، او ما يصفه كتاب الرواية في بريطانيا بـ «هجران الحبيب». ويشير الى ان صحيفة «نيويورك تايمز» كتبت قبل ايام تقول: «ان خطط الادارة الاميركية في المسألة السورية كانت اقل بكثير مما نتحدث عنه سراً وعلانية».
ويختتم بالقول: «تخيل للحظات انك ثائر سوري يخاطر بحياته منذ عامين على امل ان يكون اوباما صادقاً في وعده بدعم المعارضة المعتدله، ليس فقط للانتصار على الاسد بل ايضاً لمقاومة الجهاد بين الذين يعملون للانقضاض على السلطة في سورية، ثم علم هذا الثائر ان واشنطن لها رأي آخر الآن، فما سيكون رأيك في سلوك الولايات المتحدة.
اذاً... هذه هي المراحل التي بلغتها الاوضاع الحالية في سورية ويجب ان يضاف اليها وجود بعض التحولات في مواقف الائتلاف السوري بتركيبته الجديدة حيث اعلن رئيسه الجديد احمد الجربا انه لا يمانع في المشاركة في قمة «جنيف2» وبالتالي التفاوض مع ممثلين عن نظام الاسد.
وحيال سقوط الدعوات الاميركية والاوروبية بعدم تسليح المعارضة السورية، لم يبق سوى التركيز على «الحل السياسي» وهذا ما يعمل سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا على توظيف هذه المعطيات للتعجيل بعقد مؤتمر «جنيف2».
ويتساءل بعض المشدوهين عن تطورات المشهدية السورية: هل إن بشار حصل في نهاية الامر على حصة... الاسد؟
ومن منطلق ترابط احداث المنطقة ببعضها بعضاً، يجب التوقف عند حدث طغت عليه «الاولويات الاخرى» في ازمات المنطقة، ألا وهو اعلان وزير الخارجية الاميركية جون كيري استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين في واشنطن برئاسة صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، ووزيرة العدل الاسرائيلية تسيبي ليفني.
وحول هذا التطور أبلغتنا مصادر اميركية متابعة عن قرب لهذه المفاوضات ان جون كيري منذ توليه منصبه وهو يركز على احداث «اختراق ما» في النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، وقد زار المنطقة ست مرات وعمل ضمن ديبلوماسية هادئة على حمل الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على العودة الى طاولة المفاوضات بعد توقف استمر اكثر من ثلاث سنوات، لكن ما المقصود بهذا التطور في هذا التوقيت بالذات؟
بصراحة: إنها عملية تحويل الأنظار عما تشهده المنطقة من أحداث بالغة الخطورة، وإعطاء انطباع بأن ادارة الرئيس باراك اوباما لا تزال تملك المبادرة بخاصة بعد الفشل الذي مُني به الرئيس الاميركي منذ ثلاث سنوات وحتى الآن من حيث مواكبة تداعيات مرحلة «الربيع العربي» من جهة وعدم الإمساك بخيوط الحل في سورية.
وعندما نسأل: وما الجديد هذه المرة؟ يأتي الجواب انه تم تحديد فترة زمنية لا تتعدى 9 شهور يضاف الى ذلك ان انهماك معظم دول المنطقة في حال الاضطراب القائمة حالياً، قد يجعل في الامكان انتزاع «تنازلات» اكثر سواء من الجانب الاسرائيلي او من الجانب الفلسطيني.
وفي معرض استلهام شهر رمضان المبارك وطقوسة وقيمه اعد الوزير جون كيري مأدبة افطار في واشنطن مطلع هذا الاسبوع حضرها اعضاء الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي.
وكما درجت عليه العادة بعد الاجتماع الاول بين الجانبين، «الاعراب عن الارتياح للأجواء التى سادت هذه الجلسة»... لكن الشكوك لا تزال تحيط بأي لقاء عربي-إسرائيلي، الى ان يثبت العكس.
وبعد...
اولاً: ماذا عن الوضع في مصر في ضوء اصرار «الإخوان المسلمين» على عدم التخلي عن السلطة، على رغم المعالجة الهادئة التي يعتمدها الفريق الذي يتولى السلطات حالياً بقيادة ظاهرة من قوات الجيش المصري برئاسة الفريق عبدالفتاح السيسي، ومعاونة مدنية ممثلة بالرئيس الموقت عدلي منصور ونائبة للشؤون الخارجية محمد البرادعي، ورئيس الوزراء الجديد حازم الببلاوي. والسؤال: الى متى يمكن ان تستمر حالة التجاذب في مصر قبل انهاء «حركة تمرد الإخوان»؟
ثانياً: خلال التجمعات الشعبية الحاشدة في ميدان التحرير من قلب القاهرة، سُئل احد المتظاهرين: لماذا تؤيد الفريق السيسي؟
أجاب: أجد في الفريق عبدالفتاح السيسي عبدالناصر جديداً؟
ولعل اجابة المواطن العادي تختزل مطالبة المصريين بخاصة والعرب بعامة بزعيم جديد، تتعلق به الجماهير كما تعودت في الماضي القريب والبعيد، ولو بقطع النظر عن ماهية وأهمية وجدوى وجود مثل هذا «الزعيم» وسط حال التقهقر السائدة حالياً في الوقت الراهن.
على رغم كل هذه التطورات وعلى اهميتها، فلا يمكن التقليل من المخاطر التي تواجه لبنان جراء ارتداءات الحرب السورية حيث يشكل تدفق اللاجئين والنازحين بأعداد مخيفة تجاوز عددهم اكثر من ثلث عدد سكان لبنان خصوصاً ان العالم لم يتحرك بما فيه الكفاية لدعم امكانات الدولة اللبنانية لإيواء هذا العدد الهائل من اللاجئين.
وهذه الضغوط التي شكلتها هذه الازمة تولد الكثير من الاحباط لدى اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وقد صرخ احد هؤلاء بالقول:
نخشى ان يتحول اللبنانيون الى لاجئين في الوطن.
وفي المحطة النهائية لصورة العالم العربي كما تبدو في الوقت الراهن: لقد سقط «الربيع العربي» بالضربة القاضية وعلى العاملين على تغيير الاوضاع المهترئة البحث عن صيغ اخرى تلائم اولويات المواطن العربي مع انقضاء السنوات العشر الاولى من الالفية الثالثة.
في الساعات القليلة الماضية، ألقى الرئيس بشار الأسد ما سمّاه «خطاب النصر على معارضيه».
وإذا ما تبين ان هذا هو فعلاً المعطى الجديد للمرحلة، تكون دول المنطقة بأسرها قد دخلت اكبر عملية لخلط الاوراق، وأحد ابرز فصول «لعبة الامم» في التاريخ المعاصر للمنطقة الممزقة.
مع طرح السؤال: هل يمكن حكم بلد بقي فيه الموتى والدمار والمهجرون؟
وبالتالي: كيف فات معارضي الاسد الدخول في عملية تغيير النظام وتركت سورية للأطلال والأشلاء ومقاتلين ينهشون سورية وأهلها؟