الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل سيخفَّض التوتر وتبرَّد أزمات الشرق الأوسط؟ 

هل سيخفَّض التوتر وتبرَّد أزمات الشرق الأوسط؟ 

19.05.2021
عمر كوش


العربي الجديد 
الثلاثاء 18/5/2021  
تشهد منطقة الشرق الأوسط، في أيامنا هذه، تحرّكات سياسية مكثفة ومتسارعة بين عدد من دول المنطقة، تجسدت في زيارات واتصالات علنية وسرية قام بها مسؤولون كبار فيها، وتهدف إلى تهدئة التوترات وتبريد الأزمات، بما قد يفضي إلى ترميم الخلافات بينها وإعادة تموضعها الإقليمي، على خلفية التطورات الدولية التي حملها وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، وبدء المفاوضات النووية بين إيران وكلّ من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في فيينا. 
وتعود بدايات التحركات السياسية الرسمية بين دول المنطقة إلى المصالحة الخليجية، التي دشنتها "قمة العلا" في الخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي، على وقع المتغيرات الدولية والإقليمية التي ساهمت في التوصل إليها، خصوصاً بعد فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وما استتبعه من سعي دول المنطقة إلى إعادة اصطفافاتها الجيوسياسية في إطار حاجتها إلى بلورة خطط واستراتيجيات جديدة للتعامل مع المستجدات. ثم توالت بعد المصالحة خطوات تطبيع للعلاقات بين كلّ من قطر والسعودية ومصر والإمارات. 
يأمل الأتراك في أن تُحدث زيارة جاووش أوغلو الرياض تحولاً حقيقياً في اتجاه تطبيع العلاقات بينهما 
ولم يتوقف الأمر عند المصالحة الخليجية، بل امتد إلى لقاءات واتصالات أمنية وسياسية بين مسؤولين أتراك ومصريين، تكللت بعقد مباحثات استكشافية بينهما في القاهرة، وبتوقف الحملات الإعلامية العدائية بينهما، مع توقعات باقتراب التفاهم على ترسيم الحدود البحرية، وربما استئناف قريب للعلاقات الدبلوماسية بينهما، خصوصاً بعد التوافق بينهما على دعم مخرجات الحوار السياسي في ليبيا. وبالتزامن، جرت أيضاً اتصالات ما بين تركيا والعربية السعودية، أثمرت عن زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، الرياض في 11 مايو/ أيار الجاري، ولقائه نظيره السعودي فيصل بن فرحان، وأعلنت إنهاء قطيعة سياسية بدأت منذ سنوات بين البلدين، إذ يأمل الأتراك في أن تُحدث الزيارة تحولاً حقيقياً في اتجاه تطبيع العلاقات بينهما، خصوصاً أنّها تأتي في سياق تغييرات في الخطاب السياسي التركي، الذي بات يميل إلى انتهاج لغة ناعمة باتجاه التهدئة والحوار في ملفات إقليمية ودولية عدة، ودعوات إلى فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وإلى حلّ الخلافات مع السعودية ومصر. 
ربما لا تسفر التحركات السياسية في المنطقة عن موجات من التحولات والانقلابات الكبرى في العلاقات السياسية بين أنظمة دول المنطقة 
وإن كان لافتاً الكشف عن جولات مفاوضات سرّية بين إيران والسعودية عقدت في بغداد، إلاّ أنّها لا تخرج عن السياق التصالحي الهادف إلى تخفيض التوترات وتبريد الأزمات بين دول المنطقة، خصوصاً أنّ لدى ساسة البلدين دوافع قوية تحثهم باتجاه التهدئة وتخفيض التوتر بينهما في المرحلة الراهنة، أهمها إنهاء الحرب في اليمن، الأمر الذي عبّر عنه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأرجعه إلى أنّ بلاده "تطمح إلى علاقات إيجابية مع إيران، رغم الخلافات الكبيرة معها". في المقابل، اعتبرت طهران أنّ "المفاوضات الإيرانية السعودية مستمرة حتى التوصل إلى نتائج" وأنّ "هناك بوادر إيجابية لحلّ الخلافات بين البلدين". 
قد لا تسفر التحركات السياسية في المنطقة عن موجات من التحولات والانقلابات الكبرى في العلاقات السياسية بين أنظمة دول المنطقة التي كانت تتخندق في محورين متعارضين، كونها تتسم بالطابع الثنائي، وليس الإقليمي الشامل، وتنحصر بين ساستها من دون وسطاء دوليين، ويوحدها القلق من تأثير السياسات الأميركية في المنطقة بشكل عام، بوصفه أحد أهمّ العوامل الدافعة باتجاه تكثيف التحركات السياسية فيها، لكنّ ذلك لا ينفي وجود دوافع جيوسياسية مباشرة، تتمثل جملة من المخاطر التي تهدّد أمنها القومي، نتيجة النزاعات التي باتت كلفتها البشرية والمادية باهظة بالنسبة إليها، وبالتالي يصعب الاستمرار فيها. 
قد تشكل البراغماتية، أو الواقعية السياسية، دافعاً مهماً لساسة دول المنطقة باتجاه حلحلة التوترات بين أنظمة دولهم 
وغير بعيدة عن ذلك كلّه، الزيارات التي قام بها مسؤولون كبار في إدارة الرئيس بايدن إلى عواصم عدة في المنطقة، فقد نقلت تقارير غربية أنّهم حثّوا المسؤولين الذين التقوهم على تخفيض التصعيد وتعزيز الجهود الدبلوماسية في التعامل مع دولها، لأنّهم يريدون فقط إبقاء درجة الحرارة منخفضةً في المنطقة، باعتبار أنّ الشرق الأوسط لا يشكل محور تركيز أساسي للسياسة الأميركية الحالية، لأنّ أهدافها في المنطقة تنحصر في التفاوض مع إيران، من أجل وضع برنامجها النووي "تحت السيطرة" مرة أخرى. وبالتالي، تجنب أيّ أزمات أخرى من شأنها جذب الانتباه بعيداً عن التحديات الرئيسية للإدارة الأميركية المتمثلة في روسيا والصين. 
قد تشكل البراغماتية، أو الواقعية السياسية، دافعاً مهماً لساسة دول المنطقة باتجاه حلحلة التوترات بين أنظمة دولهم، خصوصاً بعد انقشاع وهم الرهان على حماية الولايات المتحدة حلفاءها الخليجيين، وبالتحديد السعودية التي لم توفر لها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، أيّ حماية في مواجهة هجمات الحوثيين على مفاصل حساسة في المملكة، مثل منشآت "أرامكو" بالطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية، على الرغم من أنّها دفعت أموالاً طائلة من أجل ذلك، بناء على مطالب ترامب. إضافة إلى أنّ إدارة الرئيس بايدن لم تلتفت إلى مطالب دول الخليج بضرورة وجودها على طاولة التفاوض النووي مع إيران، ورفضها كذلك ربط المفاوضات النووية بصواريخ إيران البالستية، وتدخلاتها السافرة في كلّ من سورية واليمن والعراق ولبنان، لكن، هل وصل الساسة في دول المنطقة فعلاً إلى الاقتناع بعدم التعويل أو الثقة بأيّ اتفاقياتٍ أمنية مع الولايات المتحدة؟ 
الأوضاع مرهونةٌ بإرادة الدول العظمى وصراعات النفوذ والمصالح بينها 
من المبكر الحكم على نتائج التحركات السياسية في المنطقة، وقدرتها على حلّ القضايا العالقة، لكنّها لن تتجاوز تهدئة التوترات، بما يعني الحفاظ على الأوضاع القائمة، مع إمكانية التوصل إلى تفكيك بعض الملفات الخلافية. وبالتالي، من الصعب القول إنّها ستقود إلى تفاهمات مشتركة حول إنهاء الأوضاع المتأزمة في كلّ من سورية واليمن والعراق ولبنان، فالاتصالات واللقاءات لن تفضي إلى بناء تفاهماتٍ على غرار ما حصل في ليبيا برعاية أميركية، لأنّ الأوضاع فيها مرهونةٌ بإرادة الدول العظمى وصراعات النفوذ والمصالح بينها، لكنّ ذلك لا يلغي أهمية التهدئة وحلحلة الخلافات، في انتظار ما ستتمخض عنه مفاوضات إيران مع المجموعة الدولية بشأن ملفها النووي، وتداعياتها على ترتيبات الأوضاع في المنطقة التي لم تتضح مآلاتها بعد.