الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل سيقبل السوريون بربع انتصار لثورتهم؟

هل سيقبل السوريون بربع انتصار لثورتهم؟

13.02.2014
بشار عمر الجوباسي


القدس العربي
الاربعاء 12/2/2014
هل توقفت اجتماعات بيرن مع انتهاء الجولة الاولى من جنيف-2، أم استمرت؟ وفي حال توقفها؛ هل ستعود للانعقاء مع انطلاق الجولة الثانية من جنيف-2، أم لا علاقة بين مواعيد انعقادهما؟ عادة ما تأتي الحلول عبر مفاوضات سرية ثم تعلن نتائجها على شكل اتفاق نتج عن مفاوضات علنية، لذلك فلا توجد عبرة للتصريحات الصادرة عن المجتمعين في جنيف، وهذا ما حدث في اتفاق جنيف حول الملف النووي بين الغرب وايران، التي ظلّت تتفاوض سرا مع الامريكيين بدءا من شهر مارس/اذار 2013 الى نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، حيث اعلن عن تلك الاتفاقية، ولكن مَن يُفاوض النظام في بيرن هل هو الائتلاف؟ هل يوجد بينهم ممثلون عن الفصائل المقاتلة؟ ايا كان لا بدّ انّ ذلك الطرف سيكون له دور كبير في مرحلة ما بعد الثورة.
يتحدث الكثير من المحللين وحتى المعارضين المشاركين في المفاوضات مع النظام السوري، عن استمرار خداع النظام وسعيه الى جعل التفاوض لاجل التفاوض، وذلك بالعبث في مسار جنيف-2 وتحويله الى التركيز على ادخال المساعدات الى المحاصرين، والبحث في اطلاق سراح المعتقلين و..؛ وهذا سيكون منطقي بالقياس مع ممارسات النظام في ما لو كان امره بيده، ولكنه ما عاد يملك شيئا منه بعدما ترك القرارات العسكرية والسياسية لحلفائه، وتحول الى ظلّ شبحٍ تفوح منه رائحة الموت؛ وقد بدأ المجتمع الدولي يجهز نفسه الى مرحلة ما بعد سقوطه، فالاتحاد الاوروبي سيعقد مؤتمرا في الحادي عشر من الشهر الجاري، يجمعه بسبع من دول المنطقة ليتباحث معهم في شأن الجهاديين الاوروبيين الموجودين حاليا في سورية، وكذلك لم يكن من قبيل الصدفة ربط عدد من الاستحقاقات المتعلقه بشؤون المنطقه بنهاية الولاية اللادستورية لرأس النظام، فمن المفترض انتهاء تدمير السلاح الكيماوي السوري وايضا انتهاء المفاوضات الغربية الايرانية حول برنامجها النووي مع نهاية يونيو/حزيران القادم، لا شكّ ان الشهور القادمة ستكون حاسمة.
تحدث السيد معاذ الخطيب وهو على دراية كبيرة بكواليس العملية السياسية المواكبة للازمة السورية، فقد كان الرئيس الاول للائتلاف السوري لقوى المعارضه عن عدد من النقاط يريدها كل من الروس والامريكيين من سوريا، فالروس يريدون ضمان قاعدتهم البحرية وعقود التسليح للجيش القادم، وضمان الديون الروسية والحصول على عقود التنقيب عن النفط والغاز ومكافحة الارهاب، واخطر بند هو مجلس أمن قومي يكون لهم اختيار رئيسه ونصف اعضائه. أما الامريكيون فيريدون انهاء السلاح الكيماوي وضمان أمن اسرائيل ومحاربة الارهاب.
لا يوجد بين تلك النقاط اي وجود للاسد، اما استمرار التلويح الروسي به فهدفه الحصول على تلك المطالب، ولكن تلك الشروط تقتضي بقاء 75 من النظام الحالي، فهل سيقبل السوريون بربع انتصار لثورتهم، رغم كل ما قدموه من تضحيات؟ لا شكّ انّهم لن يقبلوا ولكن لن يأخذ احد رأيهم، في النهاية لن يقوم على حدود اسرائيل الا نظام موال للغرب او مرضي عنه من قبلهم. لم يقتصر دور الغرب في اقامة اسرائيل على تهجير اليهود اليها ومساعدتها على بناء دولة قوية فقط، بل قاموا باعداد خارطة المنطقة وزرعوا فيها انظمة على مقاسها، وهذا ما يستمرون في الحفاظ عليه ويظهر هذا واضحا من خلال اجهاضهم للثورة المصرية، وتخاذلهم امام القبائح والفظائع التي يعاني منها الشعب السوري.
لا تزال تتقاسم عدد من الدول الكبرى مناطق النفوذ والسيطرة على العالم، اما باقي الدول النامية منها والناشئة اقتصاديا فهي لا تزال تدور في افلاك التبعية، وحتى بعد ان نجحت العديد من الدول في اوروبا الشرقية وامريكا اللاتينية وغيرها في الحصول على ديمقراطياتها، الا انها ظلّت اسيرة مصالحها الاقتصادية، لتبقى شاءت أم ابت خاضعة لذات الاطراف الخارجية ليظلّ استقلالها امرا نسبيا تحدده مصالح الدول الكبرى.
ارتبطت الانظمة الديكتاتورية في كل دول العالم بتلك الدول الكبرى، ولكن عند هبوب رياح الديمقراطية تخلت تلك الدول عن الديكتاتوريين وحاولت ان تظهر بمظهر المؤيد لحرية الشعوب، ثم عادت وبسطت هيمنتها على الانظمة الديمقراطية الجديدة بشتى السبل، وهذا ما سيحدث في سوريا، فالنظام فَقَدَ اي قدرة على الاستمرار، رغم دوره في حماية حدود اسرائيل الذي ربما لن يُعوض.
لم تغامر الولايات المتحدة في احتلال العراق الا بعد تاكّدها من خلوّه من اسلحة الدمار الشامل، فهل سيتجاهل ذلك النظام السوري ويستمر في تقفي سنن مَنْ سبقه من الطغاة، واضعا نفسه في هذه المواجهة، خاصة انّ الدعوة الى مؤتمر جنيف-2 كانت بقرار من مجلس الامن رقم 2118 تحت الفصل السابع، وبعد ظهور بوادر الندم على عدم التدخل العسكري ضدّ النظام السوري، التي جاءت على لسان مسؤول بريطاني تمنى تعديل الدستور ليتمكن رئيس الوزراء البريطاني من اتخاذ قرارات من دون الرجوع الى البرلمان.
لا شكّ انّ ‘داعش’ تؤرق المسؤولين الغربيين، ولكن ليس الى ذلك الحد، ففي النهاية هي ليست اكثر من بضعة الاف مقاتل مسلحين باسلحة خفيفة وعدد قليل من الدبابات الخالية من الذخيرة، ناهيك عن عدم تمتعها بحاضنة شعبية في سورية، بل على العكس الجميع يمقتها ويتمنى الخلاص منها، كما يتمنى الخلاص من النظام، داعش هي ‘جوكر’ بيد الانظمة الديكتاتورية والغرب يستخدمونه ليبرروا كل تصرفاتهم وممارساتهم ضد شعوبنا وحتى تنظيم ‘القاعدة’ نفسه قد تبرأ منها. اسهل طريقة يعتمدها الغرب في الدول الخارجة لتوها من نير الديكتاتورية هو اغراقها في الفوضى او اذكاء الطائفية فيها، او كليهما ان امكن الى ان تتضح الرؤية فيها من جديد فيتمكنوا من صناعة تحالفات وتوازنات جديدة تعيد سيطرتهم عليها، حتى لو كان النظام الناشئ ديمقراطيا نوعا ما، فهل سينجح هذا النموذج في سورية ايضا، والى متى سيستمر هذا الواقع المرير الذي تعيشه شعوب العالم، خاصة شعوبنا العربية؟
الولايات المتحدة حضّرت نفسها لكل السيناريوهات في سورية، فهي تمد مَنْ تُسمي بالمعتدلين من الثوار السوريين ببعض انواع السلاح، خاصة في درعا المدينة الحدودية مع فلسطين المحتلة، ان لم يقتصر عليهم فقط فهل يهدف الامريكيون من ذلك الى اقامة تحالف مع المقاتلين هناك ليستعينوا بهم لدور ما في حال حدث ما لا يتوقعونه؟ لا تزال كل اوراق اللعبة بأيدي الغرب، فمن التبعية الاقتصادية الى الحاجة الى السلاح الغربي، ويتطلّب الحصول على قدر ضئيل من الحرية والديمقراطية تضحيات بحجم التضحيات التي ما يزال السوريون يقدمونها وسيظلّ هذا الواقع هكذا ما بقي النظام العالمي الحالي قائما.