الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل سيكون للتطرف مكان في سوريا ما بعد الأسد؟

هل سيكون للتطرف مكان في سوريا ما بعد الأسد؟

23.08.2016
علي عيسو


القدس العربي
22/8/2016
كثير من السوريين يراقبون بخوف ويتابعون بصمت مع خيبة للآمال للأوضاع التي آلت الحالة السورية من تفشي وباءَي التشدد والتطرف بين الأوساط السياسية والاجتماعية وحتى العسكرية لتشكيلات المعارضة السورية، فمن أسماء الكتائب ذات الطابع الديني مرورًا بتصريحات بعض السياسيين ذات النفس الطائفي وليس انتهاءً بأعمال تنظيم الدولة ومثيلاته من الكتائب المتطرفة التي باتت تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي المحررة، مما جعل السوريين في حيرة من أمرهم لمستقبل البلد في ظل تنامي الفكر المتطرف والتي تنذر بواقع مأساوي سيواجهه بعد سقوط الأسد.
الا أنه وكما هو معروف لكل داء دواء، والفكر المتطرف لن يُعالج الا بالفكر المعتدل وسط أجواء هادئة خالية من الدماء والأشلاء، ودون توافر هذه الأجواء ستكون كمحاولة الرسم على المياه، فالتربة الخصبة السلتية تفوق في انتاجها النباتي عن التربة الرملية التي يصعب فيها الزراعة، والتربة هنا تعني البيئة التي يجب توافرها لدى السعي إلى علاج التشدد الذي بات يطرق أبواب العديد من السوريين.
السوري الذي يعاني اليوم من مرض التشدد في بعض الحالات والتطرف في حالات أخرى، لا يمكن علاج مرضه بالتزامن مع قتل أفراد عائلته بصواريخ الطائرات ومدافع الدبابات، كما لا يمكن معاينته تحت ركام منزله وهو يلقط أنفاسه الأخيرة وبالتالي لا يمكن اعطاءه أية وصفات طبية ومعدته فارغة نتيجة الحصار الخانق المفروض على مدينته، كما يصعب علاجه ولو حتى نفسيًا بعد حالات الاغتصاب التي شهدها بأم عينيه لإحدى فتيات أسرته أو أقربائه.
كل ما سبق ذكره عن حال السوري "المتشدد" أو "المتطرف" بشكله المختصر يُلخص ما يتعرض له طيلة الأعوام الستة الأخيرة، فإن لم يكن شاهدًا على مقتل أفراد عائلته تحت القصف، سيكون له معتقل داخل سجون النظام أو جريح أصبح يعاني من إعاقة جسدية دائمة، وفي أفضل الحالات ما لم يكن بين هذا وذاك سيكون بكل تأكيد نازح إلى مناطق النظام الآمنة أو لاجئ في دول الجوار داخل المخيمات، وفي كلتا الحالتين يعاني من مرارة حر الصيف وقساوة الشتاء الباردة، ليفقد بهذه الأحداث كل ما كان يمكله من صواب وحكمة.
وهنا سيرى في التطرف والتشدد نورًا قد يوصله إلى بر الإنتقام ورد الظلم عن نفسه والذي يمارس بحقه نظام أشد تطرفًا وتشددًا منه ومن تنظيم الدولة ولكن بشرعية منحته له الصمت الدولي والاقليمي، فيرى السوري المتشدد نفسه بين جحيم ارادة دولية تريد للجلاد البقاء في السلطة والانغماس في دماء أقربائه من جهة، وبين نيران التطرف والتشدد الذي يلتهم أفكاره ويحقق له رغباته في الدفاع عن نفسه من جهة أخرى، مما يدفعه القدر المشؤوم إلى اختيار الثاني إلى حين الخلاص من الجلاد ليثور لاحقًأ ضد التطرف، والمثال رأيناه في العديد من المدن المحررة عبر مظاهرات خرجت ضد الكتائب المتشددة المحسوبة على المعارضة السورية.
الخلاصة لما سبق، لم ينتج المجتمع السوري يومًا متطرفين ومتشددين بقدر ما أنتجه النظام من شبيحة ومناصرين يدافعون عن فكره الهتلري عبر مختلف الوسائل الاجرامية، وما تطرف الأسد وتوسعه في التنكيل بالأحياء من أطفال ونساء وكبار سن إلا وقابله تشدد أو تطرف عكسي يحاول رد الظلم عن نفسه، وهنا لا أشمل مرتزقة تنظيم الدولة والنصرة ممن لايحملون هوية وطنية ثورية.
وبذلك أي محاولة سريعة لإنهاء جذور الاستبداد تعني القضاء على نمو التطرف والتشدد وبالتالي الشروع في تشخيص المرض وعلاجه وصولا إلى استئصال التطرف والتشدد والعودة بسوريا إلى أيام الثورة الأولى وما تحمله من فكر ووعي ورؤية وطنية تنمو وتزدهر وتنضج وتكتمل بالتزامن مع الجهد التي يجب على المؤسسات التعليمية الحرة أن تبذله بعد سقوط الأسد من نشر للوعي وإعادة طرح المفاهيم الوطنية والإنسانية والحقوقية للارتقاء بالمجتمع من جديد، وأيضًا ستكون لمنظمات المجتمع المدني الدور الكبير في نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة والحريات ليعود المجتمع السوري كما كان عليه ثائرًأ بوجه المستبدين والطغاة والمتطرفين، فنبدأ من جديد ثورة بوجه التنظيمات المتطرفة حيث لن يطول الأمر أكثر من المدة التي استمرت مع الأسد حتى يتم القضاء عليهم وارجاعهم لخارج الحدود السورية.