الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل سينجح الانقلاب؟

هل سينجح الانقلاب؟

20.07.2016
أمل عبد العزيز الهزاني


الشرق الاوسط
الثلاثاء 19-7-2016
في حوار أجريته مع مستشار أوباما السابق لشؤون الإرهاب، سألته عن طبيعة التحول السلبي في العلاقة بين واشنطن وأنقرة، وكأن الأمور انقلبت رأسًا على عقب. قال البروفسور جيري سيمور إنه يتذكر كيف كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يكنّ شديد الإعجاب لشخص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يرى أنه نموذج يُحتذى في الشرق الأوسط لشخصية مزجت الإسلام المعتدل بالعمل الديمقراطي. لكن ما حصل لاحقًا أن الرجل تغير، لا نعلم ماذا جرى له، اتخذ خطوات تجاه تحييد قوى بارزة في حزبه، والاستئثار بالسلطة، لا يستمع لأصدقائه. أوباما يعترف بأنه صُدم بهذا الواقع الجديد.
هذا الحوار جرى قبل نحو شهر من المحاولة الانقلابية على حكم إردوغان، وهو وإن كان لا يفسر ما حصل، لكنه يسلط ضوءًا على زاوية مهمة من الصورة، وهو أن تركيا تعاني منذ تورطها في ثورات الربيع العربي خللاً هيكليًا يدب ببطء في بنيان الدولة السياسي، كنتيجة طبيعية لانجذاب شخصية أي حاكم شعبوي لمزاج الشارع، للحد الذي يفقد معه موضوعيته أحيانًا. وإلا فكيف هذه المبالغة وذلك بإطلاق الحكومة قبل يومين توصيف "الخونة" على قضاة وضباط وإعلاميين، وبهذه الأعداد التي بلغت ألوفًا، كثير منهم بلغ مراتب عليا وأوشك على التقاعد؟! كيف عملت الدولة وانتعشت اقتصاديًا وكادت تصبح دولة أوروبية مع كل هؤلاء الذين أقصوا؟
لا يمكن اليوم الجزم بأن الانقلاب نجح أو فشل، إلا من الناحية الصورية، حيث لا تزال الأمور على شكلها قبل الخامس عشر من يوليو (تموز)، لكن واقع تشخيص الحالة التركية أن الانقلاب سيعجّل بحركة إردوغان ربما تجاه أداء دور الحاكم الأوحد، الشخصية الجديدة التي صدمت صديقه السابق أوباما، والذي لن يكتفي بتحويل نظام الحكم إلى رئاسي للتفرد بالقرار، وإضعاف نفوذ شخصيات قوية بارزة في حزب العدالة والتنمية، وتعديل الدستور ليتمكن من إبعاد خصومه في القضاء والجيش والشرطة، بل الخشية من أن السجون ربما تتسع ويقيد الإعلام، ويأفل الشعور الوطني. إن كان هذا التشخيص صحيحًا فالانقلاب نجح ليس فقط بتغيير نظام الحكم، بل في رسم صور جديدة مشوهة للحاكم المدني الذي يمتطي صهوة الديمقراطية حتى يصل إلى هدفه ثم يقفز عنها.
أغلب الظن أن إردوغان سيظل وقتًا طويلاً حاملاً النفس الثوري الثأري، مستقويًا بأنصاره الذين يستدعيهم كما يستدعي الحاكم جيشه، موجهًا لهم أمره بالبقاء في الشارع حتى يطمئن أنه اعتقل كل مناهضيه. علاقة غريبة كنا شهدنا مثلها في اليمن حينما كان علي عبد الله صالح يدعو أنصاره يوم الجمعة للخروج والتباهي العددي.
ولكن هل سيصمت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عما يرون أنها انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون وإفراط في استخدام القوة؟ بالنسبة لفكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فقد باتت بعيدة أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن تخيل ضربتين موجعتين على رأس الاتحاد؛ خروج بريطانيا العريقة في ديمقراطيتها، وانضمام تركيا التي تظهر اليوم بين خيارين؛ إما حكم العسكر أو الحاكم المدني الأوحد. القيادة التركية تقول إنها ستحاسب من سفك الدماء خلال عملية الانقلاب، الدم بالدم، أي إعادة حكم الإعدام الذي ألغاه إردوغان أيام العسل مع الأوروبيين قبل 12 عامًا، وتمهد بأنها ستجعله خيار الشعب، إن صوتوا على التعديل الدستوري بشأن عودة عقوبة الإعدام فالكلمة الأخيرة للأكثرية وفق مبدأ الديمقراطية. ومع إزاحة القضاة الذين قد لا يتجاوبون مع التوجيهات الجديدة واستبدالهم، ستكون العقوبات الصارمة في انتظار كل من يعوق طريق النظام الحاكم.
شخصيًا، لا أعتقد أن التعويل على "الشعبوية" يمكن أن يرسخ لأرضية صلبة لحكم رشيد، فالجماهير تتقلب، تموج، ترتفع وتنخفض.. لا يمكن الركون إلى عاطفة الجماهير المتقلبة، لا داخل الحدود ولا خارجها، لأنها سهلة التشكل من جديد وفق معطيات جديدة تؤثر فيها. وبالنسبة لتركيا، فهي من أكثر دول المنطقة تعرضًا للضغوط الداخلية والخارجية، التي تنعكس مباشرة على وضعها الأمني والاقتصادي الداخلي مما يمس حياة الناس واستقرار أحوالهم، وسياسات إردوغان خلال الأعوام القليلة الماضية أكسبته المزيد من الأعداء بلا داعٍ في كثير من الحالات، بعد أن كان يحظى بعلاقات جيدة مع الغرب والعرب.
أما الولايات المتحدة فهي غير راضية عن النظام الحاكم في تركيا، ولا عن السياسة الخارجية التركية خصوصًا في سوريا والعراق، والأكيد أن التعاون الأميركي مع الأكراد في شمال سوريا يمثل نقطة خلاف كبيرة بين الطرفين.
أعتقد أن إردوغان متوجه بلا تردد إلى تصفية خصومه وتطهير تركيا من كل الأتراك إلا أصدقاءه. سيحيط نفسه بأفراد أسرته وأصدقائه الثقاة من الحزب لترسية حكمه، ستكون الملفات الداخلية هي محط تركيزه، وبالمقابل سنشهد المزيد من التنازلات في الملفات الخارجية: تسويات مع الروس بخصوص سوريا، وتعاون لا محدود مع واشنطن في الحرب على "داعش"، وتغاضٍ عن التحرك الكردي في شمال سوريا، وتعميق العلاقة أكثر مع إسرائيل، وتنازلات كبرى في قضية اللاجئين السوريين لصالح دول الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الإيرانيين. غالبًا سيقدم إردوغان تنازلات وتسويات كبيرة للخارج مقابل إطلاق يده في الداخل، في هذه الحالة فقط، سيكون الانقلاب قد نجح.