الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل من شرعية لـ "الهيئات الشرعية"؟

هل من شرعية لـ "الهيئات الشرعية"؟

18.08.2013
صبر درويش

المستقبل
الاحد 18/8/2013
يقول أبو ليلى، وهو مقاتل في إحدى كتائب الجيش الحر العاملة في دمشق وريفها "قمنا بسوق شاب حكمت عليه محكمة المدينة بالإعدام، إلى المكان الذي نقوم فيه بهذه المهمات عادةً، وقبل أن أقوم بتنفيذ أمر الاعدام، خاطبني الشاب قائلاً: دمي برقبتك، وأنا بريء من كل التهم الموجهة إليّ. عندها ترددت بإطلاق النار عليه، انتابني شعور غريب، فألححت على قائد مجموعتي أن نعيد الشاب إلى المحكمة عسى أن تعاد محاكمته؛ وهذا ما جرى فعلاً، وبعد نحو شهر من التحقيق، أطلق سراح الشاب، حيث لم تتم إدانته".
تلقي هذه الحادثة الضوء على جانب من المحاكمات التي يخضع لها بعض المتهمين بالعمالة للنظام الحاكم في سوريا في المدن التي جرى تحريرها على أيدي الثوار. كما تثير العديد من الأسئلة حول "مشروعية" هذه المحاكم الشرعية، ومدى قدرة القائمين عليها على إتمام مهمات، هي الأصعب والأخطر من نوعها، حيث يلقى على عاتق هذه الهيئات مهمة تحقيق العدالة بين السكان، وفضّ النزاعات، وإطلاق الأحكام التي قد يؤدي الخطأ فيها إلى إزهاق أرواح الأبرياء. ومن جهة أخرى فالاستقلالية السياسية والقضائية مطلوبة بشكل حاسم بالنسبة لأي هيئة قضائية، كما يقتضي ذلك عرف القضاء، وهو امر يكاد يكون غائباً في الهيئات الشرعية التي تم إنشاؤها في المدن المحررة.
الشيخ سعيد درويش، أحد مؤسسي المحكمة الشرعية في الغوطة الشرقية، يؤكد أن "المحكمة الشرعية تأسست في بداية عام 2012، على يد مجموعة من علماء الدين، ومن المؤكد أن للمحكمة الشرعية مرجعية وهي تدعى الهيئة الشرعية، وهذه الاخيرة هي بناء مؤسساتي كبير، تتبع له لجان من كل مدينة او بلدة. وهذه الهيئة الشرعية ينبثق منها مكتب قضائي، ومكتب تعليمي، ومكتب الدعوة والإرشاد، ومكتب البحث العلمي، ومكتب الفتوى، ومكتب إعلامي، ومكاتب أخرى تحتاجها". والفكرة في الأصل أتت في سياق دعم علماء الدين للثورة والثوار في آن واحد. أما بالنسبة للهيئة الشرعية فهي تأسست في وقت سابق، وكانت نتيجة سلسلة من الاجتماعات بين "المختصين"، في القابون 13/11/2011. كما يقول الشيخ درويش. بينما من يعمل في المكتب القضائي هم "أهل الاختصاص"، أي قضاة مجازون إجازات قضائية ومحامون محققون، وكلهم أصحاب خبرة لكنهم لا يخوضون العمل القضائي لوحدهم اذ هناك ايضاً مراقبون شرعيون".
تسعى هذه الهيئات إلى أن تكون بديلاً عن مؤسسات الدولة التي تلاشت إثر تصاعد حدة الحرب بين المعارضة ونظام الأسد، وفي الوقت الذي يحاول الناشطون بذل كل الجهود الممكنة في سبيل تجنيب هذه المدن الوقوع في الفوضى، لا يخفى على أحد نقص الخبرة لدى هؤلاء الناشطين، كما لا يخفى الانتهاكات التي قد ترتكب بحق المواطنين. إذ في سياق سؤالنا أحد القضاة حول علاقة "الهيئة الشرعية" بحقوق الإنسان أجابنا "أن الهيئة مؤمنة ومقرّة بحقوق الانسان والتي لا تتعارض مع مفهوم حقوق الانسان في الشرع الاسلامي"، وأنهم حريصون على حفظ كرامة الناس". بيد أننا، ومن خلال جولتنا في السجن التابع للهيئة، فقد التقينا أحد السجناء المتهمين بالتعامل مع قوات الأسد، حيث أخبرنا الشاب أنه تعرض لتعذيب شديد، وأنه استسلم في نهاية الأمر للمحقق وأدلى باعترافه كما فرض عليه؛ ومن الواضح أن آثار التعذيب ما تزال واضحة على جسد الشاب، حتى ان أنفه كان مكسوراً على إثر التعذيب الذي تعرض له؛ بينما شهادات العديد من الشبان المعتقلين الآخرين، فقد أشارت إلى غياب أي شيء له علاقة بوجود محامين أو من يدافع عنهم، كما أن السجناء غالباً ما يحتجزون في أماكن تحت الأرض تنقصها الإضاءة والتهوية الجيدة، ولا يسمح لهم بالخروج إطلاقاً من زنزانات السجن.
كل هذه الشهادات وغيرها، تضع مشروعية الهيئات الشرعية على المحك، وتلقي بظلال قاتمة على بعض الممارسات التي تسيء إلى ثورة السوريين، وقدرتهم على إدارة مدنهم المحررة.
يعزو بعض الذين التقينا بهم هذه الانتهاكات، إلى عدم توفر شرط استقلال القضاء، ما جعل من هذه الهيئات كيانات تابعة في أغلب الأحيان للألوية العسكرية المقاتلة، وهو ما يفرض عليها التمثل بسياسة هذه التشكيلات العسكرية والرضوخ لتعليماتها. يقول أحد المواطنين الذين التقينا بهم: "تسارع الهيئة إلى اعتقال أي مذنب من المواطنين، بينما لو كان المذنب منتمياً إلى هذا التشكيل العسكري أو ذاك، فغالباً ما يتم غض النظر عنه. أمن أجل هذا خرجنا بثورتنا؟" يتساءل الشاب.
لا نستطيع ان نحمّل كل هذه الأعباء للهيئات الشرعية وحدها، إذ من المعروف جيداً طبيعة الظروف التي تمر بها المدن المحررة، حيث إنها محاصرة منذ أشهر وتكاد اتصالاتها مع محيطها الاجتماعي تكون شبه منعدمة، إضافة إلى أن الظروف المعيشية السيئة دفعت بأغلب الكوادر المتعلمة إلى النزوح مع عائلاتهم خارج هذه المدن، ومن هنا لا أحد اليوم ينكر الحاجة الملحة للكوادر المتعلمة فوجودها يحدث فرقاً في إدارة هذه المدن.
تحتاج المدن السورية المحررة في هذه المرحلة، وأكثر من أي وقت مضى، لشبانها المتعلمين بكافة الاختصاصات، الحقوقية منها وغير الحقوقية، فذلك من شأنه أن يقوي العنصر المدني في إدارة شؤون المدن المحررة. ومن شأن عودتهم، وضع حد لتمدد سلطات التشكيلات العسكرية، التي تبقى مهمتها الدفاع عن المدن وليس بسط سيطرتها عليها وادارتها.