الرئيسة \  تقارير  \  هل نترك كوكبنا للدمار؟ مؤتمر غلاسكو يشكل لحظة حاسمة

هل نترك كوكبنا للدمار؟ مؤتمر غلاسكو يشكل لحظة حاسمة

31.10.2021
جون كِتن


جون كِتن – (ميدل إيست أونلاين) 27/10/2021
الغد الاردنية
السبت 30-10-2021
التغير المناخي عملية تحدث أمام أعيننا مهددة بتدمير كوكب الأرض بما فيه من ملايين الأنواع الحية التي باتت مهددة بالانقراض بعد ان أصبح عالمنا أشد سخونة مما كان عليه في أي وقت مضى في التاريخ. وهو ما أدى إلى تعاقب موجات الحر والجفاف الشديد في مختلف أنحاء العالم، وزيادة في معدل الحموضة في مياه البحار. ويجد 20 مليون شخص أنفسهم مجبرين حالياً على الهرب سنوياً من أراضيهم بسبب الحرارة المرتفعة. وخلال الخمسين عاماً المقبلة، سيجبر 1.5 مليار على النزوح هرباً من درجات حرارة مرتفعة ستماثل المسجلة في أشد الصحارى حراً في العالم. ولنتخيل الكوكب المقفر وغير الصالح للحياة الذي سنورثه للأجيال القادمة!
تكاد مواجهة التغير المناخي تصبح من أولويات الدول الغربية والعديد من الدول الأخرى في العالم. فيما هي في منطقتنا العربية والاسلامية المتخلفة إجمالا في أسفل جدول اهتمامات الحكومات والمجتمعات المدنية والقوى السياسية، وكأن هذه الدول ليست جزءأ من هذا العالم المهدد بالانقراض. ولذلك، فإن التوعية بأهمية هذه المسألة وراهنيتها هي مهمة أولى للنشطاء المثقلين بمهمات وهموم الديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية والحياة الافضل في مثل هذه البلدان. وينبغي أن تكون إضافة هذه القضية الخطرة على الحياة البشرية إلى أجنداتهم حتمية، لأن أي تقدم في المسائل التي تلقى الاهتمام حاليا سيكون معرضا للضياع في ظل الكارثة المتوقعة للكوكب، والتي ستشمل الجميع ولن تستثني أحداً.
وأول ما يُفترض عمله لمواجهة هذه الظاهرة هو فهم طبيعتها وأسبابها، ثم النتائج الضارة التي تؤدي إليها. فالتغير المناخي هو بالدرجة الاولى احتباس حراري، أي ازدياد درجة الحرارة السطحية المتوسطة للأرض تبعا لزيادة كمية ثاني أكسيد الكربون والميثان والأوزون وغازات أخرى في الغلاف الجوي للكرة الأرضية. وتعمل هذه الغازات على احتباس الاشعة الحمراء القادمة من الشمس وتمنع انعكاسها نحو الفضاء، وهي غازات لوحظ تأثيرها الضار منذ منتصف القرن العشرين وهي في تزايد مستمر، فدرجة الحرارة اليوم هي تقريبا ضعف الدرجة المسجلة منذ 200 عام. ويساهم النشاط البشري في إنتاج هذه الغازات بوسائل مختلفة، من أهمها إزالة الغابات لتحويلها للزراعة او للعمران، والتلوث البيئي الذي تسببه الصناعة وإفرازاتها منذ بدء العصر الصناعي في العالم. ويساهم النشاط البشري، كنتيجة لحرق الوقود في المنشآت الصناعية ووسائل النقل بشكل أساسي في ارتفاع نسبة الغازات الضارة بدرجة اكبر بكثير مما تساهم الظواهر الطبيعية مثل البراكين وحرائق الغابات، وهو ما توافق عليه 97% من علماء المناخ.
من نتائج احترار الأرض بسبب الاحتباس الحراري حدوث كوارث زراعية لما قد يسببه ارتفاع درجات الحرارة من فقدان بعض المحاصيل وانخفاض الانتاج الزراعي بسبب التقلب المناخي، ما يؤدي إلى مجاعات وهجرات مليونية، بالإضافة إلى انقراض انواع من الحيوانات في حال عدم قدرتها على التنقل إلى مناطق تحفظها من الانقراض، وزيادة حرائق الغابات، وأحداث متطرفة في الطقس وحدة في تقلباته وفي الكوارث الطبيعية، منها زيادة عدد وشدة العواصف والأعاصير وتغير كمية ونمط هطولات الأمطار وسقوط الامطار الحمضية، وتوسع الصحارى المدارية نتيجة موجات جفاف، وازياد الفيضانات وذوبان الجليد في البحار المتجمدة مما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وغمر المدن الساحلية، وغرق الجزر المنخفضة. وهناك انتشار أوسع للأمراض والأوبئة والحشرات في ظل اختلال المناخ. كما أن التلوث بحد ذاته يعتبر ساما للإنسان عند وصوله إلى مستويات معينة. وكما خلق النشاط البشري هذ الظاهرة ذات النتائج الكارثية التي بدأت بعض أضرارها تظهر منذ الآن وستتوالى كما هو متوقع في العقود القادمة، فإن البشر ملزمون بوضع حلول لها قبل أن تؤدي إلى تدمير الحياة على الكرة الارضية.
الحلول متوفرة وممكنة وليست مستحيلة لو تم العمل على تطبيقها. وبما أن القضية عالمية وليست من اختصاص دولة بعينها، فإن هيئات الامم المتحدة هي الأفضل للتخطيط لعلاجها وإيجاد وتطبيق الحلول المممكنة. وهذا ما حدث بالفعل منذ العام 1992 عندما اقرت الأمم المتحدة “الاتفاقية الإطارية” التي تشكل مؤتمراتها السنوية منصة للمفاوضات على المستوى العالمي لخفض انبعاث الغازات الضارة في الغلاف الجوي كخطوة تنفيذية للاتفاقية الإطارية. ويمكن أن يتم الخفض بوسائل متعددة، منها توفير الطاقة واستعمال الطاقة البديلة للبترول والغاز والفحم، كالطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح، وحماية الغابات من التوسع الزراعي والعمراني، والحد من الصناعات العسكرية التي تنتج كميات كبيرة من غاز الكربون، واستخدام أجهزة تنقية متطورة على مداخن المصانع، واعتماد وسائل النقل الجماعية، وفرض الضرائب والغرامات على أكبر منتجي الانبعاثات الكربونية لاستخدامها في التحول للبدائل، والتركيز قدر الامكان على الصناعات الصديقة للبيئة، ووسائل أخرى. ويُذكر أن أميركا برئاسة جورج دبليو بوش رفضت المصادقة على الاتفاقية بحجة إضرارها بالاقتصاد الاميركي، وكونها لم تضم المراكز السكانية الرئيسية في العالم مثل الصين والهند.
وتلا ذلك اتفاق مؤتمر باريس للمناخ 2015 الذي صادق عليه 195 وفداً والذي وافقت عليه أميركا في عهد أوباما كأكبر بلد ناشر للغازات إلى جانب الصين، ثم انسحب منه الرئيس ترامب لكونه ممثلا لجماعات ضغط الشركات الصناعية الكبرى الأميركية وشركات استخراج النفط التي تعارض أي إجراء للحد من الانبعاث يؤثر على نسبة أرباحها. وهي تعارض إجمالا أي حلول توضع محليا أو دوليا للتقليل من الآثار الكارثية للظاهرة.
على الابواب حاليا “مؤتمر غلاسكو للتغيير المناخي” الذي سيُعقد في اسكتلندا أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث المطلوب من الدول المشاركة هو المزيد من الالتزام والتعهد بالتقليل من الانبعاثات الكربونية تمهيدا للقضاء عليها كليا بحلول العام 2050 كما تعهدت بذلك معظم الدول الصناعية الكبرى. وتقديم الدعم للبلدان المتخلفة لتستطيع أن تطبق سياسات تخفيض الانبعاث الحراري. ولا تُقتصر أهمية قمة غلاسكو على أنها ستضم حوالي 200 من قادة العالم وآلاف المندوبين، وإنما بالدرجة الأولى لكونها قمة تأتي في لحظة حاسمة، حيث يقدر العلماء أن العقد القادم خلال العشر سنوات القادمة سيكون الفرصة الأخيرة لإجراء تخفيضات جذرية في انبعاثات الكربون. وإذا لم يتم ذلك وارتفعت درجة حرارة الأرض، فلن تكون هناك فرصة أخرى. ومن دون تعهدات جذرية، فإن ذلك يعني ترك الكوكب لمصيره وتعريض العالم والبشر عموما للكوارث الأكيدة القادمة.
من هنا تأتي اهمية المظاهرات والمسيرات والوقفات التي يقوم بها النشطاء في كل مكان من العالم لحشد الرأي العام العالمي دعما لخطط المؤتمر لحماية الحياة والحفاظ على الكوكب، بالضغط على الحكومات للالتزام في المؤتمر ببرامج تغيير توقف التدهور، مع إيجاد وسيلة لمحاسبة من لم يلتزموا بما تعهدوا به ضمن خطط المؤتمر. هذا بالاضافة إلى تسليط الضوء على ما تقوم به لوبيات الوقود الأحفوري والصناعات الكبرى الملوثة للفضاء في محاولة لافشال أي خطط جدية لمواجهة التغيير المناخي. والضغط على الحكومات لتتبع دول الاتحاد الاوروبي في إعلانه حالة الطوارئ المناخية والبيئية لتسليط الجهود على مواجهة الكوارث القادمة.
وبحكم الترابط العالمي السائد في مختلف القضايا التي تهم الانسان، فإن مصير الكوكب قضية واضحة من حيث أهميتها للجميع ولكونها لا تُحل إلا بمشاركة الجميع، لا يجب أن ينشط الناس في الدول الصناعية والمتقدمة فقط، حيث أصبح النضال لحماية الكوكب هدفا لأحزاب ومنظمات مجتمع مدني مختصة بالسعي إلى صفقات خضراء توقف التدهور، بل يجب أن يتحول النشطاء في البلدان المتخلفة أو ضعيفة التصنيع، ومنها العربية والاسلامية والافريقية، إلى مشاركين فعالين من أجل مستقبلهم ومستقبل أولادهم، إلى جانب نضالهم للمزيد من التنمية الاقتصادية والمجتمعية وحرياتهم وحقوقهم الإنسانية.