الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل نستغرب الفيتو المزدوج ضد الشعب السوري ؟!!

هل نستغرب الفيتو المزدوج ضد الشعب السوري ؟!!

28.05.2014
د. خالد حسن هنداوي


الشرق القطرية
الثلاثاء 27/5/2014
لم نستغرب الموقف الذي كررته روسيا والصين للمرة الرابعة، في استخدام حق النقض ضد مشروع قرار إحالة ملف الجرائم في سورية إلى محكمة الجنايات، نقضا للعدالة وانتهاكا صارخا لحقوق السوريين بعد 3 سنوات من الحرب.. ولا شك أن هذا التعطيل يعطي مزيدا من فرصة القتل الممنهج والتدمير الرهيب للنظام السوري, وإن فرنسا التي تقدمت بهذا المشروع إلى مجلس الأمن بل الخوف لإدانة المجرمين وملاحقتهم قضائيا والتي شعرت بحزن لخيبة أملها بالموافقة عليه لتعرف هي والدول المصوتة معها أن الفيتو المزدوج سوف يستخدم، فلا داعي للعجب بعد ذلك لأنه إذا عرف السبب فقد بطل العجب, وإذا لاحظنا أن الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن هي من يتحكم بقراراته، سيما أنها تدفع نصف ميزانية المجلس وتستخدم هذا المال السياسي لتطويق قراراته يزول عجبنا.. بالإضافة إلى إدراكنا مدى فداحة الظلم والكبر والقهر بل والسخف المتأتى من مجلس الأمن الذي يعقد بحق النقض لمثل هذه الدول التي نصبت أنفسها سماسرة في سوق الجبارين، ولذلك كان المفكر مالك بن نبي- رحمه الله- يقول: إن هذا المجلس بصفته الحالية مجلس مشؤوم وقد طلع إلينا مشوه الخلقة منذ ولادته, ونذكر كذلك قول المفكر أرنورد توينبي في كتابه مختصر تاريخ الحضارة 4/196: إن ميثاق الأمم المتحدة ميثاق سخيف لأنه تضمن حق النقض من الدول الخمس الكبرى، حيث يمكن بموجبه إجهاض أي قرار لنصرة المظلوم, وهذا هو الواقع الذي عرفناه من قبل في أمثلة عديدة وخصوصا فيما يتعلق بفلسطين من قبل أمريكا, ويتكرر بكل وقاحة إزاء القضية السورية حاليا ضمانا لمصالح الدول ذات الصلة, دون الاكتراث بحق الشعوب ولا بالاستنكار الذي تواجهه ممن صوتوا مع فرنسا من مسؤولي 13 دولة، أجمعت أن هذا الموقف يؤدي إلى فقدان هذا المجلس مصداقيته، وينذر بعواقب وخيمة قد تجر إلى حروب إقليمية بل عالمية, وفي غلبة ظننا أن ما يسمى بالمجتمع الدولي وهو مختزل في معظمه بالمنظومة اليهودية المؤثرة الوالغة فيه غير جاد في حل القضية السورية، وأنه يفضل بقاء مجرم الحرب الأسد في السلطة ولا نقول الدولة، لأنه يضمن مصالح الجميع تحقيقا لأمن إسرائيل التي لن تقبل ببديل إسلامي أو وطني يفكر بأنها ستكون في المرمى عاجلا أو آجلا, وكما يريد الصهاينة وحلفاؤهم إنتاج هذا اللا نظام من جديد فإن تفسير السفير السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري يبرر لانتخابات "سميه بشار" بأن مشروع القرار ما هو إلا محاولة لتقويض هذه الانتخابات الرئاسية القادمة في 3 حزيران، مدعيا أن الحكومة السورية شكلت لجنة وطنية منذ بداية الأزمة للتحقيق في الجرائم رافضا أي تحقيق خارجي متناغما مع نظيره الروسي فيتالي تشيركين.. وأن المشروع حيلة دعائية قد تقوض الأمن والحل السياسي في سورية وما هو إلا لافتعال تأجيج المشاعر ولاتخاذه سببا في التدخل الخارجي, وكذلك ما قاله نائب السفير الصيني وانغ مين من أن الصين لديها تحفظات على إحالة الملف إلى الجنائية لأن ذلك يعقد المشكلة ومعاناة الشعب السوري والدول الأخرى في المنطقة.. وهكذا نجد أن الدولتين اللتين تسعيان لتحقيق مصالحهما الاقتصادية والسياسية في العالم وبعث القطب الثنائي أو المتعدد في مواجهة أمريكا، جعلتا الساحة السورية بقدر أكبر، مجالا فسيحا للعب الرخيص قفزا على الدماء والأشلاء، وإن المجلس يجاريهما دون أي موقف جدي ولو بقرار لوقف إطلاق النار في البلاد, نعم إنه لن يفعل ذلك لأن الحراك السلمي سيعود وعندها يخشى من الإطاحة بالأسد، وهذا ما هو غير مرغوب في "بازار" المصالح الدولية, وإنه لن يفوتنا أن نذكر بأن القضية السورية أدت إلى تقارب كبير بين روسيا والصين بعد علاقات كانت فاترة تاريخيا بسبب الخلاف في فهم تطبيق المنهج الشيوعي, ولكن المنافع التي فرضت نفسها بينهما ووقوفا ضد التفرد الأمريكي، فقد جرت العلاقات والتطورات كونهما يشتركان في اللجنة السداسية للموضوع الكوري الشمالي, وأنهما عضوان في منظمة شنغهاي، وكذلك في كتلة البريكس في مجلس الأمن وكذلك اتفاقهما على منع التدخل الخارجي في الشأن الداخلي لكل دولة، فالصين تعاني ما تعاني من إقليم سينغيانغ، وطلب المسلمين الانفصال عنها وكذلك روسيا، وما تعانيه من الحركات الإسلامية في القوقاز وخلافه, وقد أيدتا عدم تغيير النظم بالقوة مع أنهما تفعلانه بالقوة في إقليم الصين المذكور وفي أوكرانيا، حيث تدخلت روسيا بالقوة, وروسيا تريد كبح جماع أمريكا التي تنفق عسكريا 23 ضعفا عنها..
أما من الناحية الاقتصادية.. فقد أشار بوتين خلال اللقاء مع مسؤول في مجلس الشعب الصيني سبتمبر 2011 أن حجم التبادل التجاري بلغ 70 مليارا، وسيكون عام 2015, 100 مليار و200 مليار في عام 2020، زد إلى ذلك بعد التدخل في أوكرانيا اتفاق وقعته روسيا مع الصين قبل أيام بقيمة 400 مليار دولار لتوريد الغاز إليها لمدة 30 عاما من قبل شركة غاز بروم الروسية، فروسيا والصين لا تهمهما إلا مصالحهما.. وهما تلتقيان اليوم مع سورية الأسد وليس الشعب والثوار ولا ننسى تعاونهما العميق مع إيران التي تعتبر ربيبة لروسيا ولها علاقتها المميزة اقتصاديا مع إيران التي تعتبر أن سقوط النظام السوري سيمثل انتكاسة كبيرة لمشروعها الإقليمي وستخسر نفوذها في الشرق الأوسط، ولذا تسعى بلا حدود لدعم الأسد، حيث يلتقيان في خانة الأيديولوجيا الظالمة, ومما يعزز ذلك أيضا أن إيران تعمل هي وروسيا والصين وأمريكا وإسرائيل وحلفاؤها على بقاء الأسد مما لم يعد خافيا حقيقة, وأن روسيا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل منذ عام 1984 على يد إستالين، وهجرت مليون يهودي إليها، وها هو بوتين يزورها قبل أشهر، ويقول: إنه لن يستطيع أحد أن يقطع العلاقة بيننا وبين اليهود، ولذا فإنه لا يمكن اختزال موقف روسيا في سورية بقاعدة طرطوس وبيع السلاح والمكاسب الاقتصادية كما هو الشأن مع الصين، وإنما بفهم الواقع كليا، وأن الصين رغم المد والجزر في العلاقة مع إسرائيل تاريخيا إلا أنها منذ الثمانينيات بدأت العلاقة وقد صارت رسمية عام 1989، وأعلن عنها بعد مؤتمر مدريد 1991 وبلغت الصادرات والمستوردات الاقتصادية بينهما مليارات الدولارات..
وهكذا فإننا أمام مشهد المؤامرة الحقيقية الكونية على الثورة السورية وليس على سورية الأسد، ولن تستطيع الثورة الصمود الحقيقي إلا باعتمادها على شعبها وتطوير سلاحها، وكسب ما يمكن من الأصدقاء الأوفياء عمليا في غياب مجتمع دولي لم يتحمل شيئا ذا بال من مسؤولياته.