الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل هناك أفق حل للأزمة السورية؟

هل هناك أفق حل للأزمة السورية؟

15.02.2016
عبد الله بن علي العليان



الشرق القطرية
الاحد 14/2/2016
 
لا شك أن الأزمة السورية تعد من أعقد الأزمات العربية الراهنة، لأسباب كثيرة، لعل أهمها أزمة الثقة بين النظام السوري والمعارضة التي لها حضور دولي وإقليمي في الأشهر الماضية، ذلك أن هذه المعارضة التي تضم كل أطياف الشعب السوري، عدا جماعات التطرف والإرهاب التي ترفض بالأساس الحلول السلمية ، فلم تعد هذه المعارضة المعتدلة قابلة ببقاء هذا النظام في الحكم، بسبب غياب الحريات منذ فترة طويلة، والقبضة الشمولية على سوريا منذ ما يقرب من 60 عاما على كل مفاصل سوريا بالقوة العسكرية، دون أن يتنازل عن بعض الإصلاحات الداخلية التي وعد بها في 2005، وأصبحت هذه الإصلاحات من ضرورات هذا العصر وتحولاته السياسية والفكرية، وهذه الثقة المعدومة بينهما، تجعل تقارب وجهات النظر شبه معدومة بين الطرفين في المباحثات الأخيرة التي جرت جنيف3، وهذا ما جعل هذا المؤتمر، حسب ما قال دي ميستورا، إن على الفرقاء "القيام ببعض الإجراءات قبل أن يبدأوا مفاوضات حول المسائل إنسانيةـ وأضاف دي ميستورا ،كما سمعت من المعارضة أن الحلول (الإنسانية) ملحة بالنسبة للشعب السوري. واستنادا إلى ذلك، فإنني توصلت إلى استنتاج صريح مفاده أنه بعد أسبوع من المحادثات التمهيدية، بقي هناك عمل كبير لا بد من إنجازه، وليس علينا وحدنا القيام به بل على الأطراف المعنية أيضا".
وقد تأجل اللقاء إلى الخامس والعشرين من الشهر الحالي لمزيد من المشاورات السياسية بين الفرقاء، لكن الأوضاع زادت من حدة هذه الأزمة وتعقدها كثيرا للأسباب التالية:
أولا: دخول روسيا عسكرياً في هذه الحرب، داعمة للنظام القائم، من خلال الهجمات العسكرية الجوية، تعرضت لها المعارضة المعتدلة، وعلى جماعة داعش، لكن المواطنين السوريين في كثير من المدن السورية لحقهم القتل والتدمير والهجرة أيضا، وهذا يكشف أن روسيا تقف مع بقاء النظام، بحكم أن روسيا ترى أن النظام السوري هو من بقي لها من الحلفاء السابقين، أيام الاتحاد السوفيتي، وفترة الحرب الباردة الذي كانت سوريا ضمن المعسكر المعادي للغرب الليبرالي الرأسمالي، وهذا ما جعل الرئيس بوتين يتحرك سياسياً وعسكرياُ، يعتقد البعض أنه يسعى لإعادة مجد الاتحاد السوفييتي، بعد الانهيار الذي أصاب المعسكر الاشتراكي، وتداعياته وأدت إلى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى دول منفصلة عن هذا الاتحاد، لكن البعض يرى أن روسيا تريد أن تعلب دوريا سياسياً في المنطقة، بعدما أصبح الغرب بقيادة الولايات المتحدة، هي المهين والمؤثر في المنطقة، بعد غزو العراق في 2003، وسقوط النظام العراقي السابق الذي كان حليفاً للاتحاد السوفيتي، لكن روسيا تعرف أن الرغبة الأمريكية في سقوط النظام في العراق، فوق استطاعة روسيا إيقافه أو الوقوف في وجهه، أو حتى مساعدة الرئيس صدام في صد هذا الغزو واحتلاله! لكن بالنسبة لسوريا وعدم اتخاذ موقف قوي مثلما فعل الغرب في دول عديدة، له أسبابه عند الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهذا له حديث آخر.
ثانيا: أما الموقف الدولي من الأزمة السورية، فلم يكن بذلك الموقف القوي الحاسم، وهذا يرجع إلى الدول الكبرى المؤثرة في مجلس الأمن، والمتمثل بالولايات المتحدة وبعض الدول الغربية التي لها حق الفيتو (النقض)، وهذا يرجع إلى موقف الغرب من التحولات في العالم العربي قبل عدة سنوات. ويرى بعض المحللين أن إسرائيل تتخوف من أن يأتي حكم إسلامي راديكالي أو عنيف يأتي بديلا للنظام الحالي، فيما لو رحل هذا النظام من الحكم، أو أسقط بالقوة المسلحة من قبل المعارضة، والذي لم يكن معاديا عنيفاً للاحتلال الإسرائيلي، منذ احتلال الجولان في عام 1967، كما لم يكن له نشاطات عسكرية على الحدود مع إسرائيل بعد هذا الاحتلال، عدا مساعدته لحزب الله من خلال السلاح الذي يمر عبر سوريا خلال العقود الماضية، وهي المنفذ الوحيد للسلاح الذي يمرر إلى لبنان، ولا شك أن الموقف الغربي يتأثر من الموقف الإسرائيلي وانزعاجه من النظم حوله، وفق ما تمليه النظرة الإسرائيلية للمنطقة ونظمها، والغريب أن روسيا، عرفت الموقف الغربي جيدا وخاصة الولايات المتحدة من الأزمة السورية، ولذلك تأكد لدى روسيا أن الموقف السياسي الأمريكي والغربي من النظام السوري، ليس قويا، بالمقارنة بما جرى في العراق، قبل 2003، وأن روسيا رأت الفرصة مناسبة للتدخل لمساعدة للنظام السوري، تحت مسمى محاربة الإرهاب، لكنها تقاتل حتى المعارضة المعتدلة في العديد من المدن التي تسيطر عليها، وهذا ما جرى الحديث عنه والنقد من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية. ومن هنا فإن الوضع في سوريا في غاية الصعوبة في هذه الفترة، بسبب المسافات الكبيرة غير المتقاربة بين المعارضة والنظام، وأيضاً فإن روسيا وبقية الدول الكبرى لهم وجهات نظر مختلفة في كيفية إحلال السلام بعد وقف القتال، فالمعارضة السورية مع بعض الدول الإقليمية، تطالب بترتيبات جديدة، لا يكون للرئيس بشار الأسد أي دور في هذه الترتيبات، والتي تعد فترة انتقالية، تجري بعدها الانتخابات، ويختار السوريون ما يرونه عبر صناديق الاقتراح، لكن روسيا وإيران، تريان أن الرئيس بشار جاء عن طريق إرادة شعبية، ومن خلال انتخابات شعبية تقول المعارضة إنها مزورة، وإن هذه الترتيبات يجب أن لا تستبعد الرئيس بشار من هذه الفترة الانتقالية، وهذه إشكالات لا يتم حلها سريعا في مؤتمرات تجمع كل الأطراف في عشرة لقاءات، بسبب أن هناك أزمة ثقة كبيرة بينهما، كما أشرنا آنفا بين النظام والمعارضة، وهذه سوف تسهم في تأخير الحل النهائي للأزمة في سوريا ربما لأشهر مقبلة إلا إذا اقتنع الجميع بالحل خاصة النظام، فإن استبعاد الرئيس بشار ربما يكون العقبة الكبيرة في الحل المرتقب، وهذا قد يدفع بعض الدول مع المجتمع الدولي إلى الحل العسكري الذي ربما يصبح حلاً لابد منه لإنهاء الأزمة السورية وتغيير النظام القائم والقضاء على الجماعات.