الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل هو مجلس أمن... أم مجلس خوف؟!

هل هو مجلس أمن... أم مجلس خوف؟!

24.12.2015
د. خالد حسن هنداوي



الشرق القطرية
الاربعاء 23/12/2015
وانفضّت لقاءات مجلس الأمن، بل الخوف مؤخراً بقرار تاريخي لوقف إطلاق النار في سوريا - على ما رسموا - وأنهى الممثلون الكبار أدوارهم في مسرحية ما يسمى الأزمة السورية وهي إلى القضية أقرب، وجاءوا بالمبشّرات على ما وصفوا. إلا أن المطّلعين الذين يمتلكون شيئاً من إرادة المعرفة وزاد المداد والبصيرة انقسموا فريقين، فالأكثر يرون أن هذه الجلسة قد استوت طبختها المسمومة من قبل هؤلاء الكبار الصغار، بمعنى أن دولهم كبرى وعظمى ربما بما تختزنه أو تستخدمه من مقدّرات، ولكنها صغيرة حتى لا تكاد أن تُرى معنوياً، بل حسياً في السياسة الأخلاقية، براجماتية، كذب، تناقض، جشع عجيب، تآمر مع تجار السلاح والإعمار، حيث إن من المعلوم أن اللصوص شركاء في الممارسة الوحشية القذرة للإيغال في دماء الأبرياء وقتل الأحرار وتدمير الديار واعتقال النشطاء واستشهاد الآلاف تحت التعذيب، وتشريد الملايين، والاعتداء على النساء.. وكل هذه المآسي التي تنوء بحملها الجبال الراسيات من أجل أن يبقى طاغية يستعملونه خادماً بعربون الكرسي والثروة والشهرة، وهذا ما يروق لهم، فالأسياد والخدّام ليسوا حمقى، وإنما هم عملاء وعرّابو معسكر الباطل لمناجزة أي موكب حق يظهر.
أليست سوريا التي اجتمعوا لأجلها هي أول ضحاياهم وذلك حين استدعى كيري ممثلَ سوريا الحكومي بشار الجعفري ليقول كلمته، وكان الأستاذ مازن الهاشم قد كتب منذ سنين كتاب" أمريكا بلد المتناقضات" أجل أوباما وكيري يصرّان - ظاهرياً لإحكام اللعبة - الأسد فقد شرعيته و...فكيف يُقبل كلام ممثله ويُستبعد الشعب الثائر.. ولا يستغرِب هذا الفريق، فهو يرى أننا قد غدونا أغناماً وأيتاماً على موائدهم، وما كيري ولافروف ومَن لفّ لفّهما إلا قمة الإرهابيين بأمر الصهاينة وإيران، وإرهابهم لا يوازيه إرهاب.
إنه الاتحاد الظالم على التمسّك بالأسد السفاح وداعميه رغم كل هذه المجازر منذ قرابة خمس سنوات، أليس هذا تواطؤاً فاضحاً، وكأن الأمة قد عقمت أن تلد زعيماً، بل إننا نقول ما أكثرهم وما أقدرهم، ولكنها المعاذير التي عرّتها ثورتنا الفاضحة، ولا ريب أنه الحقد على الحق الذي يجب على أنصاره أن يهبّوا خفافاً وثقالاً، فالعالم لم يعد يعترف إلا بالقوي كما قال سعدي:
انظر لذاك اللئيم الفَسْل كيف أبى بأن يُشاهد يومــاً وجه ذي شرفِ
لا يعتني بســـوى إشباع رغــبته ولو رأى الشعب في نارٍ وفي تَلَفِ
وينسحب هذا الكلام على تركيا ومصر والعراق واليمن وليبيا وإفريقيا وبورما تحذيراً، وليس لأحد أن يَعجب، فإسرائيل أمرتهم بتدمير سوريا لتَدخُلَها دون عناء وقتال، ثم مصر والعراق وهكذا، أضف إلى ذلك الاعتداءات الشيعية المدروسة على العرب والمسلمين عموماً والشرق الأوسط خصوصاً.
ثم يردف هذا الفريق: إنه لا تهمّنا التصريحات المعسولة وكلام الائتلاف والاتحاد والتقريب الفارغ مع أهل السنّة، لأن جميع المعطيات على الأرض فعلياً غير ذلك، وهو وحده الذي يهم شعوبنا المظلومة.
أما الفريق الآخر فيرون أن مجرد صدور قرار أممي بوقف إطلاق النار في سوريا يُعتبر خطوة حسنة لمجلس الأمن، ويمكن أن نبني عليها سياسياً بعد ذلك، لاسيّما أن اجتماعات هذا المجلس السابقة كلها كانت تصطدم بالفيتو الروسي الصيني، وما علينا إلا العمل والمثابرة، فالحراك السياسي ربما لا يقل وزناً عن القتالي غالباً، وربما كان بمثابة الانتحار الحلال.. إلا أننا نعود لنعيد أن التاريخ شهد قديماً ويشهد اليوم أن القوم الذين يريدون بأوطاننا سوءاً لم تتغير طباعهم وأن الطبع قد غلب التطبّع والذي يجرّب المجرّب فعقله مخرّب كما يقول المثل، ولم أجد دليلاً أقوم قيلاً من كلام الحق سبحانه: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
وقد اعترف جيمي كارتر سابقاً أن مشاعره المؤيدة للصهيونية كانت الحافز الذي صاغ سياسته في الشرق الأوسط، كما اعترف القِس فرانكلين جراهام في خطبة أمام بوش الابن أن الإسلام هو الظلام وأن المسيحية هي النور، فانبرى بوش قائلاً: لقد غرزت بذور الإيمان في قلبي، وسأمتنع عن المسكرات، وجاء خلَفه اليوم المرشّح الجمهوري (ترامب) ليعلن في حملته الانتخابية الجديدة بعد انقضاء فترة أوباما أنه سيعمل على طرد المسلمين ومنعهم من دخول أمريكا، وقد امتدح موقفه هذا بوتين الشرير، فالكبار الصغار الذين يموّلون مجلس الأمن لا يُرتجى منهم ومنه أي خير لسوريا وللبشرية، ومؤامراتهم على تركيا لم تعد تخفى على أحد، واستعمالهم الشيعة الصفوية كأُجَرَاء لمخططاتهم لم يعد مستوراً، إلا أن انتصارات الثوار المتلاحقة ضدهم وما يسمى حزب الله قد سحقت هيبتهم المزعومة في العالم، ولم تعد مجازر (دوما) الشهيدة وإدلب الذبيحة وحلب الجريحة إلا منائر في دياجير الدروب التي تبدو أنها مظلمة.