الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يتجه الأردن نحو إعادة التموضع في الملف السوري؟

هل يتجه الأردن نحو إعادة التموضع في الملف السوري؟

15.05.2014
ناصر لافي


القدس العربي
الاربعاء 14/5/2014
تنشغل نخبة القرار في الأردن بالملف السوري راهنا، في محاولة على ما يبدو لبلورة موقف يهيئ البيئة المناسبة لإعادة التموضع العلني من أطراف الصراع هناك، قبيل أو بالتزامن مع ما يسمى بانتخابات الرئاسة المرتقبة.
على الأرض، خضع الموقف الأردني لتحولات في محطات عديدة خلال المسار الزمني للأحداث، وانتقل من الدعوة إلى تنحي بشار الأسد إلى لغة دبلوماسية هادئة؛ إذا لم نقل ناعمة إزاء النظام، الذي يبدو أنه حقق مكاسب على الأرض بفعل الدعم الروسي الإيراني وعجز أو تواطؤ داعمي الثورة. مؤخرا، اتهم معارضون سوريون الأردن بتهدئة الجبهة الجنوبية، وتقييد أو تقليم أظافر الثوار هناك، وإذا ما صحَّ ذلك، فهي رسائل إيجابية للنظام السوري، الذي كان منذ فترة يتهيأ للسيناريو الأكثر رعبا، والمتمثل بتطور قدرات ثوار الجنوب للانقضاض على دمشق القريبة، وبالتالي حسم جزء كبير من المعركة. اليوم لم يعد النظام مهددا، والفضل يعود بحسب اتهامات الثوار الجنوبيين ليس للإسناد الدولي والإقليمي وتدخل الميليشيات الطائفية من شرق سوريا وغربها فحسب، بل أيضا لما تقرره غرفة العمليات الأمريكية السعودية الأردنية المشتركة في عمان من ترتيبات.
وفي هذا الصدد، يسوق من يتبنون هذا الرأي اعترافات منسق ‘غرفة العمليات’ في الجنوب السوري العقيد أحمد النعمة، كأحد أبرز الأدلة على دور هذه الدول في منع حسم المعركة. وبصرف النظر عما إذا كانت اعترافات النعمة المعتقل لدى جبهة النصرة قد أخذت تحت الضغط أم لا، فإنها تعبر على الأقل عن وجهة نظر الجهة التي تعتقله (التيارات الإسلامية النافذة في الساحة السورية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص)، كما تكشف عملية الاعتقال عن تضعضع نفوذ ‘غرفة العمليات’ هناك، وتحول في المزاج العام ضد أمريكا والسعودية والأردن. وقد علقت صحيفة ‘وورلد تريبيون’ الأمريكية على غارة الطيران الحربي الأردني على الحدود مع سوريا، فأكدت بأنها استهدفت قافلة من المسلحين المعارضين للنظام، فيما نقلت صحيفة ‘نيويورك تايمز الأمريكية تذمر معارضين سوريين في الجنوب على وجه التحديد من دور غرفة العمليات المشتركة، التي اتهموها بتقديم ما يكفيهم للبقاء على قيد الحياة وليس لتحقيق النصر، في ما يعتقدون أنه جزء من استراتيجية خبيثة لإطالة أمد الحرب. وتدلل الصحيفة على حقيقة هذه الإستراتيجية، بالإشارة إلى أن الداعمين للثوار السوريين في الجنوب يدفعونهم في بعض الأحيان لتجنب ضرب الأهداف الحيوية كجزء من مخطط الإبقاء على الحرب ونارها مشتعلة.
وهكذا يبدو من الواضح أن استراتيجية غرفة العمليات المشتركة التي تستقر في عمان تعتمد إبعاد الثوار (خصوصا الإسلاميين) عن المناطق الحدودية ومنع إسقاط النظام كي لا تستحوذ ما تسمى بالحركات الجهادية على السلطة هناك، وهو التهديد الذي يحتل صدارة أولويات أمريكا والسعودية والأردن، ويمثل القاسم المشترك الأعظم بينها. اللعبة التي تجري لإدارة الصراع تتزامن مع محاولات محمومة لدى معسكر داعمي النظام السوري بهدف حسم المعركة أو تعظيم نقاطهم، ويتبدى ذلك بشكل واضح في الدعم الروسي الإيراني والتدخل المباشر لحزب الله اللبناني وبعض الميليشيات العراقية ميدانيا. ورغم أن الواقع لا يزال متأرجحا، إلا أنه مال بطريقة واضحة (سياسيا وعسكريا) لصالح النظام خلال السنة الماضية؛ على الأقل بما عزز ثقة المستمسكين بالسلطة في سوريا بأنفسهم إلى درجة خرجوا فيها يعلنون قرب حسمهم المعركة.
الدور الأردني يبدو أنه يلاقي كذلك قبولا لدى داعمي النظام السوري، وهو ما يفسر بعض الخطوات الدبلوماسية كزيارة وزير الخارجية الإيراني ونمو العلاقات الأردنية العراقية بشكل لافت خلال السنة المنصرمة، وأخيرا تصريحات النظام السوري تجاه الأردن وتخفيف الحملة الإعلامية ضده، وإذا صحّت هذه النظرية، فإن إعادة التموضع الأردني إزاء الملف السوري قد تمت بالفعل. وربما يتم الإعداد لإخراجها على شكل مواقف سياسية قريبا، قد يكون من بينها الاعتراف بشرعية رئيس النظام السوري المقبل، وإعادة إرسال السفير الأردني إلى دمشق أو على الأقل عدم الاصطفاف إلى جانب الرافضين لشرعية الانتخابات. وعند الحديث عن إعادة تموضع أردنية، فهي بالمناسبة لا تأتي بشكل معزول عن موقف أمريكا والسعودية، لا سيما أن وزير الدفاع الأمريكي سيجول مجددا على المنطقة، بينما تنشط مفاوضات ‘النووي الإيراني’ وتتحدث أطراف عن تسوية في ملف انتخابات الرئاسة اللبنانية. وهكذا فثمة مؤشرات إلى ما يمكن وصفه بإعادة تموضع عدد من الأطراف، والسؤال لصالح من وعلى حساب من؟ هنا تبرز مباشرة على السطح فرضية تقول إنه تموضع لصالح النظام السوري وحلفائه، على حساب ما يسمى بالحركات الجهادية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن تنهي تسوية مفترضة بهذا الشكل أو قريبا منه الصراع؛ لا سياسيا ولا عسكريا، لكنها سترسخ اصطفافات جديدة قد تكون بدورها وقودا لحلقات متجددة من الصراع، وهو الأمر الذي قد يكون مطلوبا ومفيدا للأطراف المتورطة بالأزمة السورية.
في الأردن يدور الحديث عن المصالح المحلية في ما يتعلق بالملف السوري، ومن بينها اللاجئون والتبادل التجاري والمخاطر الأمنية الناشئة عن تزايد نفوذ من يوصفون بالجهاديين في سوريا، لكن المتابع لتطورات الموقف السياسي المحلي إزاء الأزمة يلحظ رابطا يتعلق بالدرجة الأولى بموازين القوى على الأرض والموقف السياسي الدولي والإقليمي مما يجري، فعندما كانت الجماهير تمور في غير بلد عربي، وكان الجميع يترقب سقوط النظام السوري بادر الأردن إلى مطالبة بشار الأسد بالتنحي، وعندما ترابطت خيوط الدول النافذة إزاء الأزمة وفشل المسار السياسي وتقدم النظام السوري بفضل الدعم الروسي الإيراني، ما لبث أن غير موقفه.
ولكن هل سيذهب الأردن إلى حد التنسيق مع النظام السوري لملاحقة ‘داعش’ و’النصرة’ والتوافق على ما يمكن وصفه بصيغة الإقرار بصيغة الواقع الأقل سوءا (خيار النظام).
ان ما يجري في سوريا يؤكد أن أطرافا عديدة متشابكة تريد إبقاء الماء على النار، لكنها لا تكف عن التدخل لمنع وصوله إلى درجة الغليان، وهو الأمر الذي يفسره مراقبون باستخدام ما يجري هناك لوقف اندفاعة الإرادة الشعبية ‘الربيع العربي’، وإحباط المتشوقين لدحر الاستبداد، وتشويه واستنزاف الحركات الجهادية، وتجريد هذا البلد من قوته، كما تم تجريد غيره من القوى الإقليمية من قوتها الإستراتيجية، واستخدام الورقة السورية في مساومات دولية (الاستقطاب الأمريكي الروسي) ومساومات إقليمية (الملف النووي الإيراني).
أخيرا فتحول المزاج الثوري ضد الأردن في الجنوب السوري، ربما يسرِّع من اندفاعة الأردن الرسمي لترميم علاقته بنظام الأسد، لكنه سيسرِّع في المقابل من تطرف موقف الثوار ضده وسيزيد من متاعبه الأمنية بعد أن يتحول طرفا مباشرا في المعركة التي ستركز على من يوصفون بالجهاديين.
‘ كاتب اردني