الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يدفع السّوريون مجدداً ثمن اتفاق أميركي- إيراني؟

هل يدفع السّوريون مجدداً ثمن اتفاق أميركي- إيراني؟

12.12.2020
بسام بربندي


النهار العربي  
الخميس 10/12/2020 
لا يحمل السّوريون الكثير من الذكريات الإيجابية من فترة الرئيس السابق باراك أوباما وفريقه. فخلال فترة ولايته، استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية مرات عدة، متحدّياً الخط الأحمر الذي وضعته الإدارة الديموقرطية، كما شهدت تلك الفترة أكبر موجة نزوح بشري منذ الحرب العالمية الثانية، وتدخلت إيران وروسيا عسكرياً 
مع نظام الأسد ضد شعب أعزل بغالبيته، وشهدنا تغييراً ديموغرافياً في الكثير من المناطق السورية وغيرها من المآسي الكثيرة المعروفة والموثقة.  
 والسوريون مقتنعون بأنهم دفعوا ثمن الاتفاق الإيراني - الأميركي - الدولي في الملف النووي. وعوضت الإدارة غياب أي سياسة حازمة تجاه الأسد بتقديم مساعدات إنسانية كبيرة للنازحين واللاجئين السوريين، وعملت على دعم المجتمع المدني الذي يخدم أجندتها في بلد يشهد صراعاً تشارك فيه جيوش دول عدة ولا صوت فيه للعقل ولا للمجتمع.  
برغم عدم وضع إدارة الرئيس ترامب الأزمة السورية على سلّم أولوياتها، إلا أن سياستها تجاه إيران وممارستها الضغوط الكبيرة والمتنوعة عليها، واعتبار الأسد إحدى الميليشيات الإيرانية الواجب وضع حد لها، أثارت أملاً لدى الكثير من النازحين والمهجرين السوريين بأن العودة الى بيوتهم وأراضيهم لم تعد حلماً، وأن الضغط يمكن أن يدفع للتقدم في الحل السياسي. 
 وساهمت العقوبات بإظهار الهشاشة الاقتصادية والإدارية للنظام، وساهم القصف الإسرائيلي لمواقع تابعة للميليشيات الإيرانية بإظهار هشاشة جيش النظام وعدم رغبة روسيا بمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.  
انتصار الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية مؤخراً، أعاد للسوريين هواجس إدارة أوباما. والسؤال الذي يطرحونه هو: هل سندفع الثمن مرة ثانية!! فالقيم الأميركية من حرية وديموقراطية وحقوق إنسان تبقى داخل حدود الولايات المتحدة، أما في الخارج فهي مصالح الولايات المتحدة أولاً وأخيراً، والمآساة السورية أكبر مثال على ذلك. 
 ومما ساهم بزيادة هذه الهواجس هو ما ورد عن سوريا في الورقتين السياسيتين اللتين طرحتهما  الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي جو بايدن، حيث أشارت الى نقطتين: 
الأولى: تشجيع إعادة الإعمار في سورييا كرسالة الى روسيا، والثانية: دعم المجتمع المدني وقوات سوريا الديموقراطية (قسد).  
ولم تشر الورقتان الى طريقة التعامل مع نظام الأسد أو اللاجئين أو قرارات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا أو غيرها من الأمور البديهية، بل أشارت الى أهمية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.  
المصاعب الداخلية التي واجهت الإدارة الحالية وهي نفسها ستواجه الإدارة القادمة، مثل كورونا والبطالة والاقتصاد وانقسام المجتمع الأميركي، ما قد يعني عدم القدرة على التركيز على السياسة الخارجية كأولوية على الأقل في الأشهر الأولى من الإدارة القادمة.   
ويترافق ذلك مع: أولاً الانتخابات الرئاسية الإيرانية في منتصف العام المقبل، ما يعني أن الإيرانيين يفضّلون الانتظار إلى ما بعد الانتخابات لإجراء أي مفاوضات جدية مع الجانب الأميركي، وثانياً انتخابات الرئاسة في سوريا.   
 وهنا يوجد مجال للعمل. 
ما أن سوريا ليست موضوعاً خلافياً بين الإدارة الحالية والإدارة المقبلة، فيمكن الإدارة الحالية والمقبلة التركيز  على إعادة ترتيب المعارضة السورية بشكل تكون قادرة على مواجهة الانتخابات المقبلة، وذلك عن طريق العمل مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا ومصر ودول الخليج على إجراء انتخابات سورية وتوفير تمثيل حقيقي وشرعي للشعب السوري في مؤسسات المعارضة من ائتلاف واللجنة الدستورية بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والمحاصصة بين منصات سياسية لا تشكل أي تمثيل شعبي، بل هي وجدت لتخدم مصالح الدول التي تستضيفها وتحمل اسمها. 
ما قام به الائتلاف مؤخراً بإنشاء هيئة للانتخابات، ثم ما طرحه وفد المعارضة في اللجنة الدستورية من أفكار على وفد النظام، تتضمن إنشاء هيئات لضمان عودة النازحين ولإطلاق سراح المعتقلين، واعتباره أن الانتخابات هي الطريق لتحديد مواضيع الدستور يبدو  أقرب الى الأفكار الروسية والنظام وبعض الدول الإقليمية منها الى ما يطلبه الجزء الأكبر من الشعب السوري عندما قام بالثورة. 
 ولنجاح هذه الخطوة، يجب أن يشارك فيها أكبر عدد من السوريين الموجودين خارج مناطق النظام، والذين يتجاوز عددهم تسعة ملايين سوري مغترب ومهجر ونازح يمثلون كل مكوّنات الشعب السوري عرقياً ودينياً. وتحقيق هذا الأمر سيعطي المجتمع السوري والدولي ورقة قوة مفقودة الآن لمواجهة تمدد الدول الإقليمية في سوريا وإعادة القضية السورية للسوريين وعدم استخدامها كجائزة ترضية في الاتفاقات الإقليمية التي قد يتم التوصل اليها مع الإدارة الأميركية القادمة. 
 أما الاكتفاء باعتبار أن الانتخابات المقبلة غير شرعية، فهذا لن يغيّر من واقع الأمور، كما أن رشوة الأسد ليقوم بإصلاحات مقابل رفع بعض العقوبات عنه، فهذا عملياً ما يتمناه هو  وداعموه.  
يجب إعادة القضية السورية إلى السوريين، وعلى الدول مساعدتهم لا المقايضة على قضيتهم، وهذا ما يجب العمل عليه في خلال الفترة المتبقية من الإدارة الحالية ومع الإدارة المقبلة.