الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يذهب بوتين الى حد التخلص من بشار الأسد؟

هل يذهب بوتين الى حد التخلص من بشار الأسد؟

02.04.2016
غازي دحمان


المستقبل
الخميس 31/3/2016
إنتهت المرحلة الاولى من مفاوضات جينيف بين وفدي المعارضة ونظام الاسد دون تحقيق تقدم يذكر، رغم كل الجهود التي مارسها الوسطاء والاطراف الدولية، ورغم محاولات الوسيط الدولي ستيفان دي مستورا البحث عن نقاط مشتركة يتوافق عليها الطرفان ويستطيع دي مستورا البناء عليها في الجولة المقبلة.
ولا يبدو ان الجولة المقبلة أو أي جولة أخرى لاحقة يمكنها تحقيق إختراقات حقيقية في جدار الأزمة السورية وبخاصة على صعيد الإنتقال السياسي، والذي يشكل جوهر الإشكالية في سورية، بل يمكن القول أنه الخيار الاكثر منطقية من جميع الخيارات في ظل محدودية إمكانية أن يغير العمل العسكري بعد اليوم الكثير من الوقائع بالنسبة لجميع الاطراف وليس طرفاً واحداً على ما يعتقد نظام الاسد وداعميه.
وواضح أن الإنتقال السياسي الذي يعني رحيل بشار الأسد بشخصه عن السلطة هو عقدة الحل التي يصعب الوصول إلى تسوية لها، والسبب أن الأسد يشكل بنفسه منظومة او نظاماً بحاله، ومن دونه بصبح الحديث عن نظام شيئاً زائداً عن اللزوم، وخاصة بعد ان تحطمت المؤسسات الشكلية التي صنعها النظام كغلاف خارجي له، مثل حزب البعث والجيش السوري، فبعد تحوله إلى ميليشيا طائفية ترتبط بمركز خارج الحدود لم يعد لتلك المؤسسات من معنى لوجودها فإنهارنت بحكم الامر الواقع.
من هنا أخذ الصراع في سورية طابعه الجيوسياسي، ومن هذه الحقيقة أصبح التفاوض بين السوريين إنعكاساً لهذا الصراع، لذلك لم نلحظ في سورية حديثاً عن مفاوضات يجري خلالها رأب الصدع بين البيئات الإجتماعية التي دخلت في صراع طاحن، ولا محاولة من قبل ما يسمى نظام دمشق المطالبة او البحث عن ضمانات لبيئته ودورها في مستقبل الحكم السوري، رغم ان فكرة الإنتقال السياسي تعطي لبيئة الأسد فرصة للإستمرار في رسم مستقبل سورية والشراكة العادلة والمتوازنة في الحكم.
عشية إنتهاء الازمات السياسية في تونس ومصر كانت الأطراف المتصارعة" الثورات والأنظمة" قد توصلت إلى تسويات معينة لعلّ أهم بنودها إبعاد رأس السلطة في البلدين مقابل مشاركة الانظمة القديمة والقوى الصاعدة في السلطة وإدارة المجتمعات، ولولا هذه التسويات لما أمكن الوصول إلى حلول بأقل الأكلاف وأقصر الأزمنة، ومن الواضح ان هذا الحل يستحيل تطبيقه في سورية، ذلك انه في الوقت الذي كانت انظمة تونس ومصر لديها شبه إستقلال عن الرأس يتمظهر بوجود مصالح وقوى متبلورة وبيروقراطيات حقيقية تتجاوز الرأس، فإنه في سورية لا يمكن ملاحظة مثل هذه البنى والتشكيلات، وما هو موجود ليس اكثر من شبكات مربوطة بخيوط يتحكم بها رأس النظام وهي شبكات غير متجذرة سياسياً وإجتماعياً.
لقد حاول بوتين عبر حملته ومن خلال تواجده في سورية البحث عن بنى لنظام الأسد يمكن أن يصنع منها بديلا للأسد، وحاول أن يستثمر وجوده العسكري في سورية كضمانة لهذه البنى، غير أن سطوة نظام الأسد المتغلغلة في النفوس أفشلت جهود بوتين الذي إكتشف أن خياراته في سورية ضئيلة وأنه بدل من صناعة مناخ تفاوضي يكون فيه وضع نظام الأسد في موقع أكثر قوة تجعله لا يخاف من الإقدام على تنازلات بحجم إستبعاد الأسد عن السلطة، وجد بوتين نفسه وقد دفع الأسد إلى التصلب بدرجة أكبر في المفاوضات.
بالطبع بوتين لا يفعل ذلك حباً بالسلام في سورية، بل لان التغيير بالنسبة له أصبح مفتاحاً لعلاقاته الدولية ولإستثمار حربه في سورية وتقديمها على انها شكّلت الحل الامثل للأزمة التي عجز العالم عن حلها، لم يكن صعباً إكتشاف محاولات بوتين تعويم دور الجيش السوري وتلميعه ليكون البديل عن بشار الأسد، لكن محاولات بوتين ستبقى تصطدم بتعنت بشار الأسد ورفض العالم أي حل بوجود الأسد في السلطة وهو ما يعني ان صفقات بوتين ستبقى مؤجلة التنفيذ وإستثماره سيبقى معطلاً ما دام الأسد باقياً.
هل يذهب بوتين إلى التخلص من الأسد مادام ليس قادراً على إقناع العالم بإستمرار وجوده في السلطة وما دام غير قادر على دفع الأسد على التنحي بالسياسة الناعمة والإقناع؟، من الواضح ان بوتين مهتم بتطوير علاقاته مع الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، كما ان لديه إهتمامات بتزخيم علاقاته مع دول الخليج للوصول إلى تفاهمات بشأن الطاقة، ولم يعد خافيا حجم المعاناة التي تمر بها روسيا نتيجة فرض العقوبات عليها، والمعلوم أن بوتين مطالب بالتنازل بأحد ملفين، أوكرانيا أو سورية، وإذا كان التنازل في أوكرانيا يعني خسارة جيوسياسية صافية، فإن المطروح عليه في سورية يبدو أسهل بكثير، الإحتفاظ بالمزايا الإستراتيجية التي حصل عليها وفتح نوافذ التواصل مع مراكز القوى الإقليمية والدولية، هذا إغراء وتحدي يواجه بوتين في المرحلة المقبلة.