الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يستسلم السوريون؟! وهل يتحمل الوضع العربي ذلك؟!

هل يستسلم السوريون؟! وهل يتحمل الوضع العربي ذلك؟!

31.08.2015
وائل مرزا



المدينة
الاحد 30/8/2015
هل يستسلم السوريون؟! وهل يتحمل الوضع العربي ذلك؟! أيًا كانت الإجابات على السؤالين أعلاه، فإنها ستُحدد مصير المنطقة إلى أجيالَ قادمة.
بغضﱢ النظر عن كل (مظاهر) الاهتمام الموجودة هنا وهناك في عالم العرب بخصوص ما يجري فيه حاليًا من أحداث، وبمدى تأثيرها القادم على المنطقة كشعوبٍ ودول وثقافة وخرائط، يَظهر في كثيرٍ من الممارسات والقرارات الافتقارُ إلى الدرجة المطلوبة من (الجدﱢية الاستراتيجية) فيما يتعلق بإدراك حساسية الواقع العربي الراهن، وفي التعامل معه.
ما يجري خطيرٌ جدًا، لا يجب أن نملﱠ من التذكير بهذه الحقيقة. وحين نقول: إنه خطيرٌ على الشعوب والدول والثقافة والخرائط، فبمعنى أن التهديد (وجودي)، وهو يستهدف كل المكونات.. كلها دون استثناء.. ولا تنفع معه لا التطمينات السرية، ولا الوعود الزائفة، ولا التنازلات الجانبية، ولا التفاهمات المُنفردة، فهذه كلها تدخل في تكتيكات (الاستفراد)، وهي جزءٌ من اللعبة الجديدة التي انطلق مسارها، ولن يوقفها إلا تفكيرٌ إستراتيجيٌ حقيقيٌ يجمع عليه العرب، أو من تبقَّى مِنهم من عُقلاء، وهؤلاء موجودون دون شك، وحين نرى كل هذا الضغط النفسي والإعلامي والعملي على السعودية، لتستقيل من موقفها الحازم، ومشروعها القيادي، فإن الصورة تُصبح مفهومةً أكثر.
في هذا الإطار، لم يعد ممكنًا لنا، كعرب بشكلٍ عام، وكسوريين خصوصًا، أن نخلط بين الأهداف والوسائل، ونظن أن مجرد الإصرار على مطالبنا المشروعة من خلال البيانات والخطابات والمقالات الصحفية، يكفي لتحقيقها، أو ليكون منطلقًا للتعامل مع متغيرات السياسة العالمية والمحلية بغرض التأثير فيها وتوجيهها فيما يخدم مصالحنا، بعيدًا عن امتلاك القدرة على توليد رؤيةٍ استراتيجية تتمحور حول تلك الأهداف، لكنها تأخذ بعين الاعتبار الحركة الدائمة في معادلات موازين القوى والمصالح العالمية، وتحاول تحقيق أهدافها من خلال استيعاب وتوظيف مناطق الخلخلة والتغيير المتكررة في تلك المعادلات.
في كتابٍ عن السيرة نشره منذ عقود الدكتور عماد الدين خليل، لخّصَ الكاتب استراتيجية الرسول الكريم في قصة الهجرة بعبارةٍ أنقلُها من الذاكرة: "إن الرسول توكّلَ على الله وكأنّه لا يوجدُ هناك عالمُ أسباب، لكنه في نفس الوقت أخذَ بعالمِ الأسباب وكأنه لا يوجد هناك شيءٌ اسمه التوكُّلُ على الله"!.
باستيحاء هذه القاعدة، يُصبح المطلوب اليوم هو "الاعتماد على القوة وكأنه لا يوجدُ شيءٌ اسمه دبلوماسية أو سياسة، واستخدامُ الدبلوماسية والسياسة وكأنه لا يوجد شيءٌ اسمه القوة".
ولما كان السوريون اليوم في خط المواجهة الأوّل، فإنهم أولى الناس بمراجعة كل ما يفعلونه، وباتخاذ المعادلةَ المذكورة منهجًا للتعامل مع قضيتهم، فقبولهم بوضعهم الراهن، واستمرار ممارساتهم وطريقة تفكيرهم وعملهم، ساسةً وعسكر ونُشطاءَ ومثقفين هو عمليًا، الخطوة الأخيرة قبل الاستسلام، حتى لو أتخموا نفسهم والعالم بشعاراتٍ تقول، نظريًا، عكسَ ذلك.
هذه حقيقةٌ أخرى لم يعد ينفع الهروب من قولها بقوةٍ ووضوحٍ وصراحة: كل شيىءٍ يفعله السوريون، ممن ينتسبون إلى الثورة بأي معنىً من المعاني، بات مجرد تهيئةٍ لإعلان الاستسلام، بل والانتحار الجماعي.
فبعد كل ما عرفوهُ اليوم من نفاق العالم وانتهازيته ووحشيته، لا يكونُ الاستمرارُ في أي نوعٍ من المماحكات التنظيمية والأيديولوجية العنيدة والسخيفة لساستهم وعسكرهم، أو السلبية القاتلة لنشطائهم ومثقفيهم، إلا مساهمةً حثيثة في التحضير العملي للاستسلام والانتحار.
نعم، أظهر السوريون، قبل توريطهم في عسكرة الثورة من قبل النظام والعالم من خلفه، نمطًا فريدًا من الممارسات يحكي، واقعيًا، عن رسوخ عُمقهم الحضاري، واليوم بعد تجربة السنوات السابقة، بات عليهم استعادة ذلك العُمق بطريقةٍ أخرى، أو القولُ إنه كان وهمًا أو كذبةً كُبرى.
يبقى هذا خيار السوريين، لكن المفارقة أن آثاره لن تنحصر في حدود بلادهم، فالمؤكد أن الوضع العربي لا يحتمل استسلامهم، لأنه يعني قدوم الطوفان، وهذه فكرةٌ من المطمئن أن تبدو حاضرةً لدى السعودية وقيادتها في كل قرارٍ ونشاطٍ ولقاء، في الحِلﱢ والترحال