الرئيسة \  تقارير  \  هل يغيّر تشارلز الثالث مفهومنا للملك المعاصر؟

هل يغيّر تشارلز الثالث مفهومنا للملك المعاصر؟

12.09.2022
نورا عامر


النهار العربي
نورا عامر
الاحد 11/9/2022
ماتت الملكة... عاش الملك. انتظر الأمير تشارلز التاج لفترة أطول من أي وريث ملكي في التاريخ البريطاني. وبعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، سرعان ما ستتبدد التساؤلات حول الطريقة التي سيحكم بها الملك تشارلز الثالث. هل سيكون ملكاً متطفلاً أم يغير المفاهيم الأساسية حول الحاكم الحديث؟
لطالما استعد الأمير تشارلز لهذه اللحظة، لكن استعداده هذا يزيد الضغوطات عليه بدلاً من تخفيفها. وسيواجه ملك بريطانيا الجديد عقبات عدّة، بدءاً من شقيقه الأصغر الذي تلاحقه قضية اعتداء جنسي إلى اتهامات العنصرية الملكية. ويكمن التحدي الأكبر في أن معظم الشعب البريطاني لم يعرف غير حاكم واحد على مدى عقود. وأصبح أسلوب الملكة إليزابيث ونهجها العام في الاضطلاع بمسؤولياتها مطبوعاً في وعي الشعب لدرجة أنها أصبحت بالنسبة إلى كثيرين رمزاً للحكم البريطاني.
تقول صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير لها بعنون: "أي نوع من الملوك سيكون تشارلز" إن مشكلة تشارلز هي أن الجميع يعرفه جيداً. وخلال عقود، ظهرت أفكاره وآراؤه واهتماماته ونقاط ضعفه، ناهيك عن التفاصيل المحرجة التي انتشرت حول حياته الشخصية. لذا، كل ما سيفعله في الأشهر والسنوات المقبلة لا يمكن رؤيته إلا من منظور الصورة المسبقة الذي اتخذها الشعب عن الأمير تشارلز.
ولا شك في أن الملك تشارلز سيرغب في إضافة طابعه الخاص على النظام الملكي، الذي يعتقد أنه يجب أن يكون أكثر بساطة، ويعتمد على قيام مجموعة أساسية من أفراد الأسرة بكل العمل، ما يلغي دور الأميرات بياتريس وأوجيني.
وظهرت هذه الاستراتيجية في عدم وجود الأمير تشارلز بين أفراد العائلة الملكية على شرفة قصر باكنغهام خلال اليوبيل الماسي للملكة عام 2012، إذ انضم إلى الملكة دوقة كورنوال ودوق ودوقة كامبريدج والأمير هاري. ويذكر أن دوق يورك لم يكن سعيداً. وبعد سبع سنوات، ظهر هدف تشارلز الحازم مرة أخرى عندما أدى دوراً حاسماً في إقناع الملكة بأن شقيقه الأصغر يجب أن يتنحى عن واجباته الملكية بسبب مزاعم الأميركية فرجينيا غوفري التي تتهمه بالاعتداء الجنسي.
وقد تصل هذه التغيرات إلى قصر باكنغهام. وكتب الاعلامي أندرو مار في كتابه "The Diamond Queen"، أن فريق تشارلز ناقش فكرة أن الملك يجب أن يتخذ لنفسه مكاناً في قلعة وندسور، تاركاً قصر باكنغهام كنوع من الفنادق الحكومية الرسمية الكبرى ومركزاً للمناسبات. في السنوات الأخيرة، بذلت مصادر مقربة من تشارلز قصارى جهدها للتقليل من أهمية هذا الاقتراح.
وظهرت أفكار راديكالية أخرى من وقت إلى آخر. وورد أن الملك سيطالب بإصلاح "نظام الشرف"، معتقداً أن المكافآت تمنح "للأشخاص الخطأ والأسباب الخاطئة، مطالباً بالغاء تكريمات مثل رتبة الإمبراطورية البريطانية.
وأظهرت كتب عدة تتناول سيرة الأمير تشارلز أنه سيكون ملكاً "ناشطاً"، يستخدم منصبه لمواصلة حملته في القضايا التي تهمه، ربما ليس بشكل صاخب كما كان من قبل، إنما بنفس التفاني.
ونسبت صحيفة "الغارديان" البريطانية عام 2014 إلى مصدر مقرب من تشارلز قوله إنه "سيستمر في تدخلاته" بعدما يصبح ملكاً. وعام 2008، تحدث كاتب سيرته الذاتية جوناثان ديمبلبي، عن تحركات سرية من أجل إعادة تحديد الدور المستقبلي للملك بحيث يسمح للملك تشارلز الثالث بالتحدث علناً بشأن المسائل ذات الأهمية الوطنية والدولية بطرق لا يمكن تصورها في الوقت الحالي. وكتب ديمبلبي في صحيفة "الصنداي تايمز" أن ذلك سيكون خرقاً للاتفاقية التي تنص على أن آراء الملك تقال فقط لرئيس الوزراء والمجلس الخاص، ما يشكل "تحولاً جذرياً في دور الملك"، مضيفاً أن مثل هذا التغيير "قد يكون متفجراً دستورياً وسياسياً".
وفي وقت يحق لصاحب السمو تقديم الاستشارة والتشجيع والتحذير، فهل يتجاوز تشارلز هذه المساحة، ويصبح، على حد تعبير أحد نواب حزب العمال، "الملك المتطفل" الذي سيثير أزمة دستورية؟
كما قال أستاذ القانون الدستوري روبرت بلاكبيرن، سيُطلب من الملك الجديد إخضاع آرائه الخاصة لواجباته العامة، فضلاً عن عدم إيصال مشاعره الشخصية والحقيقية إلى المواطنين.
مع ذلك، يعتبر بعض النقاد أن الأمير تشارلز غير قادر على إخضاع آرائه، وحتى لو تمكن من فعل ذلك، فقد فات الأوان لأن آراءه حول مواضيع تشمل الهندسة المعمارية والزراعة والبيئة والطب والتعليم وحقوق الإنسان أصبحت معروفة.
وبذل الأمير تشارلز في مقابلة تلفزيونية بمناسبة عيد ميلاده السبعين عام 2018، قصارى جهده لتبديد هذه المخاوف. ووعد بأنه لن يكون ملكاً "متطفلاً"، مشدداً أن دوره كأمير يختلف تماماً عن توليه العرش.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت حملته ستستمر، قال لشبكة "بي بي سي" البريطانية: "لا، لن يحدث ذلك. لست بهذا الغباء. أدرك أنها ممارسة منفصلة للسيادة. لذلك بالطبع أفهم تماماً كيف أحقق ذلك".
ولطالما كانت هذه التكهنات مصدر إزعاج مستمر للأمير تشارلز. وذكر مصدر مقرب أنه كان محبطاً نتيجة اعتقاد الشعب أنه لن يدرك أن تولي قيادة الدولة مهمة مختلفة تماماً.
وجادل مستشارون بأن الأمير تشارلز على دراية واسعة بالدستور ويدرك جيداً متطلبات دوره، مضيفين أنه لن يقوم بأي تصرف يسبب مشاكل دستورية. وقال أحدهم: "إنه رجل عاطفي لكنه يحظى باحترام وفهم عميقين للدستور ودور المؤسسة الملكية في الحياة الوطنية".
وبعد معركة قانونية استمرت 10 سنوات مع صحيفة "الغارديان"، نُشرت رسائله إلى الحكومة بعنوان "مذكرات العنكبوت الأسود" لتكشف كيف ضغط على وزراء حول قضايا تشمل حرب العراق والعلاجات البديلة.
مع ذلك، في حين كشفت الرسائل عن مجموعة واسعة من المسائل التي يشعر بشغف حيالها، وفهمه المفصل للسياسة، لم يظهر أى خطاب يبدو أنه قد تجاوز فيه هامش الملاءمة السياسية.
في المقابل، رأى المؤرخ أندرو روبرتس أن محاولة فرض تدخله أدى إلى نتائج عكسية.
وعندما كان تشارلز في رحلة إلى كندا عام 2014، قال لامرأة يهودية كانت قد فرت من النازيين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحذو حذو الزعيم النازي أدولف هتلر، ما أحدث ضجة دبلوماسية. ورد بوتين أن التصريح غير مقبول ورأى أنه لا يليق بالملوك. ورغم انزعاج وزارة الخارجية البريطانية، رأت نسبة 51 في المئة من البريطانيين الذين شاركوا في الاستطلاع أن التصريح كان مناسباً، مقابل 36 في المئة من المشاركين الذين رفضوا هذا التصرف.
وبعيداً عن الانتقادات، تركت السيرة التي كتبتها الصحافية الأميركية سالي بيدل سميث عام 2017 طابعاً إيجابياً، إذ أشارت إلى أن الأمير تشارلز لديه القدرة على الإلهام كقوة موحدة تتجاوز السياسة، بأسلوب ونبرة مختلفين عن الملكة، وذلك من خلال إظهار مشاعره والتحدث بطبيعية. وأضافت أن تصرفاته، التي تعتمد على الكرامة والجدية في تحقيق الهدف، مع الحفاظ على آرائه، واحترام التقاليد الملكية، والتمسك بإحساسه بالواجب، وإظهار إنسانيته، تساعد على نشر المودة والإعجاب، ما سعى دوماً إلى تحقيقه.
ويعتقد كاتب السيرة الملكية هوغو فيكرز أن تشارلز سيكون مختلفاً كملك، رغم صعوبة التنبؤ بكيفية تحقيق ذلك، مشيراً إلى أنه قد يكون ملكاً مسلياً إلى حد ما. ونصحه بالاقتراب من الجانب الثقافي، للاستمتاع بتراث محيطه والترحيب بالناس. وقال: "يمكنه إقامة حدث ثقافي بدلاً من حفلات الاستقبال التقليدية"، موضحاً أنه ليس منبوذاً، إنما يحب القيام بالأشياء بأسلوب معين وبثقة بالنفس.
يدرك الملك تشارلز أن عهده يجب أن يعكس حقيقة أن دولته اليوم تختلف كلياً عن بريطانيا عام 1952. وفي ظل تغييرات أساسية في الهوية الثقافية والإيمان الديني، أوضح أنه يعتقد أن الافتراضات القديمة حول النظام الملكي والدين لم تعد من القضايا غير القابلة للنقاش. ورغم إيمانه المسيحي العميق، أمضى الأمير تشارلز حياته في استكشاف أديان أخرى مثل الهندوسية والبوذية، ولا سيما الإسلام.
وفي فيلم وثائقي عام 1994، عرض الأمير تشارلز وجهات نظره حول العلاقة بين الملك، الذي يمثل الحاكم الأعلى لكنيسة إنكلترا، والمعتقدات الدينية للأشخاص الذين يخدمهم. وأثارت ملاحظاته صدمة في التسلسل الهرمي الأنغليكاني، وخوفاً من دعوته إلى تفكيك كنيسة إنكلترا.
ولا شك في أن حفل التتويج اليوم يمثل مناسبة مختلفة تماماً عن تلك التي أقيمت عام 1953. وتساءل كثيرون حول ما إذا كان قسم التتويج، الذي يفرض على الحاكم الجديد التعهد رسمياً بالحفاظ على كنيسة إنكلترا والعقيدة والعبادة والانضباط والحكومة، سيبقى بدون تغيير.
ويساعد تتويج الملك تشارلز الثالث في فهم كيف قد يكون حكمه، تطوراً بسيطاً أم ثورة ملكية. لن يتطلب اكتشاف ذلك الكثير من الوقت.