الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يقف النظام السوري وراء تفجيريّ الريحانية؟

هل يقف النظام السوري وراء تفجيريّ الريحانية؟

19.05.2013
عمر كوش

المستقبل
الاحد 19/5/2013
استيقظت تركيا، في صباح يوم السبت 11/5/2013، على وقع صدمة أكبر اعتداءات تشهدها منذ بدء الأزمة السورية، مع تفجير سيارتين مفخختين في مدينة الريحانية، القريبة من الحدود مع سوريا، والتي تأوي عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين، الهاربين من الحرب الشاملة التي يشنها النظام السوري ضد غالبية السوريين، منذ أكثر أربعة وعشرين شهراً.
ونظراً لأن ملابسات الحادثة تكشفت بسرعة، وجرى القبض على عدد من المشتبه بهم والمتورطين، فإن الحكومة التركية وجهت أصابع الاتهام إلى النظام السوري بالوقوف وراء التفجيرين الإرهابيين، حيث أظهرت تحقيقات أمنية أن المتورطين على ارتباط وثيق بأجهزة الاستخبارات السورية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن توقيت التفجيرين، وعن أهداف ودوافع تورط النظام السوري، المشهود له بالاغتيالات والتصفيات ومحاولات تصدير أزماته البنيوية إلى دول الجوار.
ولعل غالبية الأخوة اللبنانيين ذاقوا الأمرين من تصفيات النظام ومفخخاته واغتيالاته، التي لم تكن أولها عملية اغتيال الزعيم اللبناني الوطني كمال جنبلاط، في 16 مارس / آذار 1977، ولا آخرها عملية اغتيال الزعيم اللبناني، ورئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري في 14 فبراير / شباط 2005، بل هناك تاريخ مديد من عمليات القتل والتصفيات والاغتيالات، يعرف لبنانيون كثر تفاصيله المريرة، ويعرفون أسماء الشهداء والمفقودين والمغيّبين قسراً وسواهم.
وليس اللبنانيون وحدهم من ذاق الأمرين من إرهاب النظام، بل طاول إرهابه العراقيين أيضاً، حيث جنّد، وسلح، النظام مجموعات إرهابية عديدة، وأرسلها إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي وقبله، إلى درجة أن رئيس الحكومة الحالية، نوري المالكي، خرج عن طوره، ذات مرةّ، واتهم النظام السوري بالوقوف وراء عمليات إرهابية، وطالب الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الاعتداء المزدوج، الذي استهدف وزارتي الخارجية والمالية في بغداد، في 19 آب / أغسطس 2009، لكن من سخرية القدر، وعجائب الدهر، أن المالكي يقف اليوم إلى جانب نظام الأسد ضد شعبه، لأن العصبية الطائفية والأوامر الإيرانية تقتضي منه ذلك.
أما نحن السوريون فحدث ولاحرج، فأكثر من أربعين عاماً من إرهاب النظام حولت حيوات معظمنا إلى ما يشبه الجحيم، وحولتنا إلى رهائن وأسرى بيد السلطة الأسدية الحاكمة، التي لا يقف عنفها وقمعها وتغولها عند أي حدّ، أخلاقي أو إنساني. والمجال لا يتسع هنا لذكر عمليات إرهاب النظام ضد غالبية الشعب السوري، فقد طاول إرهابه الصغير والكبير، وحصدت مفخخاته العديد من أرواح السوريين. وهو يعيد اليوم مسلسل تفجيراته على مرأى العالم ومسمعه، فضلاً عن الجرائم والمجازر المتنقلة.
والواقع هو أن النظام السوري استخدم الإرهاب وسيلة طوال فترة حكم آل الأسد، بطوريه، الأب والابن، ومارسه في الداخل والخارج، بل، واتخذ منه وسيلة، وبخاصة في ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، حتى بات من الصعب الفصل بين النظام السوري والإرهاب، حيث باتت سوريا ملاذا آمناً لعدد كبير من المنظمات الإرهابية، التي استخدمها كأدوات ضغط في إستراتيجية سياسته الخارجية، كي يحقق أغراضه، وضمان استمراره في الحكم. وراح يستأسد على دول الجوار باستثناء إسرائيل، التي تصرف معها على الدوام بوصفه نعامة. وقد دفع الشعب السوري ثمن عنتريات النظام وإرهابه في سلسلة العقوبات الغربية السياسية والاقتصادية.
ويأتي، اليوم، اعتداء الريحانية، كي يوجه النظام السوري أكثر من رسالة إلى تركيا وسواها من دول الجوار، وقد خصّ بها حكومة حزب العدالة والتنمية، نظراً لوقوفها الواضح والعلني إلى جانب الشعب السوري، وأردا من خلالها القول: إذا ساعدته أكثر أو واصلت وقوفك إلى جانبه، فهذا ما ستلاقيه منا.
وبالرغم من أن خيارات الحكومة التركية ليست محدودة، إلا أنها قد تنحصر في خيارين اثنين: إما الابتعاد عن القضية السورية، أو العمل بكافة السبل كي تساعد على تسريع الخلاص من النظام الإسدي. ولن يجدي التريث أو التعقل مع النظام السوري، إذ لم يتوقف عن قتل شعبه، بالرغم من كل الإدانات والمناشدات الدولية، ولم يتوقف كذلك عن التهديد بإشعال الحرائق في المنطقة، فضلاً عن الزلازل والبراكين. وقد سبق وأن تعرضت أكثر من بلدة تركية للقذائف والاعتداءات، الأمر الذي قد يفرض على الاتراك فتح النقاش حول إمكانية تدخل حلف الناتو، والمطالبة بتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف.
غير أن الاعتداء طاول أيضاً اللاجئين السوريون، الهاربين من الموت والملاحقات، حيث أجج مشاعر سلبية نحوهم، حسبما أظهرته ردود فعل سكان المنطقة الأولية، وحمّلهم بعض مناصري النظام السوري المسؤولية عنه، وهو أمر نفته الحكومة التركية، وأثبتت بطلانه التحقيقات الأمنية. لكن في مطلق الأحوال، فإن مدبري تفجيري الريحانية نجحوا في وضع الحكومة التركية بوضع صعب، في وقت تخوض فيه عملية سلام لإنهاء المشكلة الكردية، والالتفاف إلى قضايا التنمية المتصاعدة.
وربما، يجادل بعضهم في أن النظام السوري ليس في وضع يسمح له بالوقوف وراء العملية، كونها ستزيد من احتمال تشكيلها أرضية مشروعة لتدخل الناتو، وفتح جبهة عسكرية مع تركيا، الأمر الذي يوحي بوجود طرف آخر يريد تصعيد التوتر. وهو طرف لا يخرج عن أجهزة المخابرات السورية، التي لجإت إلى إقحام عناصر من منظمات تركية متطرفة، يسارية، علوية، لاستكمال المخطط الذي تريد، وتتستر تحت مسمى "الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون". اللواء الذي أقرّ النظام "بيعه" لتركيا في نهاية الثمانينات، كي يرضي تركيا، التي شكلت في ذلك الوقت - تهديداً حقيقياً لوجوده، لأن المهم بالنسبة إليه هو ضمن استمراره في الحكم، الذي لن يصمد فيه طويلاً، كونه بات يواجه بركان ثائراً من السوريين، لن تهدأ حممه إلا باقتلاع النظام وإسقاطه.