الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يمكن دحر "داعش"؟

هل يمكن دحر "داعش"؟

18.10.2014
عثمان ميرغني



الشرق الاوسط
الخميس 16-10-2014
الحملة الجوية على مواقع ومراكز "داعش" في العراق وسوريا، أصبحت مصدر تندر وسخرية في وسائل الإعلام الأميركية، لضآلة نتائجها، وقلة فاعليتها في وقف تقدم مقاتلي التنظيم. أسلحة باهظة الثمن تستخدم، وطلعات جوية مكلفة تنفذ، وصواريخ متطورة موجهة بالليزر تطلق على مواقع "داعش"، من دون نجاح يوقف زحف مقاتلي هذا التنظيم على الأرض واستيلائه على نقاط جديدة. في مواجهة هذه الانتقادات المتزايدة لاستراتيجيته، والنقد اللاذع لنتائج أكثر من شهرين من الغارات الجوية، نظم الرئيس الأميركي باراك أوباما اجتماعه هذا الأسبوع مع قيادات جيوش 21 دولة تشارك في الحملة "الدولية" ضد "دولة" عبارة عن تنظيم، قيل لنا إن عدد مقاتليه لا يتجاوز 12 ألفا، ثم 15 ألفا وأخيرا أكثر من 20 ألفا. الحقيقة ألا أحد يعرف العدد بالتحديد، لكنه لا يقارن في كل الأحوال بأعداد أو بعتاد الائتلاف الدولي، ولا حتى بقوات البيشمركة أو الجيش العراقي.
إننا أمام تنظيم لغز يغير المعادلات والحسابات على الأرض، ويفرض حربا تقلب الكثير من الموازين، وقد تؤدي لتفكيك دول. فليس هناك منطق في كيفية تمدد التنظيم وسيطرته على رقعة من الأرض أكبر من مساحة بريطانيا، وتمتد من العراق وسوريا لتقترب بالمناوشات أحيانا من حدود لبنان. إنها ليست رقعة على شاكلة جبال وكهوف تورا بورا، بل مساحة تشمل مدنا ومنشآت نفطية وكهربائية، يتحرك فيها التنظيم بحرية بالغة يجبي الضرائب، ويبيع النفط ويتواصل مع العالم عبر التقنيات الحديثة ناشرا دعايته، ومستقطبا جماعات من الشباب الذين أغرى الكثير منهم بالخطب الحماسية النارية لإقامة "دولة الخلافة"، وبتوفير سلاح وراتب وزيجات "جهاد النكاح".
بعض مراكز الأبحاث بدأت تنذرنا بأن تكلفة الحرب على "داعش" ودولتها يتوقع أن تصل إلى 10 مليارات دولار. وشخصيات سياسية وعسكرية غربية تحذر من أنها ستكون معركة طويلة، وستمتد سنوات قد تصل إلى 30 حسب كلام وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا، أي أنها ستكون أطول بكثير من الحربين العالميتين الأولى والثانية معا!
"داعش" قام على أنقاض فشل الاستراتيجية الأميركية بعد غزو العراق، ثم قوي وكبر مع الارتباك في حسابات الحرب السورية. ويمكن للمرء أن يجادل في أن تمدد "هذه الدولة"، والتخبط في كيفية مواجهتها، ربما أغرى الحوثيين وحلفاءهم للانقضاض على الدولة في اليمن في مشهد آخر عجيب. كما أن محاولة الجماعات المتطرفة في ليبيا فرض سيطرتها على البلد، وإعلان حكومتها وبرلمانها واقتحامها للعاصمة، قد تكون كذلك امتدادا لتأثيرات المشهد الماثل أمامنا بسبب دولة "داعش" والارتباك الدولي، لكي لا نقول العجز في مواجهتها ودحرها. فالحقيقة المريرة هي أننا نتخبط في مواجهة حركات وتنظيمات تتمدد على الأرض، وتدمر دولا، وتفكك نسيجها الاجتماعي وتنفخ في نيران الطائفية التي تأكل المنطقة.
بعيدا عن نظريات المؤامرة، هناك الكثير من المؤشرات والتصريحات التي توحي بأن "داعش" بعد صعوده اللافت السريع، سيكون في المشهد لسنوات كثيرة مثلما حدث مع "القاعدة". فالتنظيم أصلا ظهر في وقت هرمت فيه "القاعدة"، وسعى لأخذ محلها ساعيا لاستقطاب الأجيال الجديدة من المتطرفين والمتذمرين الباحثين عن أرض معركة وراية فوق رؤوسهم. وهناك من بات يرى أن دحر "داعش" لن يكون نهائيا، بمعنى أنه قد يتم إنهاكه، واصطياد عدد من قياداته، وإجباره على إخلاء بعض المواقع، لكنه سيبقى جزءا من المشهد حتى تبرز حركة أخرى تتجاوزه في ساحة جديدة، وتستمر الدوامة. خلال ذلك فإن "داعش" يكون قد أسهم في تفكيك الدولة المركزية في العراق وسوريا وفي تغيير حسابات وتحالفات، لأن الصورة لن تعود كما كانت بعد أن فرض واقع جديد على المنطقة، وبعد أن أجج المتطرفون نيران الطائفية، وزرعوا الخوف والمزيد من الشكوك في أذهان أقليات كانت لتاريخ طويل جزءا من نسيج المنطقة وعنوانا للتعايش فيها. العراق بات أقرب إلى التفكك بعد أن وسع "داعش" الهوة بين السنة والشيعة، واستهدف المسيحيين والإيزيديين، وعزز تسلح الأكراد وقوى أصوات الداعين لاغتنام الفرصة لإعلان دولتهم المستقلة.
في سوريا انقلبت الموازين والحسابات وبدا أن واشنطن باتت مقتنعة بتأجيل النقاش حول مصير حكم الأسد في الوقت الراهن. فانهيار المعارضة أمام "داعش" والتنظيمات الإسلامية الأخرى، أربك كل الاستراتيجيات السابقة التي زاد في تخبطها تفكك المعارضة وكثرة خلافاتها وصراعاتها. اليوم تتعاون الدول الغربية مع نظام الأسد بشكل غير مباشر، لأن قصفها ل"داعش" يخفف بالضرورة الضغط عن قوات النظام، وفي الوقت ذاته، فإن بناء وتدريب تنظيمات معارضة بديلة سوف يستغرق فترة طويلة، قد تتغير خلالها كل الحسابات السابقة.
"داعش" حتى ولو كان لغزا في طريقة ظهوره وصعوده الغريب، لكنه ما كان لينجح، لولا أن الأحوال في المنطقة تسمح بالعبث فيها.