الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ينتهي الإرهاب بعد داعش؟

هل ينتهي الإرهاب بعد داعش؟

11.06.2016
محمد عبد العزيز

 
الحياة
الخميس 9/6/2016
بينما يجري العمل على قدمٍ وساق لاجتثاث داعش عسكرياً وسياسياً، نجد أن بعض الاتجاهات في العلاقات الدولية لا تهتم سوى بانتهاز هذه الظاهرة الخبيثة، لكي تثبت فرضيات لا طائل من ورائها سوى إطالة أمد الفرز السياسي والانشقاق الثقافي بين العالم الإسلامي وما عداه. وهناك العديد من الاعتبارات التي تدفع في هذا الاتجاه من خلال السعي لتحقيق مكاسب محدودة على حساب مستقبل التواصل بين الشعوب.
يجدر بنا الانتباه إلى أن سهولة الاتصال التي تحققت في العقود الأخيرة لم تقترن بسهولة مماثلة في التواصل. ذلك أن التفاعل والاحتكاك بين الشعوب لا يزال يجري وفق منطلقات ثقافية واعتبارات سياسية تغلب ما عداها من اعتبارات. وللمفارقة فإن تاريخ هذا التفاعل لا يزال عنصراً حاكماً في تحديد مجراه.
إن تكثيف حالة الاحتقان الفكري التي يمكن قراءتها من خلال تصريحات ومواقف لبعض الساسة والمفكرين والإعلاميين، لا تحقق فائدة تذكر سوى توفير أرضية جديدة للإرهاب.
صحيح أن هذه الظواهر لا يمكن اعتبارها ممثلة للثقافة الغربية، إلا أن ما تحوزه من انتشار إعلامي واحتفاء أحياناً، يشير إلى أن طريق مكافحة الإرهاب لا يزال في بدايته. مكمن الخطورة الفعلي أن ينتهي داعش مادياً، بينما يستمر في التمدد المعنوي، فالقضاء على مقاتلي هذا التنظيم في أماكن تمركزهم لا يعني سوى كسر نواته الصلبة. ومعروف أن كسر النواة دائماً ما يتبعه انتشار الشظايا في شكل عشوائي. يضاف إلى ذلك أن الهزيمة العسكرية لداعش لن تمنع أولئك المُغرَّر بهم فكرياً من اعتناق هذا الفكر الضال والانتساب إلى التنظيم، وفق ما يتوهمونه من دوافع، من بينها الهرب من واقع مادي مُحبِط أو المرور بحالة من التشوش الفكري المرتبط بأزمة الهوية وعدم القدرة على صياغة صحيحة للعلاقة مع الآخر. وما نريد أن نؤكده هنا، هو أن بقاء البنية الفكرية الدولية على ما هي عليه في التعاطي مع قضايا الإرهاب في العالم واللجوء المكثف إلى لوم الضحية بدلاً من عقاب الجاني، يعني دخول الإرهاب أخطر مراحله، وهي الإرهاب العشوائي الذي يضرب بلا هدف أو تخطيط.
ولا يجب الانتظار إلى بلوغ هذه المرحلة، ثم البحث عن وسائل مواجهتها، بل لا بد من التفكير في ما يتعين عمله في المستقبل، مع تحديد واضح للأدوار والمهمات والمسؤوليات. ولا يمكن في هذا الصدد القبول بما يدعيه بعض الأطراف بأن الإرهاب ظاهرة عالمية، لكن العبء الأكبر في مواجهتها يقع على الدول التي تعاني منه.
لقد حشدت دول العالم جهودها من أجل إنقاذ مناخ الأرض من خلال عقد مؤتمر دولي للمناخ يقر مبدأ المسؤولية المشتركة بعد عقود من الخلاف، وآن الأوان لكي يقر الجميع بمسؤوليتهم عن مكافحة هذه الظاهرة فكرياً ومادياً وسياسياً من دون محاولة لخلط الأوراق.
لقد قام الكثير من الدول العربية والإسلامية بجهود حثيثة لتجفيف منابع الإرهاب مادياً وفكرياً، ولكن علينا ألا ننسى أن العديد من التنظيمات الإرهابية لا يزال يجد في بعض الاتجاهات المتطرفة المعادية للمسلمين في الغرب مبرراً للحشد والانتقام. وغنيٌّ عن البيان أن ما يحققه أصحاب هذه الاتجاهات من مكاسب انتخابية ودعائية لا يتناسب إطلاقاً مع حجم الدمار الذي ينتظر العالم إذا لم يقر الجميع بالمسؤولية المشتركة.
* كاتب مصري