الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ينزع " جنيف ـ" فتيل حرب أهلية في سوريا؟

هل ينزع " جنيف ـ" فتيل حرب أهلية في سوريا؟

03.12.2013
مأمون كيوان


المستقبل
الاثنين 2/12/2013
تفيد القراءة الموضوعية للحدث السوري الذي لا يعبر في جوهره عن أزمة في المجتمع السوري بل يعبر عن احتجاج المجتمع على فشل الدولة التسلطية في تلبية متطلباته، وهو احتجاج اعتمد منذ بداياته المنهج السلمي الغاندي بتعبيراته الحديثة. لكن جرى تسويقه من قبل جهات عدة على أنه حرب أهلية وتغليفه برايات طائفية ومذهبية ودينية.
وعرف التاريخ الحديث نماذج عدة للحروب الأهلية منها: الحرب الأهلية الأمريكية 1861 -1865بين ولايات الشمال الاتحادية وولايات الجنوب الانفصالية على خلفية مسألة تحرير العبيد وإلغاء نظام الرق. والحرب الأهلية الإسبانية التي بدأت بعصيان الحاميات العسكرية في 120 مدينة إسبانية، و5 حاميات في المواقع الإسبانية على الأرض المغربية يوم 18 تموز/يوليو 1936 ضد الجبهة الشعبية الاشتراكية، وانتهت بدخول قوات الجيش الإسباني بقيادة الجنرال فرانكو يوم 28 آذار/مارس 1939 العاصمة مدريد. وتعود قصة هذه الحرب إلى يوم 14 نيسان/أبريل 1931 عندما غادر ملك إسبانيا ألفونسو الثالث عشر عاصمة بلاده بسبب فوز القوى الثورية المتحالفة في الانتخابات العامة، وهي القوى التي ضمت الحزب الشيوعي الإسباني، والأحزاب الاشتراكية والاتحاد العام للعمال، وأعلنت قيام الجمهورية الأإسبانية التي لم تعرف الاستقرار أو الأمن، فقد تمزقت الجبهة الداخلية تمزقاً رهيباً بين الجيش وأنصار النظام الملكي، وبين التنظيمات الفلاحية المطالبة بتطبيق الماركسية واشتراكية الأرض، فوقعت انقلابات عسكرية في أشبيليا وغيرها، كما تشكلت حركات انفصالية. وكانت قوات الجيش موزعة في مواقع في إسبانيا، وقوات في المغرب، وفي جزر الكناري، تخضع لقيادة الجنرال فرانكو، ومقابل ذلك، كانت حكومة مدريد الثورية تسيطر على غالبية سلاح الطيران وقوات الشرطة وحرس الحدود، بالإضافة إلى الميليشيات الشعبية التي سلّحتها الحكومة. وفي الحرب مارس التدخل الدولي دوراً كبيراً وفعّالاً للتأثير على مساراتها وتحولاتها، فقد عملت دول كالاتحاد السوفياتي، وفرنسا، وبريطانيا على دعم حكومة مدريد الجمهورية، فيما قدّمت ألمانيا وإيطاليا بخاصة دعماً عسكرياً ولوجستياً قوياً للجنرال فرانكو وجيشه، وتمثل الدعم السوفياتي بإرسال قادة ومدربين ووسائط قتالية وطائرات وذخائر متنوعة، بالإضافة إلى قوات المتطوعين من ألوية العمال الأممية، والتي شملت 10 آلاف متطوع فرنسي، و3 آلاف متطوع سوفياتي، ومتطوعين من شعوب كثيرة، كما تعهدت إنجلترا وفرنسا بإرسال قوات بحرية لمراقبة السواحل الإسبانية، وإيقاف كل الإمدادات أو الدعم لقوات جيش فرانكو، ومقابل ذلك قدمت إيطاليا 5 فرق من قوات النخبة (القمصان السود)، والتي ضمت 40 ألف مقاتل، وعمل الألمان على إرسال أسطول من طائرات النقل العسكرية لنقل قوات فرانكو من المغرب إلى أسبانيا، نظراً لصعوبة التحرك البحري عبر مضيق جبل طارق بسبب السيطرة البحرية لجيش مدريد الجمهوري على هذا المضيق.
وبلغت كلفة الحرب أكثر من مليون قتيل من الطرفين، علاوة على الخسائر المادية الكبيرة في الأموال والممتلكات، وهجرة أعداد كبيرة من الإسبان إلى فرنسا والولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية. وكانت نتائج الحرب الأهلية الإسبانية برهاناً على أن الحروب العقائدية الأيديولوجية أشد خطراً على الشعوب من الحروب الخارجية ذات الأهداف السياسية أو الاقتصادية.
وعرف الوطن العربي ومنذ أقدم العصور كل أنواع الحروب، وفي طليعتها الحروب الأهلية، ومن نماذجها الشهيرة في العصر الجاهلي: حرب داحس والغبراء، وقتال عبس وذبيان، وغزوات الصعاليك التي أكّدت أن حروب القبائل المسلحة التي شكّلت النماذج المبكّرة للحروب الأهلية لم تكن بسبب العامل الاقتصادي وحده أي الحصول على المراعي، وغزوات السلب والسطو، بل إن كثيراً من الحروب كانت ذات أهداف مرتبطة بفضائل المجتمع القبلي ومفاهيمه وقيمه، فقد كانت قيم الشجاعة والانتصار للحق والعدالة، والفخر بشرف القبيلة عاملاً حاسماً في توحيد القبائل.
وكانت حروب الردة، ونماذج الحروب الأهلية في العصرين الأموي والعباسي، والتي لم تكن جميعها ثمرة طموحات فردية أو مغانم مادية، وإنما كانت لها أهداف اجتماعية، ونموذجها ثورة الزنج في العراق، وكانت لها أهداف سياسية للحصول على حقوق وامتيازات للشعوب التي اعتنقت الإسلام ديناً.
وكان للعامل الاقتصادي دوره في تلك الحروب الأهلية لتحقيق التوازنات داخل المجتمع الإسلامي. وكثيراً ما كان من تلك الحروب الأهلية ما هو ذو هدف إسلامي واحد يتمثل في إعطاء الأقاليم الإسلامية عربية وغير عربية قوة دفع جديدة لمجابهة الأعمال العدوانية الخارجية، ونموذجها الحروب الصليبية القديمة.
وشكل إرسال الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر جيش مصر لدعم الجمهوريين المناهضين لحكم الأئمة في الحرب الأهلية (1962 - 1967) أول تدخل عسكري عربي في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. تعيش حرباً أهلية طاحنة، أدت إلى استنزاف الجيش المصري، وتمزيق الجبهة العربية، وشكلت فشلاً لمحاولة جمال عبد الناصر تحرير فلسطين عن طريق صنعاء.
وشكَّلت الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1989)، النموذج المتكامل للحروب الأهلية، والتي اختلطت فيها رايات الحرب الطائفية أو الدينية برايات المذاهب الاقتصادية.
وهناك رزمة الحروب الأهلية التي شهدها السودان ولا يزال يشهدها منذ العام 1970، والحروب الأهلية في الجزائر وفي العراق وحالات الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني في لبنان وغزة، التي تجاوز عدد ضحاياها الملايين.
وراهناً، يخشى السوريون أن يتحول مؤتمر جني الثاني المنشود مدخلاَ لأكثر من جني لاحقاً على غرار ما حدث للفلسطينيين في جني 1974 الذي شكل مدخلاً لاتفاقات كامب ديفيد ومؤتمر مدريد ومعاهدة السلام الإسرائيلية - الأردنية واتفاق أوسلو. او بداية لعملية سياسية تفضي إلى عرقنة سورية. وذلك تحت ضغط عملية الربط بين مؤتمري جني الإيراني والسوري.
وبطبيعة الحال، لا يحتاج السوريون إلى الدخول في تيه جديد سبق أن دخله أشقاؤهم الفلسطينيون واللبنانيون والعراقيون تحت رايات السلام والدمقرطة والتسامح.