الرئيسة \  تقارير  \  هناك نور في نهاية هذا العام القاتم

هناك نور في نهاية هذا العام القاتم

23.12.2021
مارغريت رانكيل


- خدمة “نيويورك تايمز”
الشرق الاوسط
الاربعاء 22/12/2021
كانت عبارة “المزيد من النور” هي العبارة الشهيرة التي نطقها الشاعر الألماني غوته، على سرير مرضه الأخير قبيل وفاته، إنها ترجمة غير دقيقة لكلماته الأخيرة الفعلية وهي: “افتحوا مصراع الشباك الثاني لعل مزيداً من النور يدخل”، لكن لا تبال بذلك. بعد ذلك العام الذي تحملناه، ندرك شعور غوته بهذه الحاجة العاجلة الملحة، فعند الشعور بالظلام يرخي سدوله، نستجدي المزيد من النور.
إن ذلك الظلام هو الظلام الحرفي لشهر ديسمبر (كانون الأول)، والقتامة المجازية للعصور الوسطى: التي ساد فيها الجهل، وكانت فيها المخاوف البدائية والانتماءات القبلية هي القوة المحركة، وانتشر فيها العنف. يحاول هذا الظلام طمس نور العلم والفن والحرية، فهو يريد إخماد الحقيقة ذاتها.
بدأ العام المظلم بهجوم عنيف على مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس الأميركي، من جانب أميركيين بتحريض من الرئيس الأميركي السابق. وقد عبر الحزب الجمهوري ذاته عن هذا الهدف من خلال ممارسات الغش غير المقيدة في الدوائر الانتخابية، وقمعه المتسارع لحقوق التصويت، وجهوده المتواصلة لنبذ الجمهوريين الذين يرفضون التعاون مع الانقلاب المتسع النطاق.
لقد بدأ عام 2021 أيضاً في خضم وباء عنيف أدى إلى أزمة صحية عامة كانت لتتحول إلى نصر لو كان قد تم تبني اللقاحات، التي تم تطويرها ببطولة وبسرعة لم يشهدها تاريخ البشرية من قبل، من جانب أمة تتوق إلى حماية مواطنيها الأكثر ضعفاً. بدلاً من ذلك رفض الكثير من الأميركيين تلقي الجرعات، ورفض كثيرون أيضاً ارتداء الأقنعة الطبية الواقية، والإبقاء على مسافة آمنة بينهم وبين الغرباء، وإبداء أي قدرة على العمل الجماعي، ناهيك عن الإيثار. هناك أيضاً أزمة المناخ. ما حجم الظلام الذي يمكن لعام واحد أن يحمله معه؟
أفكر في كلمات غوته في مثل هذا الوقت من كل عام، حيث يوافق يوم الثلاثاء الماضي الانقلاب الشتوي في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وهو فلكياً أول يوم من أيام فصل الشتاء وأطول ليلة في العام. بعد يوم الثلاثاء، سيكون هناك المزيد من النور في السماء. لطالما حمل الصباح بالنسبة لي وعداً بأنه مهما اشتدت الظلمة، دائماً ما يأتي النور.
بسبب النور الذهبي لفصل الخريف، يعد هذا هو الفصل المفضل لي من العام، لكن كان خريف هذا العام من أكثر الفصول إزعاجاً في باحة منزلي في ولاية تينيسي.
أعرف أشخاصاً يرحبون بالظلام، فلطالما فعلوا ذلك. يعمل بيلي رينكل، شقيقي فنان الكولاج، على سلسلة من الأعمال الفنية، لإعداد قطع الملصقات، زار الموقع الإلكتروني للجمعية الدولية للسماء المظلمة للعثور على المكان الأكثر ظلمة في اليوم. عندما وصل إلى المكان المقصود قضى الليلة بأكملها مستلقياً على الغطاء الأمامي لسيارته متطلعاً إلى النجوم.
إن هذا شيء لم أكن لأفعله أبداً؛ لم أكن لأستلقي طوال الليل أتطلع إلى النجوم وأبحث عن أول خيط للفجر. مع ذلك لقد بلغت الستين من العمر، وللمرة الأولى في حياتي بدأت أبحث عن هدايا ومنح الظلام. الانتظار لوقت آخر لعبة تصلح لشاب، فالكائنات الفانية لا تضمن البقاء في المستقبل. بدلاً من البحث بشكل قلق عن النور، يكون من المفيد أحياناً الاستقرار في الظلام. هل يمكن أن يقدم الظلام المجازي نقاط وومضات نوره؟ هل يمكن أن يرشدنا هذا الظلام نحو طريقة أفضل إذا كنا يقظين ونتحلى بالصبر؟
يخطر ببالي جيمي فينش، الرجل في ولاية تينيسي الذي قاد حافلته إلى مدينة مايفيلد بولاية كنتاكي بعد الأعاصير التي ضربت المنطقة خلال الشهر الحالي وأخذ يطعم ناساً من داخل شاحنته وجبات ساخنة على أطباق ورقية مجاناً ويقول “أنا هنا لأن المال غير متوفر للجميع، لكن يريد الناس طعاماً، ويحتاج الناس إلى الطعام”.
إنني أؤمن من أعماق قلبي بوجود كثيرين لا يزالون في الطريق عازمين على التضحية بوظائفهم من أجل الحفاظ على الديمقراطية الأميركية.
استأجر زوجي ليلة الهلال الأخير في العام كوخاً مملوكاً لأحد أصدقائه على أطراف لوست كوف، وهو مكان من أكثر الأماكن ظلمة في ولاية تينيسي، وغادرنا البلدة في وقت متأخر عما خططنا، وكان المكان غارقاً في الظلام، ظلام أكبر من أي ظلام رأيناه في موطننا. عاد زوجي إلى الداخل يخبرني بأن السماء مليئة بالنجوم، وقال لي: “تعالي وانظري إلى الثريا. لم أر الثريا منذ سنوات”.
في تلك الليلة لف الضباب التجويف، ثم أتى الصباح وخيمت سحابة على الكوخ، وتساقطت الأمطار على السطح المعدني له. عم النور والضياء سماء تلك الليلة لبضع ساعات. كان النور هائلاً حتى في أكثر تجاويف الغابة الشتوية ظلمة، وقريباً سيكون هناك المزيد من النور.
- خدمة “نيويورك تايمز”