الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هنيئا للأسد اعترافات أوباما

هنيئا للأسد اعترافات أوباما

01.10.2014
توفيق رباحي



القدس العربي
الثلاثاء 30-9-2014
في مقابلة تلفزيونية الليلة قبل الماضية بالولايات المتحدة، أدلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما باعترافين خطيرين ينسفان الكثير من الأوهام والاساطير عن العمل المخابراتي، ويعيدان الجدل في هذا الموضوع إلى نقطة الصفر. وأكثر من ذلك، يحملانه وإدارته ومساعديه مسؤولية تاريخية في ما ستؤول إليه منطقة الشرق الأوسط.
أقر أوباما بأن المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أساءت تقدير قوة التنظيمات الجهادية في سوريا، فتحوّلت الى خطر داهم جاذب للحالمين بالجهاد من كل ربوع العالم، وبارعة في إدارة وسائط ما يسمى الإعلام الإجتماعي.
وأقرّ بأن وكالة الاستخبارات المركزية بالغت في تقييم أداء الجيش العراقي وقدرته على صدّ مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية أثناء زحفهم على مدن غرب وشمال العراق الصيف الماضي. علماً أن وسائل الإعلام الأمريكية تحفل بتقارير تصل باستمرار إلى البيت الأبيض وأجهزته تتحدث بالتفصيل عن الفساد في الجيش العراقي وانتشار المحسوبية والطائفية والظلم بين قادته وجنوده وانهيار معنوياتهم.
بوضوح أكثر، قللت "سي آي إيه" من أهمية الجهة القوية الخطرة، وبالغت في تقدير قوة الجهة المنهارة أصلا والفاسدة.
والنتيجة كارثة تعيشها منطقة ملغومة أصلا وموبوءة بكل أنواع الشقاء، وحرب، بل حروب، شنيعة لا أحد يعلم نهايتها وكلفتها على المنطقة والعالم.
اعتراف أوباما يبعث على الخوف فعلا من عمل أجهزة الاستخبارات الغربية والأمريكية على الخصوص. فبعد سنوات من التقارير والأخبار عن تجسس وكالة الأمن القومي على دول وقادة العالم، وبعد آلاف الوثائق السرية التي سربها العميل السابق إدوارد سنودن عن هذا العالم المظلم وجوانب خطيرة فيه، يقرّ أقوى رئيس على وجه الأرض بأن "سي آي إيه" أخفقت حيث لا يحق لها أن تخفق.
لم يكن ما حدث في سوريا مجرد صدمة مفاجئة مرت بسرعة حتى تخطئها المخابرات المركزية الأمريكية، أو لا تتوقع حدوثها. كان ذلك مفهوما إلى حد ما في أحداث 11 أيلول/سبتمبر المباغتة.
ولم تقع أحداث سوريا بعيداً جغرافياً في منطقة غير مهيأة لها. العكس هو الصحيح.
ولم تكن من فعل عدو جديد غير معروف من قبل ولا ماض أو سوابق أمنية له.
وهي لم تحدث في زمن الظلمات والجهل، بل في عصر التكنولوجيا المعلوماتية وانسياب الأخبار والصور والوقائع لحظة حدوثها.
هذا الجدل يطرح أسئلة حول القدرة الحقيقية لأجهزة المخابرات العالمية الكبرى. وإذا سلمنا بقدرتها البشرية والتكنولوجيا وانتشارها الفاعل، يطرح سؤال آخر عن "رغبتها" في إدارة الأشياء كما يجب أن تدار، من عدمها.
من المهم ربط إخفاق المخابرات المركزية الأمريكية في سوريا، وفق تصريح أوباما، مع الاستعدادات لغزو العراق في 2003 وما سبقه من عمل قامت به "سي آي أي" اتضح لاحقا أنه أكبر فشل مخابراتي في التاريخ.
صحيح هناك احتمال أن القادة الأمريكيين آنذاك صمموا على احتلال العراق بغض النظر عن العمل المخابراتي ونتائجه، لكن في الحالتين نحن أمام فشل ذريع نعيش وسنعيش نتائجه عقودا أخرى من الزمن.
ومن المهم أيضا رصد أوجه التشابه بين اعتراف أوباما بإخفاق مخابراته في سوريا والعراق، وإخفاق نظيرتها الفرنسية في تونس سنة 2011. صباح يوم الجمعة 14 كانون الثاني/يناير من ذلك العام، وبينما كان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يحزم حقائبه للفرار من ثورة شعبية امتدت في البلاد، كانت السفارة الفرنسية في تونس تبعث البرقيات إلى باريس وتقول: "كل شيء على ما يرام.. الوضع تحت السيطرة". بعد ساعات ركب بن علي وزوجته وأطفاله الطائرة متجهين نحو المجهول!
لم تخترع السفارة الفرنسية شيئا من خيالها، ولا يمكن أن تبعث الى باريس بمثل هذه البيانات في ذروة الثورة التونسية بدون نصح وتوجيه من فرع المخابرات لديها.
سياسيا، هناك ما لا يقل خطورة عما سبق ذكره: اعتراف أوباما هدية سياسية ثمينة نزلت من السماء على نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأبواقه الإعلامية والدبلوماسية.
في الأسابيع الأولى من بدء الثورة السورية، صاح النظام الأسد متهما المشاركين فيها والمتعاطفين معهم بالإرهاب وواصفا إياها بالمؤامرة الكونية. وصمم على النهج ذاته بإصرار عجيب وأسهم بطريقته في تكريس نهجه حتى غلب الإرهاب. وهكذا تحوّلت الثورة في جزء كبير منها، من شعبية من أجل الحرية، إلى إرهاب شنيع يريد أن يعود بسوريا إلى ظلمات القرون الوسطى.
على العالم أن يتوقع مندوب سوريا في الأمم المتحدة ووزير خارجيتها يلقيان خطابات مستشهدَين باعتراف أوباما التلفزيوني، ويكرران بثقة في النفس: قلنا لكم من البداية ورفضتم تصديقنا.
أساسا النظام السوري قطع بنجاح ثلاثة أرباع المسافة في سباق تكريس أطروحة الإرهاب والمؤامرة الكونية.
أثمر إصراره على أنها إرهاب دولي يغذيه العالم ووقوده شبان من الشرق والغرب يتدفقون على سوريا بلا توقف.
كان الأسد ووليد المعلم وبشار الجعفري بحاجة إلى اعتراف من رجل بقوة ووزن أوباما ليشربوا نخب إتمام الربع الأخير من السباق بتفوق، في انتظار الاخفاق المقبل من "سي آي إيه" وأخواتها.
٭ كاتب صحافي جزائري