الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هواجس ومخاوف "جنيف ـ2"

هواجس ومخاوف "جنيف ـ2"

28.10.2013
عمر كوش


المستقبل
الاحد 27/10/2013
لا شك في أن الدعوة إلى مؤتمر جنيف 2، تحمل في طياتها مبادرة روسية أميركية للحوار مع النظام الأسدي، بغية الوصول إلى حلّ مبهم للأزمة السورية، الامر الذي اقتضى تراجعًا أميركيًا عن الدعوة لرحيل الأسد كشرط مسبّق للبدء بأي عملية سياسية. وإذا أضفنا أن الساسة الأميركيين قبلوا دعوة إيران لحضور المؤتمر، فإن ذلك كله يعدّ تعزيزًا لمواقف النظام المجرم، وإقرارًا بدور حليفته إيران في حل الازمة.
ومن الطبيعي أن تثار شكوك كثيرة حول مؤتمر جنيف 2، وبخاصة لدى قطاعات واسعة من الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، حيث أن المهم بالنسبة إلى ساسة كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا هو أن ينعقد المؤتمر، من دون أية ضمانات حول نجاحه في تقديم حل مقبول من قبل جميع الأطراف، وينهي الأزمة السورية. لذلك، تبذل الجهود المحمومة، وتمارس الضغوط على المعارضة، كي تكون مسألة عقده حتمية، ومطلوبة بحدّ ذاتها، وكأنها مسألة قائمة لوحدها، بوصفها إنجازاً، المطلوب التحقيق بأي ثمن، ولو على حساب دماء السوريين وعذاباتهم.
ومن ينظر في تطورات ملف جنيف واحد وجنيف اثنين، يجد أنه بالرغم من كل الحراك الديبلوماسي والسياسي الدولي، الذي تشهده المنطقة، فإن المحصلة صفرية، إذ منذ إعلان جنيف في 30 حزيران/ يونيو 2012 أوكلت الإدارة الأميركية مهمة إيجاد حل سياسي للأزمة السوريّة إلى ساسة الكرملين، من دون أن تبذل أي جهد حقيقي بخصوص إيجاده، بل ولم تتشاور مع حلفائها الفرنسيين والبريطانيين والعرب، بغية إيجاد الحلّ المطلوب، وراحت تتحدث عن المخاوف الكبيرة من سقوط النظام الأسدي، ووصول قوى إسلامية متطرفة إلى الحكم في سوريا، وظلت إلى وقت قريب تعتبر أنّ الوضع في سوريا لا يحظى باولوية في سياستها الخارجية.
بالمقابل، فإن مواقف بعض أطراف المعارضة السورية متضاربة ومرتبكة، إذ يرفض بعضها الذهاب إلى جنيف 2، ويشترط بعض شخصياتها رحيل الأسد كمقدمة لأية عملية تفاوض، في حين تقبّل آخرون الذهاب إلى مؤتمر جنيف 2، بوصفه أمرًا واقعًا، حتى قبل معرفة تفاصيله. والأدهى من ذلك، أن ضغوطاً عديدة تمارس على قوى المعارضة لحضور المؤتمر العتيد، حيث تتحدث بعض شخصيات المعارضة عن تهديدات، أطلقها السفير الأميركي، روبررت فورد، بقطع المساعدات الأميركية، مع أن إدارته تفرض حظراً على تقديم السلاح إلى المعارضة المسلحة، بالرغم من تأكدها من خرق النظام الأسدي للخط الأحمر الذي وضع رئيسه، المتمثل باستخدام السلاح الكيماوي. ولعل من المضحك والمبكي في آن أن يهدد الساسة الأميركيون بقطع شيء لم يقدموه، بالرغم من أنهم أشبعونا كلاماً حول ضرورة "تغيير موازين القوى" لإجبار النظام على الذهاب إلى جنيف، ولم يفعلوا شيئاً في هذا الخصوص.
وليس جديداً، القول بأن كل أطياف المعارضة السياسية السورية، لا تمتلك تصوراً واضحاً ومحدداً حول المشاركة في جنيف 2، وحول من يمثل المعارضة في وفد موحد، ومن يمثل النظام من رموزه الذين لم تتلوث إيديهم بدماء السوريين؟ الأمر الذي يطرح التساؤل عمن في النظام الأسدي يمتلك تفويضاً سياسياً كاملاً ولم تلوث أيديه بالدماء.
ويبدو أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في وضع لا يحسد عليه، إذ طالب رئيسه بالتوافق على "التمسك بثوابت الثورة مهما عظمت التضحيات"، وأكد بأن قراره السياسي بهذا الشأن، كما هو في كل شأن، مرتبط بعملية التواصل المستمرة مع الثوار على الأرض، ويخضع كل قرار يتخذه، في النهاية، للتصويت من قبل الهيئة العامة للائتلاف. وقد جرت حملة تشويه لأحاديث صدرت عنه في بعض المناسبات، بالرغم من أنه شدد على أن لّا حوار مع المجرم بشار الأسد، وأن الحل السياسي يحتاج ظروفاً موضوعية، وفي مقدمها انسحاب قوات الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله الغازية، والحصول على ضمانات عربية وإسلامية للتفاوض، انطلاقاً من ثابتة تنحي الأسد ورموز نظامه المجرم، مع التمسك بحق الجيش السوري الحر بالاستمرار بالقتال للدفاع عن الشعب السوري.
ولعل قوى عديدة في المعارضة السورية تطالب بتنفيذ بنود جنيف 1 الستة، قبل الذهاب إلى جنيف 2، تلك القاضية بوقف إطلاق النار، وسحب وحدات الجيش من المدن والبلدات والقرى السورية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين منذ بدء الثورة السورية، والسماح بكافة أشكال ومظاهر التظاهر السلمي، وتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات كاملة، تشرف على إعادة هيكلة الجيش والأمن والقضاء، بغية الوصول إلى إقامة نظام ديمقراطي وتحقيق تطلعات الشعب السوري.
إن ما يثير التوجس لدى الشعب السوري الثائر، هو أن الولايات المتحدة الاميركية، الشريك الرئيس لجنيف -2، لم تقف بالفعل مع الشعب السوري في محنته الكارثية، بل ووضعت مع حلفائها الأوروبيين حظراً على توريد الأسلحة النوعية إلى الثوار والمقاتلين في الداخل السوري ضد قوات وشبيحة النظام الأسدي، ومنعت محاولات بعض الدول العربية تأمين مثل هذه الأسلحة لهم.
ومن الطبيعي أن يطالب سوريون بتحديد الأسس والمرجعيات والمتطلبات الاستراتيجية، التي يجب معرفتها قبل الذهاب إلى جنيف ، ووضع سقف زمني محدد، ومناقشة وتحديد الشروط التي ينبغي أن تتوافر لنجاح المفاوضات، التي عليها أن تنتهي برحيل نظام الأسد والدخول بمرحلة انتقالية، تفضي إلى سوريا جديدة، دولة مدنية، ديمقراطية وتعددية. وعليه، فإن المطلوب هو وضع أسس واضحة ومحددة للمفاوضات، تنهض على منظور انتقالي سياسي حقيقي. لكن المشكلة هي أن الإدارة الأميركية مازالت غامضة حول ما تقوم به مع الجانب الروسي في ما يخص جنيف ، ويكتفي مسؤوليها بالقول بأن إدارتهم تريد "مساراً انتقالياً في سوريا"، لكن لا أحد يعرف بالضبط ماذا يعني هذا المسار، وماذا تفعل هذه الإدارة مع الجانب الروسي في شأن طبيعة هذا المسار الانتقالي.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي سيحمله مؤتمر جنيف 2 للسوريين، في ظل تجربة أكثر من ثلاثين شهراً خلت من عمر الثورة، ولم يقدم فيها "المجتمع الدولي" الدعم الذي يرتقي إلى مستوى الدعم الذي تلقاه النظام السوري، ويرتقي إلى مستوى أن الحرب التي يخوضها النظام السوري ضد غالبية شعبه، تدار من طرف ساسة روسيا وإيران وحزب الله وبعض القوى السياسية في العراق، في حين أن الشعب السوري تٌرك وحيداً، يقتل منه النظام ما يشاء، ويجتاز كل الخطوط التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية وسواها.
لا يختلف كثير من السوريين على تفضيل حل سياسي، يخلّصهم من المجازر ومن الدمار والكارثة التي سببتها حرب النظام وحلفائه، فالناس في الداخل السوري أرهقتهم المجازر والجرائم، ينامون ويصحون على وقع قصف الطائرات والصورايخ ومختلف أنواع المدافع والراجمات، ومع ذلك فإن غالبية السوريين تختلف كثيراً حول أي حلّ سياسي لا يعيدهم إلى الوراء، أي إلى استبداد حكم آل الأسد، بأبده وإنجازاته وممانتعه. وهناك تخوف من أن يلجأ النظام الأسدي إلى التفاوض، بوصفه لعبة لشراء الوقت. وهي لعبة يجيدها، مثله مثل وصيفه الإسرائيلي، الذي مارس هذه اللعبة عقوداً طويلة مع الفلسطينيين، وتفاوض معهم مع أجل التفاوض فقط، أي من أجل إطالة أمد احتلاله للأرض الفلسطينيية، والخوف من أن تتكرر اللعبة من أجل إطالة أمد احتلال آل الأسد لسوريا.