الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هيرش" والادعاءات الكيماوية

هيرش" والادعاءات الكيماوية

12.04.2014
مارك تشامبيان


الاتحاد
الخميس 10/4/2014
نشر الصحفي الاستقصائي "سيمور هيرش" مقالا حمل ادعاء خطيرا قد يكون له وقع القنبلة في دورية "لندن ريفيو أوف بوكس" مفاده أن النظام السوري ليس هو الذي قصف منطقة خاضعة لسيطرة الثوار في أطراف دمشق بأسلحة كيماوية العام الماضي، وإنما الثوار أنفسهم الذي حصلوا على غاز السارين من تركيا.
وبالنظر إلى حالة التشويش التي توجد عليها الحكومة التركية اليوم والطبيعة المَرضية لبعض المقاتلين الثوار في سوريا، قد يبدو هذا الادعاء ممكنا. غير أن ما يجعلني أعيد النظر وأستبعد ذلك ليس النفي القوي الصادر عن الحكومة الأميركية، وإنما أجزاء من مقال "هيرش" كان ينبغي أن تدق ناقوس الخطر.
الخطأ الأكبر يكمن في تأكيد "هيرش" على أن العينة الكيماوية التي تستند إليها قصته – التي تقول إن غاز السارين الذي استعمل في الغوطة في الحادي والعشرين من أغسطس لم يكن يتطابق مع ذاك الموجود في مخازن النظام السوري - أتت من "عملاء استخبارات عسكرية روس". والعميل الروسي الذي قام بعد ذلك بتسليم العينة لمختبر "بورتون داون" البريطاني من أجل تحليلها كان "مصدرا جيدا" ولديه "سجل يفيد بأنه جدير بالثقة"، وفق مسؤول الاستخبارات الأميركية السابق مجهول الاسم الذي يبدو أنه المصدر الوحيد لادعاءات هُرش.
غير أنه بالنظر إلى عملية الإخفاء والطمس واسعة النطاق التي يقوم بها عملاء الاستخبارات الروسية الآن في أوكرانيا، فإنه من الصعب فهم كيف يمكن لشخص لديه تجربة "هيرش" أن ينشر مثل هذا الكلام من دون تحفظ. فروسيا، في النهاية، حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تثني الولايات المتحدة عن التدخل عسكريا في سوريا. ثم منذ متى أصبح العميل الاستخباراتي لدولة أجنبية يصنع الأدلة للترويج لأهداف دولته "جديرا بالثقة"؟ وإذا كان هذا العميل كذلك بالفعل، فإنه لا يقوم بمهمته.
ثم هناك كمية غاز السارين اللازمة للهجوم. فـ"هيرش" يستهل كلامه بالقول إن تركيا كانت تدرب الثوار على صنع السارين داخل سوريا. والحال أن الوقت والمرافق اللازمة لصنع كمية الغاز التي استعملت في الحادي والعشرين من أغسطس لا تصدق. وقد قام "دان كاسزيتا"، وهو ضابط سابق في الجيش الأميركي، بعمليات حسابية، وخلص إلى أن الهجوم الذي استهدف الغوطة تطلب طناً من غاز السارين على الأقل، والذي حتى في مختبر كبير ومجهز بشكل جيد (وهو شيء من الصعب تخيله في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار) يتم إنتاج جالونين منه فقط في كل مرة.
وبعد ذلك، يقول "هيرش" إن تركيا وفرت السارين والتدريب اللازم لنقله واستعماله. وهذا ممكن ووارد، وإنْ كانت تركيا غير معروفة بامتلاكها لبرنامج أسلحة كيماوية. ولكن هيرش لا يشير إلى افتقار تركيا لبرنامج كيماوي معروف ولا يناقش من أين يمكن أن تكون حصلت على السارين.
وعلاوة على ذلك، فإن "هيرش" لا يتطرق للدليل المادي الذي ظهر عقب القصف، والذي يُظهر أن الرؤوس الحربية الكيماوية نُقلت باستعمال عدد من قذائف "البركان" الكبيرة وقاذفاتها الخاصة بالجيش السوري. ومرة أخرى، أقول إنه من الممكن تخيل أن يكون ثوار سوريا حصلوا على تلك المعدات وسط فوضى الحرب الأهلية؛ غير أن سوريا لم تعلن عن سرقات من هذا القبيل. ثم إن هُرش لم يشر حتى إلى القذائف أو كيف يمكن أن يكون تم الحصول عليها وتزويدها برؤوس حربية كيماوية.
الحكومات الأميركية والبريطانية والفرنسية لم تقل ما يكفي بعد بشأن ما تعرفه عن هجوم الأسلحة الكيماوية الذي نفذ في الحادي والعشرين من أغسطس، كما أننا ما زلنا لا نعرف على وجه اليقين ما وقع. ولكن "هيرش" لم يلق أي ضوء على الجوانب المعتمة في هذه القضية.
ـ ـ ـ ـ
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"